الرقة.. نازحو تل أبيض بين صعوبات العودة ومرارة النزوح
فاطمة خالد/ فياض محمد – الرقة
بعد أن نزحت من منزلها في تل أبيض قبل أربع سنوات، جابهت شمسة مع عائلتها العيش تحت مسمى نازحين في مدينة الرقة شمالي سوريا.
تقول شمس الأحمد (40 عاماً)، وهي إحدى نازحات تل أبيض في الرقة، إنها تعيش مرارة النزوح منذ أربع سنوات بعيدة عن قريتها، تتجدد هذه المعاناة وتخلق غصة في كل ذكرى لنزوحها وآلاف من أقرانها.
“لا أملك حتى خيمة لأحتمي تحت ظلها، أُجبرنا على النزوح، وها نحن نعاني من القلة والعوز”
يكمل مهجرو سري كانيه/ رأس العين، وتل أبيض، عامهم الرابع بعيداً عن موطنهم، الذي نزحوا منه إثر اجتياح تركيا وفصائل مسلحة موالية لها الشمال السوري، في الـتاسع من تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
تضيف “الأحمد” لنورث برس، أن الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها زادت من معاناتهم وأثقلت كاهلها، من صعوبة تأمين احتياجاتهم وقوت يومهم من خلال بيع بعض البلاستيك وبقايا العلب الفارغة التي تجمعها هيا وبناتها.
فبعد أن خرجت مع زوجها المعاق وبناتها دون أي شي يحملونه معهم من منزلهم في تل أبيض، نازحين قبل خمس سنوات، لم تجد أمامها سوى غرفة صغيرة لحّفتها بـ”شادر” مهترئ لتأويهم.
“لا أملك حتى خيمة لأحتمي تحت ظلها، أُجبرنا على النزوح، وها نحن نعاني من القلة والعوز”، تركت المرأة وعائلتها وآلاف النازحين منازلهم، ولا زالوا بين المعاناة وأمل العودة إلى ديارهم، وبحسب توثيق لرابطة تآزر، إن أكثر من 85 بالمئة ممن هربوا إبان العملية التركية لم يعودوا لمنازلهم.
ودفعت العملية التركية لنزوح نحو 300 ألف شخص من ديارهم، بينهم تهجير ما يقارب 175 ألف شخص من المنطقة الممتدة بين سري كانيه وتل أبيض والتي كان يزعم الرئيس التركي بإنشاء “منطقة أمنة” فيها وفقاً لتقارير حقوقية.
ويعاني نازحو تل أبيض من ظروف معيشية صعبة بعد مرور خمس سنوات على نزوحهم. حيث استقر بعضهم في مدينة الرقة، فيما استقر آخرون في مخيم تل السمن المخصص لنازحي تل أبيض.
تضطر “الأحمد” للعيش في غرفة صغيرة مع بناتها الخمس وزوجها المعاق، تعتمد على مساعدات الناس في كثير من الأحيان لتأمين ما يلزم لهم.
“أرهقنا النزوح وأثقلت كاهلنا القلة لا أجد كلمات تصف حالنا وما وصلنا إليه”، تقول المرأة. وتستدرك “لا حول لنا ولا قوة في شيء فقط ننتظر رحمة الله”، وتبقى تتعلق بأمل العودة لديارها.
ويتوزع نازحو تل أبيض في الرقة بين مخيم تل السمن شمالي الرقة، والمدينة فقد اتجه البعض منهم إليها واستأجر منازل بحثاً عن حياة أفضل بعد فقدان الأمل بالعودة إلى الديار.
“نعد فيها غرباء، ويطلق علينا نازحون”
وفي بيت مجاور لسابقته، يعيش عمر شكري، وهو أحد مهجري تل أبيض، مع عائلته بعد أن انتقل للبحث عن عمل عله يأتي منه ببعض المال.
إلا أن الظروف الصعبة وغلاء المعيشة أثقل كاهله في ظل غياب الدعم من قبل المنظمات الدولية والجهات المعنية بالنازحين.
انتقل “شكري” للعيش بمدينة الرقة، ليعمل كسائق على سيارة الأجرة، الشيء الوحيد الذي بقي له من أملاكه بعد أن خسر أرضه ومنزله في قريته في تل أبيض.
لكن الظروف المعيشية الصعبة والغلاء المستمر المرتبط بسعر صرف الدولار الأمريكي، زاد من معاناتهم في تأمين احتياجات عائلته ومتطلباتهم.
يقول النازح إن الأمل بالعودة إلى منزله وأراضيه لا يفارقه حتى بعد كل المعاناة التي عاشوها خلال الحرب، مطالباً المجتمع الدولي باتخاذ موقفاً حازماً ضد تركيا وإعادة النازحين.
ورغم أن حائط البيت ليس كشادر الخيمة، كما يصف عنتر خليل، أحد نازحي تل أبيض، إلا أن البيت أيضاً “بات كالخيمة لافتقاده لأبسط مقومات الحياة”.
نزح “خليل” وعائلته بعد أن سلب “الجيش الوطني” أمواله وأرضه وتاجروا بها، فما كان للرجل سوى النزوح كما أقرانه من تل أبيض.
وبين المعاناة من النزوح وصعوبة العيش في مدينة “نعد فيها غرباء، ويطلق علينا نازحون”، فأمل بالعودة لا زال يحدو “خليل”، إلا أن التهديدات التركية خاصة الأخيرة منها تحول بينه وبين ذلك الأمل.
انتهاكات
تتورط معظم الفصائل الموالية لتركيا بعمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب، حيث سجل قسم الرصد والتوثيق في نورث برس، خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري، اعتقال 496 شخصاً, 79 في سري كانيه و13 في تل أبيض.
واستولت فصائل المعارضة المسلحة الموالية لتركيا على أكثر من 5,500 منزل سكني و1,200 محل تجاري في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، منذ الهجوم على المنطقة في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وذلك حسب رابطة “تآزر” للضحايا في شمال وشرق سوريا.
ووثقت “تآزر” 592 حالة اعتقال، بينها 73 امرأة و53 طفل، و163 شخص على الأقل مختفين قسرياً. بالإضافة لـ 492 حالة تعذيب 6 أشخاص على الأقل قضوا نتيجة التعذيب، ووثقت أيضاً 92 محتجز تمَّ نقلهم إلى تركيا حُكم 55 محتجز بأحكام تتراوح بين 13 عاماً وحتى السجن المؤبد.
بالإضافة لنشاط تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وانخراط عناصر التنظيم ضمن الفصائل الموالية لتركيا، والانتهاكات التي يرتكبها عناصر وقادة الفصائل دون محاسبة، الاقتتال المستمر بين الفصائل، حيث زادت من حالة الفوضى التي تشهدها المنطقة.