نازح من تل أبيض.. هرب من الحرب لتصيبه ندوبها

فاطمة خالد/ فياض محمد – الرقة

ما كان لمحمد سوى الجلوس أمام باب منزله الصغير في أحد الأحياء العشوائية في مدينة الرقة، على كرسيٍ صنع من خشب قديم، ينتظر أن تدنو ساعات الليل ليذهب إلى عمله في حراسة إحدى المدارس القريبة.

يروي محمد شحادة (52 عاماً)، وهو نازح من تل أبيض/ كري سبي قصته لنورث برس، حيث تسببت لها الحرب بمعاناة دائمة، حيث أُصيب الرجل وعانى من ويلات الحرب، والنزوح من قريته قبل أربع سنوات مضت مع عائلته.

ومثل أي نازح نجا من القصف في تل أبيض، هارباً من الموت مع عائلته، اتجه إلى الرقة ليبحث عن منزل يقطن فيه مع عائلته، إلا أن الحرب شاءت أن تترك له ندبة في جسده حتى بعد النجاة من الموت.

في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، اجتاحت القوات التركية والفصائل المسلحة الموالية لها، مدينتي سري كانيه/ رأس العين، وتل أبيض، بعملية عسكرية أطلقت عليها “نبع السلام”.

ودفعت العملية التركية لنزوح “شحادة”، ونحو 300 ألف شخص من ديارهم، بينهم تهجير ما يقارب 175 ألف شخص من المنطقة الممتدة بين سري كانيه وتل أبيض والتي كان يزعم الرئيس التركي بإنشاء “منطقة أمنة” فيها وفقاً لتقارير حقوقية.

وعلى الرغم من مرور أربع سنوات على عملية “نبع السلام”، إلا أن الأمن مفقود في المنطقة، إذ طالما شهدت هذه الفصائل اشتباكات وصراعات على النفوذ والموارد، خلفت قتلى ومصابين بين عناصرها، بالإضافة إلى ضحايا من المدنيين، وهي ما تمنع آلاف النازحين من العودة إلى ديارهم، أي ما نسبته أكثر من 85 بالمئة، وفق رابطة تآزر.

“لا كلام يصف الحال الذي وصلت إليه” بهذه الكلمات المصحوبة ببحة صوت حزينة، يصف الرجل حاله التي وصل إليها بعد أن نزح من منزله في تل أبيض ليهرب مع عائلته إلى الرقة.

فعند دخوله إلى ذلك المنزل في مدينة الرقة تعرض “شحادة” لإصابة في قدمه بعد انفجار لغم كان قد وضع في إحدى الغرف، تسبب بفقدان قسم من إحدى قدميه، لتكون له “ذكرى دائمة من تلك الحرب”.

يعيش “شحادة” مع عائلته وعائلة ابنه في منزل في أحد الأحياء العشوائية في الرقة، والذي يطلق عليه اسم حي الأكراد حالياً، حيث يضطر لاستئجاره واتخاذه ملجأ لهم، ومكاناً آمناً من الحروب وقريب على عمله كحارس في مدرسة الحي.

“استذكر بعد هذه السنوات الخمس مرارة النزوح تارة، وانظر إلى قدمي التي بترت فلا أجد سوى الألم والحسرة على ما فات وما سيأتي من معاناة، وفقدان الأمل بالعودة إلى الديار تارة أخرى”، يقول “شحادة”.

لم يكن ليصاب الرجل لولا نزوحه من منطقته، حينها وجد نفسه مضطراً للهروب من الحرب، وترك ممتلكاته وقريته، “كنا معززين مكرمين، لم نعد نستطيع الوصول إلى منازلنا”.

يقول إنه كان يملك منزلاً وأراضٍ، يعمل بها مع عائلته يعيشون من خيراتها، إلا أن كل تلك الأراضي والأملاك “أصبحت سراباً الآن”، لا يدري “شحادة” فيما إذا بقيت أم أنها أصبحت ركاماً بإحدى ضربات تركيا التي تشنها على مناطق الشمال السوري.

“أُجبرنا النزوح على ظروف معيشية صعبة لكنها أهون من العودة إلى الموت لا أستطيع أخذ عائلتي هناك لكننا نتمنى ذلك”.

ولا يعلم فيما إذا كانت أملاكه صُودرت من قبل الفصائل الموالية لتركيا، حيث يعمد قياديو وعناصر في الفصائل المتواجدة في “نبع السلام”، لمصادرة ممتلكات النازحين، وتوطين عائلات لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وفصائل أخرى.

تتورط معظم الفصائل الموالية لتركيا، بعمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب، حيث سجل قسم الرصد والتوثيق في نورث برس، خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري، اعتقال 496 شخصاً, 79 في سري كانيه و13 في تل أبيض.

واستولت فصائل المعارضة المسلحة الموالية لتركيا على أكثر من 5,500 منزل سكني و1,200 محل تجاري في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وإفراغ 55 قرية من سكانها الأصليين، والاستيلاء على أكثر من مليون دونم من الأراضي الزراعية، منذ الهجوم على المنطقة في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وذلك حسب رابطة “تآزر” للضحايا في شمال شرقي سوريا.

وعلى الرغم من مرور أربع سنوات على عملية “نبع السلام”، إلا أن الأمن مفقود في المنطقة، إذ طالما شهدت هذه الفصائل اشتباكات وصراعات على النفوذ والموارد، خلفت قتلى ومصابين بين عناصرها، بالإضافة إلى ضحايا من المدنيين.

كان “شحادة” وعائلته سعيدين من قبلُ في منزلهم، يعملون بأرضهم ويأكلون منها، كما حال آلاف المهجرين من سري كانيه وتل أبيض. هذه الأمور قد تبدو مختلفة عما هي عليه، في موطن النزوح، حيث أن غالبيتهم يقطن بمخيمات أو بمنازل لا تصلح للسكن، يلجأون إليها بسبب صعوبات اقتصادية.

في الذكرى الرابعة للنزوح، لا يتذكر الرجل سوى الخراب والحرب والألم الذي سببه النزوح لهم، ليعيش في كل عام مثل هذا اليوم في حيرة ما بين أمنيات العودة إلى الديار وفقدان الأمل.

“أُجبرنا النزوح على ظروف معيشية صعبة لكنها أهون من العودة إلى الموت لا أستطيع أخذ عائلتي هناك لكننا نتمنى ذلك”.

تحرير: أحمد عثمان