شنت تركيا ضربات جوية واسعة النطاق على سوريا، هذا الأسبوع، بعد أن أدى تفجير في أنقرة في الأول من تشرين الأول/أكتوبر إلى إصابة ضابطي شرطة. واتهمت أنقرة باللوم حزب العمال الكردستاني بالهجوم وتعهدت بالرد.
إلا أن الضربات الجوية الحالية في سوريا تذهب إلى ما هو أبعد من مكافحة الإرهاب، فهي مصممة لضرب البنية التحتية وإلحاق الضرر بقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة والتي تقاتل داعش. وتزعم أنقرة أن قوات سوريا الديمقراطية “إرهابية” على الرغم من عدم وجود دليل على أن المجموعة مرتبطة بأي هجمات ضد تركيا أو دول أخرى.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها أنقرة إثر هجوم إرهابي في حملة واسعة النطاق وغير متكافئة والتي تهدف إلى مهاجمة القوات المدعومة من الولايات المتحدة أكثر من هزيمة الإرهابيين. تركيا، على سبيل المثال، تنفذ حملة يومية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، حيث احتفظت أنقرة بالعديد من المواقع الاستيطانية لعقود من الزمن لمحاربة المنظمة. إلا أن الحرب في شمال العراق مختلفة تماماً عن الحرب في سوريا. يمتلك حزب العمال الكردستاني قواعداً لها في جبال شمال العراق، وتقيم تركيا مواقع عسكرية لتنفيذ غارات.
ويمكن أن يؤدي هذا إلى زعزعة استقرار إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي في شمالي العراق. وتركز أنقرة بشكل متزايد أيضاً على الضربات بالقرب من السليمانية، المدينة ذات الغالبية المؤيدة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وعلى هذا النحو، هناك الكثير من المهام المتغيرة في المجهود الحربي التركي. وقد بدأت تركيا بمحاربة حزب العمال الكردستاني في تركيا ثم امتدت إلى العراق، وتستهدف الآن الأحزاب الكردية الأخرى، وتركز بشكل متزايد على القتال في سوريا.
وبحسب تقارير هذا الأسبوع، حذرت أنقرة من أنها ستزيد من هجماتها في شرقي سوريا لاستهداف البنية التحتية. ويمكن أن يشمل ذلك مرافق الطاقة والمواقع الأخرى. وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها تركيا بذلك، ففي عام 2016 أعلنت تركيا أن هدف سياستها الرئيسي في سوريا هو هزيمة الجماعات الكردية وشمل ذلك استهداف وحدات حماية الشعب التي زعمت تركيا أنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني. ثم امتد ذلك إلى قتال قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة أيضاً. وكانت الولايات المتحدة قد دعمت إنشاء قوات سوريا الديمقراطية في عام 2015 لمحاربة داعش.
وتضم قوات سوريا الديمقراطية مجموعات كردية ومجموعات أخرى. وقامت تركيا بتسليح ودعم الجماعات العربية المعارضة لمحاربة المجموعات الكردية في سوريا، في محاولة ساخرة لإلهاء المعارضين عن قتال نظام الأسد، لتحريكهم لمحاربة الكرد. وبدأت هذه العملية في عام 2016 بالقرب من منبج وزادت في عام 2018 عندما قامت تركيا بغزو عفرين، وهي منطقة كردية في شمال غرب سوريا. ثم قامت بغزو منطقة أخرى من سوريا في عام 2019.
تغيير الأولويات السياسية
منذ عام 2020، عندما قامت الانتخابات الأمريكية بتغيير بعض أولويات أنقرة، تعهدت تركيا بمواصلة عملياتها في شمال وشرق سوريا حتى يتم القضاء على قوات سوريا الديمقراطية. وسيشمل ذلك مهاجمة مساحة كبيرة من الأراضي بما في ذلك المناطق والمدن الكردية مثل كوباني وديرك والقامشلي والحسكة ومناطق أخرى. ولا تستطيع أنقرة تنفيذ عملية ضخمة كهذه دون مباركة روسيا وإيران والنظام السوري والولايات المتحدة.
وحاولت تركيا إقناع روسيا وإيران ودمشق بالموافقة. لكن ما حدث هو أنه بدلاً من دعم عملية تركية جديدة، وافقوا على دعم القبائل العربية السورية القريبة من دير الزور لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية. وتشعر هذه العشائر بالغضب من حكم قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات. وللولايات المتحدة قوات في هذه المناطق. وفي الأشهر الأخيرة، نشرت جماعات المعارضة العربية المدعومة من تركيا معلومات تدعم “القبائل”، وبدأت إيران ودمشق وحزب الله في التوافق مع هذه السياسة. وروسيا أيضاً متورطة لأنها تدعم النظام السوري.
وتعلم أنقرة أنها لا تستطيع شن عمليات كبيرة في سوريا دون سبب. لذلك، عندما تتمكن أنقرة من اتهام حزب العمال الكردستاني بالهجمات الإرهابية في تركيا، فإنها تشن غارات جوية واسعة النطاق. وعادةً ما تستخدم الطائرات المسيرة لتنفيذ الضربات لأنه يمكن التخلص من الطائرات المسيرة ولا يبدو أنها مضطرة إلى تنسيق جميع أنشطة الطائرات المسيرة مع الولايات المتحدة في شرق سوريا.
والسماء فوق سوريا معقدة، حيث تحلق طائرات حربية روسية وأمريكية وتركية. وتعمل الولايات المتحدة وروسيا على “عدم التصادم” لكن هذا لا يعني عدم وجود توترات. وأرسلت الولايات المتحدة طائرات إف-22 إلى المنطقة لردع إيران وروسيا.
ويبدو أن تركيا قادرة على تنفيذ معظم ضربات الطائرات المسيرة في سوريا مع الإفلات من العقاب. لكن الولايات المتحدة تحذر من التصعيد الآن. ومن المرجح أن الولايات المتحدة تعلم أن سياسة أنقرة الحقيقية لا تتعلق بمحاربة الإرهابيين، لأن الإرهابيين الذين يقفون وراء تفجير أنقرة ليسوا في سوريا، وبالتالي فإن السياسة الحقيقية هي استخدام الهجوم الإرهابي للتصديق على هدف سياسي أوسع.
وزادت تركيا هذا الأسبوع من ضربات الطائرات المسيرة في سوريا، ويقول السكان المحليون أنه تم إسقاط إحداها. إن الولايات المتحدة حذرة للغاية فيما يتعلق باللغة التي تستخدمها بشأن ما يحدث في سوريا. لكن من الواضح أن السيناريو قد كتب بالفعل فيما يتعلق بما يريده كل طرف. تريد الولايات المتحدة البقاء في شرق سوريا ومواصلة قتال داعش. وتحولت الولايات المتحدة إلى المزيد من الغارات بطائرات الهليكوبتر في سوريا لمحاربة داعش في الآونة الأخيرة. وتواجه قوات سوريا الديمقراطية تحديات متزايدة الآن، ليس فقط من ضربات الطائرات المسيرة التركية، ولكن أيضاً من العناصر القبلية التي يُزعم أن إيران وحزب الله يقومان بتسليحها.
شرق سوريا فقير ومعزول للغاية. فهي محاصرة من قبل تركيا، ولا يرى النظام السوري الوجود الأمريكي كعائق. وبالتالي لا يستطيع الناس هناك، أي المدنيون، الوصول إلى العالم الخارجي. إنه مكان مهجور يستخدم الآن كمسرح للصراع من قبل قوى خارجية كبرى. وقد يرى البعض أوجه تشابه مع الصراع الأخير في ناغورنو كاراباخ، حيث تم حصار منطقة أخرى ذات أقلية سكانية، ومن ثم عانت من الصراع.
وليس من الواضح ما إذا كانت أنقرة رأت في نجاح أذربيجان ضد الأرمن في ناغورنو كاراباخ فرصة لبدء العمليات في شرق سوريا. الفرق هو أنه من المحتمل ألا ترغب جميع الدول الأخرى المعنية، مثل إيران أو روسيا أو الولايات المتحدة، في حدوث عملية تركية. ولكل دولة أجندتها. وهذا مهم أيضاً لإسرائيل لأن إسرائيل لا تريد المزيد من التغلغل الإيراني في سوريا.
كتبه سيث فرانتزمان لصحيفة جيروزاليم الإسرائيلية وترجمته نورث برس