كيف تحولت “نبع السلام” إلى مرتع لقيادات من “داعش”؟

غرفة الأخبار – نورث برس

يصادف اليوم الذكرى الرابعة لاجتياح تركيا والفصائل المسلحة الموالية لها لمدينتي تل أبيض، ورأس العين/ سري كانيه، بعملية أطلقت عليها تركيا اسم “نبع السلام”.

سبق تلك العملية عمليات أخرى كـ “درع الفرات” التي اجتاحت فيها ريف حلب الشمالي إلى مشارف منبج، و”غصن الزيتون” التي استهدفت عفرين، جميع العمليات التركية أسفرت على عمليات تهجير للسكان بالآلاف.

لم تتوقف تركيا عن عملياتها في سوريا بعد عمليتها “نبع السلام”، إلا أنه يمكن وصفها بعمليات “محدودة الأهداف”، كعملية “المخلب النسر” أواخر العام الماضي، التي استهدفت الشمال السوري بالطيران المسيّر والمدفعية.

والتصعيد الأخير الذي تسبب بتدمير بنى تحتية ومنشآت تقدم خدمات لملايين السكان في شمال شرقي سوريا، قُدرت أضرارها بملايين الدولارات، مهددة المنطقة بانقطاع للتيار الكهربائي والمحروقات، فضلاً عن عشرات الضحايا.

انتهاكات مستمرة

بالعودة لـعملية “نبع السلام”، أسفرت عن سيطرة تركيا والفصائل الموالية لها على الشريط الحدودي الممتد من سري كانيه إلى تل أبيض، وباتت تأخذ المنطقة اسم العملية التي أطلقتها تركيا.

لكن ما يحدث في المنطقة يخالف اسمها الذي اكتسبته، حيث وثقت تقارير حقوقية انتهاكات بحق سكان المنطقة، فضلاً عن سوء أوضاعهم الخدمية المعيشية، وسط تعتيم إعلامي.

ودفعت العملية التركية لنزوح نحو 300 ألف شخص من ديارهم، بينهم تهجير ما يقارب 175 ألف شخص من المنطقة الممتدة بين سري كانيه وتل أبيض والتي كان يزعم الرئيس التركي بإنشاء “منطقة أمنة” فيها وفقاً لتقارير حقوقية.

كما تتورط معظم الفصائل الموالية لتركيا، بعمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب، حيث سجل قسم الرصد والتوثيق في نورث برس، خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري، اعتقال 496 شخصاً, 79 في سري كانيه و13 في تل أبيض.

واستولت فصائل المعارضة المسلحة الموالية لتركيا على أكثر من 5,500 منزل سكني و1,200 محل تجاري في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، منذ الهجوم على المنطقة في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وذلك حسب رابطة “تآزر” للضحايا في شمال وشرق سوريا.

وعلى الرغم من مرور أربع سنوات على عملية “نبع السلام”، إلا أن الأمن مفقود في المنطقة، إذ طالما شهدت هذه الفصائل اشتباكات وصراعات على النفوذ والموارد، خلفت قتلى ومصابين بين عناصرها، بالإضافة إلى ضحايا من المدنيين.

إضافة إلى ذلك، الصراعات بين عناصر الفصيل الواحد، بسبب خلافات على معابر تهريب. وتستدعي هذه الأحداث عادة تدخلاً عسكرياً تركياً لتطويق ما يحدث والحيلولة دون اتساعه.

ومنذ 2019، وقع في المنطقة 79 تفجير على الأقل، راح ضحيتها، 146 مدني بينهم نساء وأطفال، وأكثر من 300 مصاب/ة، و 65 حالات اقتتال داخلي بين الفصائل، قُتل نتيجتها 5 مدنيين على الأقل، وجُرح أكثر من 36 آخرين، وفق ما وثقت رابطة تآزر.

تسببت الفصائل في مناطق تل أبيض، وسري كانيه، بموجات نزوح، لا تزال مستمرة في ظل عم تحقيق الاستقرار وللانتهاكات التي تًمارس بحق السكان، لم يقتصر النزوح على مكون دون غيره، لكن كان الكرد بنسبة أكبر، إذ لم تبق سوى عائلات قليلة.

وتم الاستيلاء على أراضي ومنازل النازحين بالإضافة لممارسة الفصائل انتهاكات بحق السكان، إذ تكررت حوادث الخطف من أجل الحصول على فدى مالية.

وثقت رابطة تآزر  592 حالة اعتقال، بينها 73 امرأة و 53 طفل. و163 شخص على الأقل مختفين قسرياً. بالإضافة لـ  492 حالة تعذيب 6 أشخاص على الأقل قضوا نتيجة التعذيب، ووثقت أيضاً 92 محتجز تمَّ نقلهم إلى تركيا حُكم 55 محتجز بأحكام تتراوح بين 13 عاماً وحتى السجن المؤبد.

بيئة آمنة لـ”داعش”

إلى جانب ذلك باتت مناطق “نبع السلام” بيئة آمنة لتخفي عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، كم أن الفصائل المتواجدة في تلك المناطق أعادت دمج وفتحت المجال لعناصر سابقين في التنظيم.

وارتكبت تلك الفصائل جرائم ترقى لانتهاكات تنظيم “داعش”، حيث تتورط بعمليات تفجير واستهداف لمدنيين، وتورط أحد الفصائل بقتل هفرين خلف الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل، وهي سياسية كردية.

وبين الحين والآخر تستهدف طائرات التحالف عناصر وقياديين سابقين في التنظيم، سواء بعمليات إنزال أو بالاستهداف المباشر، كان آخرها عملية نفذت أواخر أيلول/ سبتمبر الفائت.

وقالت القيادة المركزية الأميركية، إن قواتها اعتقلت قيادياً في تنظيم “داعش”، بعد تنفيذ غارة بالهليكوبتر في شمالي سوريا، وتمكنت من القبض على أبو هليل الفدعاني، وهو مسؤول العمليات والتسهيلات في تنظيم “داعش” بسوريا، خلال الغارة. تشير التقديرات إلى أن للفدعاني علاقات في جميع أنحاء شبكة التنظيم بالمنطقة.

وقال تروي جارلوك، المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية، إن “إلقاء القبض على مسؤولين في تنظيم داعش مثل الفدعاني، يزيد من قدرتنا على تحديد أماكن الإرهابيين واستهدافهم، وإخراجهم من ساحة المعركة”.

ومنذ عام، استهدفت طائرة مسيّرة تابعة للتحالف الدولي، قيادياً أمنياً في تنظيم “داعش”، في بلدة حمام التركمان بريف تل أبيض، بثلاثة صواريخ، أثناء قيادته دراجة نارية بالقرب من البلدة.

كما وثقت تقارير إعلامية اجتماعات عُقدت بين قيادات من فصيل أحرار الشرقية، مع قيادات “مؤسسين” في تنظيم “داعش” في بلدة سلوك شمالي الرقة لتجنيد شبان لصالح الفصائل، ومن القياديين المتواجدين في سلوك خلف الأحمد، محمد الجدعان، خالد العكال، وفق تقارير.

وينشط في منطقة ريف تل أبيض فصيل القادسية الموالي لتركيا والمدعوم منها، ويتزعمه المدعو “فيصل البلو”، وهو أحد القادة المؤسسين لتنظيم “داعش”، كان يشغل منصب أمير مكتب العشائر وأمير القطاع الشمالي للمدينة.

عاد إلى مدينة تل أبيض شمالي الرقة كقائد لمجموعة القادسية المنضوية تحت راية ما يسمى بالجيش الوطني، الموالي لأنقرة، حيث هرب إلى مدينة أعزاز بعد تحرير الرقة، ومنها إلى الأراضي التركية، وأسس كتيبة القادسية، التي شاركت في الحرب ضد “قسد”، ويتواجد حالياً في سلوك.

استولى فصيل القادسية على ممتلكات ومنازل تعود للمدنيين في بلدة سلوك، ويُتّهم زعيمه بانتهاكات عديدة منها الاستيلاء على سيارات تعود للمدنيين، وقتل أشخاص.

ومنتصف آب/ أغسطس الماضي، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية، عقوبات على فصيلين من فصائل المعارضة المسلحة وثلاثة قياديين ضمن تلك الفصائل لارتكابهم جرائم جسيمة لحقوق الإنسان شمالي سوريا، بالإضافة إلى تاجر سيارات يعمل متصرفاً بأموال قادة أحد الفصائل.

تغيير ديمغرافي

كما تتورط الفصائل الموالية لتركيا بنسف التلال الأثرية بريف تل أبيض، بعمليات تنقيب عن الآثار، ويجري نقل الآثار التي يعثرون عليها إلى تركيا وبيعها لتجّار يتعاملون مع قادة الفصائل.

وعدا عن ذلك، تمارس تلك الفصائل سياسة التغيير الديمغرافي في المنطقة، عبر تهجير السكان الأصليين، والاستيلاء على ممتلكاتهم، وتوطين عناصر من مناطق أخرى وقياديين.

أمام جميع الممارسات التي ترتكبها فصائل المعارضة المسلحة الموالية لتركيا، ونشاط تنظيم “داعش”، تستمر حركة النزوح لسكان المنطقة الممتدة من تل أبيض، حتى سري كانيه.

إعداد وتحرير: أحمد عثمان