منذ تفجر الأزمة السورية في عام 2011 لم يغادر الرئيس السوري بشار الأسد سوريا إلّا إلى إيران وروسيا. وحتى زياراته لهذين البلدين الصديقين له، لم يكن يعلن عنها إلا بعد انتهائها وعودته إلى دمشق. اللافت في زيارته إلى الصين هو الإعلان عنها قبل نحو أسبوع من القيام بها، وعلى خلاف حقيقتها فقد عدها إعلام النظام زيارة دولة.
من المعلوم أن الرئيس الصيني، بمناسبة افتتاح دورة الألعاب الآسيوية، يدعو جميع رؤساء الدول التي يشارك وفود رياضية منها في الألعاب لزيارة الصين لحضور حفل الافتتاح، ومن ثم لعقد لقاءات ثنائية مع رؤساء الوفود هي أقرب إلى العلاقات العامة. ورد في مقدمة البيان المشترك الصادر عن لقاء الرئيسين الصيني والسوري بهذا الخصوص تلبية لدعوة ” رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ لحضور رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد مراسم افتتاح الدورة الـ 19 للألعاب الأسيوية في الصين …”. وبهذه المناسبة كان من الطبيعي، كنوع من العلاقات العامة التي تحرص عليها الصين، ان يلتقي الرئيس الصيني به كما التقى برؤساء الدول المشاركة في الدورة لتبادل الرأي في القضايا الدولية والعلاقات الثنائية.
تتميز العلاقات السورية الصينية عموماً بالصداقة، فلا يعرف إن اتخذت سوريا أي موقف مخالف لمواقف الصين من القضايا التي تهمها، وقد ردت الصين الجميل بوقوفها إلى جانب سوريا (النظام السوري) في مجلس الأمن خلال الأزمة الراهنة. في جو الصداقة هذا تم تبادل “وجهات النظر حول العلاقات الثنائية بين الصين وسورية، والقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، وتوصلا إلى توافقات واسعة النطاق”. ولقد تم تأطير هذه التوافقات الواسعة النطاق بحسب البيان بـ “الشراكة الاستراتيجية” بين البلدين، للدفع بالتعاون الودي في كل “المجالات على نحو شامل” بما يخدم مصلحة البلدين.
يعد تقليداً وعرفاً دبلوماسياً فيما يخص البيانات المشتركة التي تصدر في ختام اجتماعات وفود الدول التوازن والوضوح، غير ان ذلك لم ينطبق على البيان الذي صدر عن لقاء الرئيس السوري بشار الأسد مع الرئيس الصيني شي جين بين إذ جاءت التزامات الجانب السوري تجاه القضايا التي تهم الصين واضحة ومحددة في نص البيان، أما التزامات الصين تجاه القضايا التي يفترض أنها تهم الجانب السوري فقد جاءت عامة وفضفاضة.
لقد نص البيان على أن الجانب السوري يلتزم بثبات “بمبدأ الصين الواحدة”، وأنه يعترف بأن “حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأكملها، وان تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية..”، ويرفض رفضاً قاطعاً قيام ” أي قوى بالتدخل في الشؤون الداخلية الصينية “، ويدعم كل الجهود المبذولة من قبل الحكومة الصينية من أجل تحقيق ” إعادة توحيد البلاد ” ، ويدعم بثبات الموقف الصيني من المسائل المتعلقة ” بهونغ كونغ ” ، والجهود الصينية للحفاظ على “الأمن القومي” في إطار ” دولة واحدة ونظامين”. ولم يكتف البيان بإلزام الجانب السوري بتأييد مواقف الصين من القضايا سابقة الذكر، وهي عموماً قضايا معترف بها دولياً، لكنه ألزمه بأن يدعم بثابت بعض القضايا الداخلية التي تندرج عادة ضمن قضايا حقوق الإنسان مثل تلك المتعلقة ” بشينجيان ” التي يعدها الجانب الصيني من القضايا المتعلقة “بمكافحة الإرهاب العنيف ونزع التطرف ومكافحة الانفصال “.
أما فيما يخص التزامات الصين تجاه القضايا التي يفترض أنها تهم الجانب السوري بحسب نص البيان فقد جاءت عامة وفضفاضة كنوع من العلاقات العامة والدبلوماسية، ويمكن ان تقال لأية دولة. مثلاً “يدعم الجانب الصيني بثبات الجهود السورية للحفاظ على استقلال البلاد وسيادتها وسلامة أراضيها”، ويدعم “السياسات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية في سبيل الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها وتنميتها”، ويرفض قيام القوى الخارجية بـ” التدخل في الشؤون الداخلية لسورية والمساس بأمنها واستقرارها”، ويرفض “الوجود العسكري غير الشرعي في سورية”، أو إجراء “العمليات العسكرية غير الشرعية فيها”، أو ” نهب ثرواتها الطبيعية بطرق غير شرعية”(متى يكون النهب شرعياً؟!)، وغيرها من المواقف الدبلوماسية التي لا تعني عملياً أي التزام محدد. واللافت خلوّ البيان من أية إشارة إلى احتلال إسرائيل للجولان.
ورد في الفقرة الثالثة من البيان تعبير لافت يخص التعاون “الودي” (وهل يكون التعاون غير ودي؟!) في مجالات الاقتصاد والتجارة وغيرها من مجالات دون ذكر لأية التزامات محددة من الجانب الصيني، تخص مثلاً إعادة الإعمار أو الاستثمار في البنية التحتية حتى تلك التي تشكل جزءاً من مشروع “الحزام والطريق” الصيني. ويدعم أيضاً “الشعب السوري” (انتبه: وليس الحكومة السورية) ” لسلك الطريق التنموي الذي يتماشى مع الظروف الوطنية”. متى كانت الشعوب هي التي تختار الطريق التنموي الذي يتماشى مع ظروف بلدها، خصوصاً في ظروف التخلف، وفي ظل حكم أنظمة استبدادية محافظة مثل النظام السوري.
باختصار ما أرادته الصين من سوريا جاء محدداً وواضحاً لا يقبل التأويل، أما ما يخص سوريا فقد جاء عاماً ودبلوماسياً دون أية التزامات محددة. رغم كل شيء حرص النظام السوري، منذ الإعلان عن الزيارة، على الاستثمار السياسي فيها، في رسائل عدها واضحة لخصومه في الداخل والخارج.