رأس العين وتل أبيض.. أربع سنوات من الانتهاكات ترقى لفصل عنصري

المقدمة والمنهجية

 تظهر صور الأقمار الصناعية والصور والشهادات، التي جمعها قسم الرصد والتوثيق في وكالة نورث برس، أن أملاك المدنيين في سري كانيه وتل أبيض تعرضت للنهب والاستيلاء وأضرمت النيران فيها وتم تدميرها بدءاً من 9 تشرين الأول/أكتوبر أثناء الاجتياح التركي للمدينتين مع فصائل “الجيش الوطني” الموالي لها ولاتزال مستمرة إلى الآن, كما تسببت بتهجير أكثر من  300 ألف شخص قسراً, ومقتل وإصابة عشرات المدنيين, وفقد مئات الآلاف من سكان المنطقتين الأصليين منازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم, وبعضهم الآن مشتتون في المخيمات والمدارس والقرى والمدن في شمال شرقي البلاد.

نجم عن العمليات العسكرية والاجتياح تدمير الممتلكات والاستيلاء عليها والتهجير القسري وتوطين سكان من خارج المنطقة فيها, وتغيير معالمها من أجل إحداث تغيير ديموغرافي وأثني قائم على دمج وإضفاء الطابع التركي على المعالم الثقافية وتهميش العادات والتقاليد الأصلية  لسكان المنطقتين المذكورتين، عوضاً عن تشكيل صعوبات بوجه عودة سكان المنطقة الأصليين الذين تهجروا قسراً إليها، إذ ارتكبت فصائل الجيش الوطني انتهاكات من اعتقال وتعذيب بحق السكان العائدين إلى المنطقة, وتعد الانتهاكات المذكورة من مظاهر الفصل العنصري, والذي يعد انتهاكاً للقانون الدولي العام، وانتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان التي تحظى بالحماية الدولية، وجريمةً ضد الإنسانية بموجب القانون الجنائي الدولي.

وبغرض إعداد التقرير، قابل قسم الرصد والتوثيق في وكالة نورث برس، 21 شخصاً لمدة شهرين في الفترة الممتدة بين 1آب/أغسطس وحتى 1تشرين الأول/أكتوبر, وأجريت المقابلات بشكل فيزيائي أو عبر الأنترنت مع نازحي سري كانيه “رأس العين” وتل أبيض, الذين تم الاستيلاء على ممتلكاتهم وآخرين تعرضوا للاعتقال والتعذيب عندما عادوا للاطمئنان على ممتلكاتهم, بالإضافة إلى نشطاء وحقوقيين منحدرين من المدينتين, بالإضافة إلى شهادات تعود إلى الأعوام الأربعة الماضية، وتم نشرها مسبقاً على موقع الوكالة كقصص صور أو قصص مصورة, والجدير بالذكر أنه لم يذكر في التقرير جميع الشهادات التي تم جمعها والتي تبلغ 42 شهادة لسكان رأس العين وتل أبيض.

الأسماء الواردة في التقرير أسماء مستعارة, لحماية الأشخاص من أي أعمال انتقامية قد تطالهم أو تطال ممتلكاتهم.

هدم الممتلكات والاستيلاء عليها

بسيطرتها على سري كانيه، استولت فصائل “الجيش الوطني” على ممتلكات المدنيين التجارية والزراعية والسكنية، واقتسموها فيما بينهم، وهدموا وأحرقوا عدداً منها، عوضاً عن النهب الذي طال هذه الممتلكات لم تسلم المنشآت الخدمية كالمدارس والمراكز الصحية وصوامع القمح وغيرها، كما عمدت الفصائل إلى تحويل عدد من المدارس لمقرات عسكرية ومخافر وسجون, عوضاً عن أنهم أرغموا الكثير من السكان على التنازل عن ممتلكاتهم بقوة السلاح, وتعد هذه الممارسات انتهاك واضح وصريح للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وترقى إلى جرائم ضد الإنسانية لكونها تتم على نطاق واسع.

“تركنا كل شيء لننقذ أرواحنا”

“حرقت الفصائل منزلي بما فيه بعد أن دخلوا سري كانيه، رأيت في الصور كيف تحول منزلي وتعب العمر إلى رماد”, تقول فاطمة محمد السبعينية التي خسرت عينيها بسبب البكاء المستمر على منزلها، وبسبب الظروف المأساوية التي تعيشها لوحدها في مخيم نوروز شمال شرقي سوريا.

وتضيف: “لم أكن لأخرج من منزلي. أجبرني أبنائي على الخروج خوفاً على حياتي”.

ويقول عمر العيسى الستيني النازح من تل أبيض إلى مخيم تل السمن بالرقة, “كنت أملك أرضاً زراعية تبلغ مساحتها 400 دونم سقي, وكان لنا منزل, خرجنا إلى هذا المخيم نعيش في ظروفٍ مأساوية, لم نستطع البقاء هناك ولا العودة, نرى حال الباقين العالقين هناك أنهم يعيشون من قلة الموت”.

ويختلف الوضع بالنسبة لـ صلاح إبراهيم الأربعيني النازح من رأس العين إلى القامشلي والذي حاول العودة إلى مسقط رأسه وتفقد ممتلكاته وتعرض للتعذيب والاعتقال لمجرد عودته, “بعد أن هدأت الأوضاع وتوقف القصف على المدينة, رغبت بالذهاب للاطمئنان على ممتلكاتي ولأجلب العدة وبضاعتي الموجودة في المحل الصناعي إلى القامشلي لأستطيع أن أعيل عائلتي, لكن تم اعتقالي وتعرضت للتعذيب والتعنيف لمدة أسبوع متواصل دون توجيه تهمة لي, وتم الإفراج عني بعد أن دفعت عائلتي لفرقة المعتصم بالله فدية مالية تبلغ 5 آلاف دولار أميركي”.

سامر موسى 70 عاماً وهومن المكون المسيحي وكان يقطن في حي المحطة في سري كانيه, كان يملك الرجل محلاً في منطقة الصناعة تبلغ قيمة البضائع وقطع السيارات فيه نحو 7 آلف دولار أميركي تم نهبها من قبل الفصائل عند دخولهم المدينة عام 2019, يقول: “البضاعة  التي سرقت من محلي في رأس العين كانت كل ما أملك, وأنا مسن عليَّ أن أبدأ بمهنة وعمل جديد”, ويقطن السبعيني الآن مع عائلته في مدينة القامشلي وأستأمن على أملاكه الموجودة في رأس العين لدى أحد أقاربه.

وفي السياق ذاته تقول السيدة أمل السيد، من مدينة سري كانيه, إن عائلتها كانت تملك أراضٍ زراعية بمساحة ٤٠٠٠ دونم وتغذيها آبار كبريتية، كانت تتوزع في ثلاثة مواقع وهي قرى تل منده وعبد السلامة ونوفلية، إضافةً إلى امتلاكهم أربع فيلات مع أثاثها، “لم تترك الفصائل لنا شيء. استولوا على كل شيء من منازل وأراضٍ وجرار زراعي, بالإضافة إلى أطنان من الشعير والزيتون كانت معدة للبيع, وحتى مدجنة أخي بما فيها”.

وتضيف السيدة التي تعيش الآن في إحدى الدول الأوربية, “هجرونا من منازلنا وشتتونا, واستولوا على أملاكنا التي تبلغ مليارات الليرات السورية, أدعوا ألا يبارك لهم الله فيها”.

ولا يختلف الوضع بالنسبة للسيدة روج أحمد من سكان سري كانيه وتعيش هي أيضاً في إحدى الدول الأوروبية, “خرجنا من منزلنا منذ اليوم الأول من الاجتياح تركنا كل شيء لننقذ أرواحنا, أبلغنا الجيران الذين بقوا أن الفصائل استولت على منزلنا ودمرت كل الأثاث الموجود فيه, بالإضافة إلى عدة محال تجارية كنا نملكها, ولا نعلم ما مصيرها الآن”.

وتقول سوسن سالم المنحدرة من سري كانيه, “استولى أحد عناصر أحرار الشرقية على منزلنا وأسكن فيه عائلته, بحسب ما عرفناه فإنهم باعوا الكثير من الأغراض والأثاث الذي كان موجوداً فيه, ولا نعلم ما حال مقتنياتنا الشخصية وأوراقنا الثبوتية التي بقيت هناك”.

لم يكن الاستيلاء على الممتلكات ونهبها وترهيب السكان لعدم العودة إليها هو الشكل الوحيد من الانتهاكات التي ارتكبتها فصائل الجيش الوطني بحق سكان المنطقتين, فتعمدت الفصائل بدعم من السلطات التركية تغيير معالم المدن التي فرضت سيطرتها عليها من الجوانب الثقافية والاجتماعية والمدنية والسياسية والاقتصادية.

“رايات غريبة ترفرف فوق رؤوسنا”

“تغيرت معالم المدينة، والغرباء يمرحون في جميع أركان مدينتنا، وتتم سرقتنا علناً ودون حسيب أو رقيب”, حسبما ذكره مصطفى وليد ذو الأربعين عاماً المنحدر من مدينة سري كانيه في شهادته لوكالة نورث برس عام 2020.

أشار الأربعيني في حديثه، أنه فضل حينها البقاء في مدينته، بهدف الحفاظ على بيته وممتلكاته، غير متوقع لحجم الانتهاكات التي شهدها, ويضيف: “باتت المدينة كولاية تركية، جميع المؤسسات تحتوي صوراً لكمال أتاتورك (مؤسس الجمهورية التركية) وأعلاماً تركية، وفي المدارس يتم تدريس اللغة التركية قبل العربية، وسط منع كامل للغة الكردية”.

تظهر صور نشرتها منصات إعلامية تابعة لتركيا والفصائل المسلحة الموالية لها، تغير معالم المدينة بإضفاء صبغة تركية وتعليق لوحات تعريفية للمؤسسات باللغتين “العربية والتركية” وتعليق صور للرئيس التركي أردوغان بجانب مؤسس الدولة التركية أتاتورك داخل المؤسسات.

وأضاف وليد: “أعمال السرقة لم تتوقف داخل المدينة وخارجها، وشملت المواشي والمنازل ومحتوياتها وحتى قواطع الكهرباء وكل ما يحلو لهم”.

كما وذكر أن “التهمة جاهزة لاعتقال كل من يخالفهم أو يقف في طريقهم، وهي التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية”.

ويقول محمد حاجوا عضو لجنة مهجري سري كانيه: “الفصائل الموالية لتركيا قامت بأعمال إجرامية بحق أبناء المنطقة في سري كانيه, وهدفها تقطيع أوصال المنطقة وإحداث تغيير ديمغرافي فبعد أن أفرغت المنطقة من سكانها الأصليين وطنت الفصائل وعائلاتهم, إذ إن أكثر من 70% من سكان سري كانيه وتل أبيض تهجروا قسراً وسلبت أملاكهم ونهبت”.

بينما يقول المحامي شاهين عصمت، المنحدر من مدينة سري كانيه: “نفذوا العدوان على سري كانيه واستخدموا الأسلحة المحرمة دولياً كالفسفور، ونفذت جميع أنواع الانتهاكات والجرائم الشنيعة التي يعاقب عليها القانون الدولي ونظام روما الأساسي, ولا تزال ترتكبها أمام المجتمع الدولي الذي لم يحرك إلى الآن ساكناً”.

وأشار المحامي في حديثه أن فصائل “الجيش الوطني” تتحرك بحسب الأوامر التي تتلقاها من السلطات التركية, وهي المنفذة لخطة تركيا في تحويل المنطقة وتغيرها ديمغرافياً, وأوصى في حديثه أنه على المجتمع الدولي تأمين عودة آمنة للسكان وأن ينهي سيطرة تركيا والفصائل على المناطق المسيطرة عليها, كما أن عليه محاسبة الجناة الذين استمروا في ارتكاب الانتهاكات منذ أن اجتاحتها بحجة تحقيق الأمن والسلام اللذان غابا عن المنطقة منذ أن سيطروا عليها”.

 أدلة عن تغيير معالم المدن والبلدات

تظهر آثار التغيير الديمغرافي وأشكال الانتهاكات التي ارتكبتها تركيا والفصائل الموالية لها في صور الأقمار الصناعية لخمسة مواقع تم تغيرها بشكل جذري إما من أجل تحويلها لقواعد لوجستية وحيوية  للجيش التركي أو مواقع عسكرية للفصائل.

  • حولت السلطات التركية قرية داودية “ملا سلمان” إلى قاعدة عسكرية تركية بعد أن جرفت عدد من المنازل والأشجار وهي الآن منطقة عسكرية.

صورة أقمار صناعية لقرية الداودية في مدينة راس العين قبل جرف المنازل عام 2019

صورة أقمار صناعية لقرية الداودية في مدينة راس العين بعد جرف المنازل عام 2019 وتحويلها لقاعدة عسكرية

  • قرية شركراك في مدينة تل ابيض : جرف عدة منازل في القرية بعد الاستلاء عليها.

صورة أقمار صناعية لقرية الشركراك في تل ابيض قبل جرف المنازل عام 2019

صورة أقمار صناعية لقرية الشركراك  في مدينة تل ابيض بعد جرف المنازل عام 2019

  • قرية باب الفرج: حولت السلطات التركية قرية باب الفرج في مدينة راس العين إلى قاعدة عسكرية تركيا.

صورة أقمار صناعية لقرية باب الفرج في مدينة راس العين قبل انشاء قاعدة عسكرية عام  2019

صورة أقمار صناعية لقرية باب الفرج في مدينة راس العين بعد تحويله لقاعدة عسكرية عام 2019

  • قرية جان تمر: استولت فصائل الجيش الوطني بدعم من القوات التركية على منازل السكان في قرية جان تمر ذات الغالبية الإيزيدية, كما حولت المدرسة فيها إلى مركز عسكري.

صورة أقمار صناعية لقرية جان تمر قبل التغيير عام  2019

صورة أقمار صناعية لقرية جان تمر بعد التغيير عام  2019

هل ما يحدث هو فصل عنصري؟

تشير الشهادات وصور الأقمار الصناعية الواردة في التقرير إلى حدوث انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في مدينتي رأس العين وتل أبيض ترقى لمستوى جريمة الفصل العنصري, إذ إن معظم الانتهاكات التي ارتكبت في المنطقتين أظهرت تمييزاً قائماً على أساس قومي عرقي واضطهاداً لمعتنقي أيديولوجيا وآراء سياسية معينة.

وبحسب عشرات التقارير الصحفية والحقوقية، فإن تركيا والفصائل الموالية لها من خلال عمليات الاستيلاء على الأراضي وممتلكات السكان الكرد, وعمليات القتل خارج نطاق القضاء والتهجير القسري والقيود المفروضة على سكان المنطقة والتي تحرمهم من العودة إليها ومن أبرزها إعاقة  الحريات والحقوق السياسية والمدنية والثقافية والاجتماعية, والتعذيب والإخفاء القسري الذي ينفذ بحق سكان المنطقتين الأصليين لاسيما الكرد, تشكل جميعها أركان جريمة الفصل العنصري بموجب القانون الدولي وهي جريمة ضد الإنسانية كما هي مُعرّفة في نظام روما الأساسي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها في اتفاقية التمييز العنصري.

الإطار القانوني

تنص المادة 17من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “يحق لكل فرد التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا”، لكن عشرات التقارير الحقوقية والإعلامية عن الانتهاكات العقارية في رأس العين وتل أبيض، نشرت دون أن تلقى آذناً صاغية من المجتمع الدولي المفروض حرصه على تطبيق قواعد القانون الدولي العرفي ولاسيما القاعدة 133 المقرر اتباعها في النزاعات الدولية وغير الدولية والتي “توجب احترام حقوق الملكية للأشخاص النازحين”.

كما أنه ووفق المادة 33 من معاهدة جنيف الرابعة عام 1949 والقاعدة 52 من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، المفترض “في حال النزاع المسلح يجب أن لا تخضع العقارات والممتلكات إلى أعمال السلب والنهب”، واليوم يأبى المهجرون قطع رحلة النزوح والعودة لديارهم بالرغم من تواجدهم في مدن قريبة جغرافيا من مدنهم بسبب استيثاقهم من انتهاكات الفصائل بحق أملاكهم العقارية، وخوفهم من اعتداءات على حياتهم وحريتهم وكرامتهم إن حاولوا استرداد حيازتها، مع سهولة إفلات الجناة من العقاب في ظل غياب الرقابة والمسائلة، ويبقى الرهان معقوداً على مدى قدرة المنظمات الأممية والدولية على النهوض بدورها في حماية حقوق المدنيين عامة.

كما أنه يقع على عاتق السلطات المسؤولة عن تشريد الأهالي، أيا كانت، واجب السماح لهم بالعودة الآمنة وتهيئة الظروف لتحقيق ذلك بموجب القاعدة 132 من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي التي نصت على أن “للأشخاص النازحين الحق في العودة الطوعية بأمان إلى ديارهم أو أماكن سكناهم المعتادة حالما تنتفي الأسباب التي أدت إلى نزوحهم” لكن ما حصل هو تعرض المدنيين الفارين من نيران المعارك لأشكال كثيرة من الانتهاكات الحقوقية كانت إحداها الاستيلاء على دورهم ومحالهم التجارية والصناعية وأراضيهم الزراعية، وتركوا لمصائرهم وسط معاناة من قبيل صعوبة استئجار منزل للسكن أو محل مناسب للعمل وإعالة عائلاتهم.

تنص المادة 5 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965 على “ضرورة ضمان حق كل إنسان وبدون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الاثني في التمتع بحق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين “وهكذا فإن الدولة التركية الداعمة للفصائل المسيطرة في رأس العين وتل أبيض بإمكانها القيام بواجبها في منع حصول اعتداءات على حقوق الملكية من خلال الضغط على الجناة وتقديمهم للعدالة لاسيما وأنها صادقت على هذه الاتفاقية، لكن ما يحصل هو سكوتها عن الانتهاكات الجمة التي طالت أملاك السكان وخاصة الكرد والمسيحين والإيزيديين, ومشاركتها وتوجيهها للفصائل في الكثير من المناسبات لارتكاب الانتهاكات بحقهم.

وجاء في المبادئ التوجيهية للقانون الدولي الإنساني توصيف المصنفين “مشردين داخلياً” بأنهم: الأشخاص أو المجموعات الذين أكرهوا على الهرب أو على ترك منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة أو اضطروا إلى ذلك ولا سيما نتيجة أو سعياً لتفادي آثار النزاع المسلح أو حالات العنف المعمم أو انتهاكات حقوق الإنسان والذين لم يعبروا حداً دولياً من حدود الدولة (وثيقة الامم المتحدة ٥٣لعام ١٩٩٨)،  وهكذا فإن المشردين داخليا على أثر حصول اشتباكات أو نزاع مسلح بين جهتين لا يمنحون الحماية التي يلقاها اللاجئون في القانون والمعاهدات الدولية لأنهم لم يعبروا حدود دولتهم، لكن بإمكان المفوضية السامية لحقوق الإنسان وباقي المنظمات الدولية الحكومية وسواها الاضطلاع بدور أفضل في تقصي أوضاع النازحين الذين فقدوا حيازة عقاراتهم ويهابون العودة بالرغم من تعرضهم لظروف معيشية صعبة في المخيمات ولشغف العيش وانعدام السكن اللائق خارج المخيمات.

خروقات جسيمة ممنهجة طالت مواقع أثرية ومراكز ثقافية وغيرها من دور الثقافية, حيث تعرضت لتدمير جزئي أو تم تغيير معالمها والغاية من إنشائها, وكانت اتفاقية لاهاي عام   1954 قد حضت على التزام جميع الأطراف في المنازعات الدولية بحماية التراث الثقافي للشعوب وقد نص البروتوكول الإضافي الثاني لها عام 1999 على “مسؤولية الأفراد عن ارتكاب جرائم من قبيل الاستيلاء على عقارات ومنقولات تراثية ثقافية”.

التوصيات

  • يجب إرسال لجان تقصي حقائق أممية إلى رأس العين وتل أبيض للوقوف على  الانتهاكات العقارية وتوثيقها بالتعاون مع منظمات حقوقية، وإلزام الفصائل الحاكمة بإعادة حيازة الأعيان المنقولة وغير المنقولة لأصحابها الشرعيين.
  • على المجتمع الدولي عبر الهيئات الأممية وبموجب القانون الجنائي الدولي محاسبة العناصر وقادة الفصائل المتورطين بارتكاب انتهاكات حقوقية, والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة.
  • يجب أن يولي المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس حقوق الإنسان اهتمامًا أكبر بالانتهاكات العقارية في رأس العين وتل أبيض، وأن يضغط على السلطات المسؤولة لاحترام حقوق الملكية للأشخاص النازحين، والسماح لهم بالعودة الآمنة إلى ديارهم.
  • على المجتمع الدولي استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة للتنديد والاعتراف بأن ما يحدث في سري كانيه وتل أبيض هو من أركان جريمة الفصل العنصري, ويجب محاسبة الأطراف المتورطين في ذلك.
  • على المفوضية السامية لحقوق الإنسان وباقي المنظمات الدولية تقصي أوضاع النازحين، وتقديم المساعدة اللازمة لهم.
  • يجب على الدولة التركية أن تتحمل مسؤوليتها في منع حصول اعتداءات على حقوق الملكية في رأس العين وتل أبيض، وأن تضغط على الفصائل المسيطرة لوقف هذه الانتهاكات.