عاملات قطن لم تسلمن من القصف التركي على الشمال السوري

سامر ياسين/ إيفا أمين – الحسكة

كثافة الغبار الذي ملئ المكان بسبب القذيفة، وصعوبة الرؤية، حال دون رؤية حمدة، لما حلّ بالمكان، إذ لا يزال دوي صوت القذيفة في أذنيها، لتكتفي بالإصغاء علها تسمع صوت إحدى بناتها، التي كنَّ برفقتها يعملون في قطاف القطن.

وشنّت تركيا هجمات عنيفة منذ الأسبوع الفائت على مناطق متفرقة في شمال شرقي سوريا، استهدفت منشآت وبنى تحتية كانت مصدراً حيوياً للنفط والغاز والمياه والكهرباء، وقصفت الطائرات الحربية والمسيّرات التركية والمدفعية 224 موقعاً، وفق حصيلة قسم الرصد والتوثيق في نورث برس.

“عندما وقعت القذيفة بالقرب من فرح، حاولنا أنا وبناتي الاختباء بين القطن، وبعدها بدقائق بدأت البحث عنهن”.

لكن عاملات في قطاف القطن لم يسلمن من هذا القصف التركي، لتتوزع خمس نساء بين مشافٍ خاصة وعامة في مدينة الحسكة، يختلف تشخيص حالتهم الصحية بحسب درجة خطورة الإصابة.

إذ إن تركيا قصفت، الاثنين الماضي، أرضاً زراعية، في قرية البشيرية في ريف مدينة الدرباسية الجنوبي الغربي، عبر قذيفة مدفعية ثقيلة، وقعت داخل الأرض التي كان يعمل بها أكثر من 10 نساء في جني محصول القطن، وأصيبت على إثرها 5 منهن إحداهن طفلة.

وتتفاوت الحالة الصحية لكل واحدة منهن، فاثنتان منهن شقيقات، أصيبتا بشظايا كثيفة في منطقتي القدم والبطن، واثنتان منهن أيضاً، أصبن بشظايا في منطقة الرأس والبطن، وواحدة منهن تدعى “فرح العدنان” بترت قدماها بسبب وقوع القذيفة بالقرب منها.

حمدة العبيد والدة بشرى وشقيقتها الطفلة جمانة، اللتين أصيبتا بشظايا في منطقة البطن والقدمين، تصف المشهد الذي حل بهم لحظة سقوط القذيفة.

وتقول لنورث برس: “عندما وقعت القذيفة بالقرب من فرح، حاولنا أنا وبناتي الاختباء بين القطن، وبعدها بدقائق بدأت البحث عنهن”.

وفجأة سمعت صوتاً ظنت أنه بعيد، يقول: “أنا لا أستطيع المشي”، لتعرف أنه صوت ابنتها بشرى التي فقدت قدمها.

وبعدها بحثت عن ابنتها الأخرى (جمانة)، لتجدها في مكان بعيد، تتساءل مستغربة: “كيف وصلت ابنتي إلى هناك؟ قبل القذيفة كنا بجانب بعضنا”.

وما كان من حمدة، إلا أن قامت بحمل ابنتيها وإيصالهن إلى إخوتها الذين قاموا بإسعافهم بالدراجات النارية إلى قرية قريبة قام سكانها بنقل المصابات إلى مشفى الدرباسية وبعده إلى مشافي الحسكة.

وبعد مرور وقت طويل على الحادثة، إلا أن حمدة، لا تزال تشكو من ألم في رأسها وتوتر كبير، فهي لا تعلم إلى الآن ما هو نوع القذيفة التي سقطت عليهم إن كانت من طائرة أو صاروخ أو مدفعية، فكل ما سمعته حينها “صوت صفير القذيفة وشعرنا بضغط هواء عالٍ”.  

ورغم وجوده في منطقة بعيدة عن مكان الاستهداف، إلا أن علي العبيد والد الطفلتين، شاهد لحظة سقوط القذيفة، ليهرع إلى المكان ويتفاجأ بحجم المصيبة التي حلت ببناته وزوجته وأقرباءه.

يقول لنورث برس: “لا أعرف تفاصيل القصف، سوى الدخان والغبار الذي شاهدته من بعيد، وعلمت أن الاستهداف كان في الأرض التي تعمل بها النساء في جمع القطن”.

مصير بعضهم مجهول

وتقول فرحة الفواز، إحدى العاملات التي كانت متواجدة مع المصابات أثناء وقوع القذيفة وخالة فرح، إحدى المصابات، لنورث برس: “في البداية وقعت قذيفة بعيدة عنا بضع الكيلومترات، فأخبرت قريباتي اللواتي كن معي بضرورة مغادرة المنطقة قبل وقوع قذيفة أخرى، ولكن رفضن ذلك”.

وبعد عشر دقائق من القذيفة الأولى “وقعت القذيفة الثانية في الأرض التي نعمل بها بين أختي وابنتها، فانتشر التراب والغبار في كل مكان، وحرقت القذيفة أكثر من دونم كامل من الأرض”.

وعندما ركن الغبار، “قمت لأسأل عن وضع العاملات، فقالت لي أختي أنا أصبت برأسي، وابنتها فرح قالت لي بأن قدميها قد بترت”.

وأضافت: “بعد وقوع القذيفة، أسعفنا الأهالي إلى مشفى مدينة الدرباسية، ومنها إلى مدينة الحسكة، كل واحدة من المصابات حسب حالتها الطبية”.

وعاشت عاملات القطن حالة من الخوف لم تشهدنها من قبل، تقول فرحة: “من الخوف لم نعد نعرف الجنوب من الشمال. والآن لا نزال نجهل من التي تشفى ومن تفارق الحياة بسبب إصابتها”.

تحرير: تيسير محمد