دمشق.. مراكز الهجرة والجوازات تضيق بمراجعين يرون الجواز “قارب النجاة”  

ليلى الغريب ـ دمشق

كالموج المتلاطم يتوافد السوريون إلى مركزي الهجرة والجوازات في كل من منطقتي البرامكة والزبلطاني بدمشق. الأطفال والكبار في السن لا تقل أعدادهم عن الشباب الذين جاؤوا ليبصموا أو ليحصلوا على الجواز، أو ليقدموا معاملة لا يعلمون من أين تبدأ ومتى تنتهي بعدما أجرت الحكومة السورية تعديلات متعددة على طريقة الحصول على جوازات السفر.

وبسبب الأعداد الكبيرة، فأول ما يتبادر للذهن عندما تصل إلى أي من المركزين أن الشعب السوري بمجمله يستعد للرحيل.

من الصباح الباكر تقول مها أحمد (اسم مستعار) لإحدى المصطفات في دور لا نهاية له، إنها جاءت وأسرتها إلى أمام مقر الهجرة في البرامكة من الساعة الرابعة والنصف فجراً لتحجز دوراً باكراً قبل أن يبدأ دوام العاملين في الساعة الثامنة، لتجد عشرات الطوابير المصطفة خلف بعضها بانتظار من يفتح الأسلاك الحديدية ويسمح لهم بالدخول.

أما في منطقة الزبلطاني فالحال يندى له الجبين، إذ إن الصالة رغم كبر حجمها لا تتسع لكل المراجعين لذلك المقر، ولأن الأدوار تتطلب الانتظار لساعات وساعات، يفترش المراجعون الأرض مع أولادهم أو الأدراج بحيث يصبح حتى المشي أو إيجاد مساحة فارغة تسند ظهرك عليها أمر في غاية الصعوبة.

بلا احترام

لا يحظى طالبوا الحصول على جوازات السفر بالاحترام، فقد كان الموظف يطلب من سيدة مسنة أن تنهض وتغادر المكان الذي تجلس فيه، لأنها ستذهب إلى ألمانيا “ولتمت هنالك وليس هنا”.

رغم الفوائد الكبيرة التي يجنيها جميع من يعمل في هذا المجال سواء بشكل نظامي أو غير نظامي، يتعاملون مع المراجعين وأسئلتهم بالكثير من العصبية والتوبيخ أحياناً، بحسب شهادات بعض المراجعين.

فأغلبية المراجعين يصعب عليهم التعامل مع التقنيات الحديثة المطلوبة للحصول على جواز السفر الالكتروني، إذ إن الوقت محدد في الرسالة التي تصل لصاحب المعاملة، إلا أن أغلب المراجعين لم يلتزموا أو ينتبهوا لموضوع التوقيت، ولذلك يصطف عدد من العناصر العاملة في الهجرة والجوازات لإبعاد المراجعين ومنعهم من الدخول بعد طلب الإشعارات التي وصلت على جوالاتهم، والتي تشير إلى أوقات متأخرة من النهار للمراجعة.

وكما أن الناس لا تجيد التعامل مع التقنيات الإلكترونية عموماً، كذلك الحال مع البلاد برمتها، إذ إن مشاكل الحجز على الشبكة للحصول على موعد جعلت أعداد الذين يحصدون الملايين لحجز الدور على المنصة كبير جداً، أو لفتح حساب في البنوك التي تعاقدت معها إدارات الهجرة سواء العامة أو الخاصة.

بل  إن الجواز المستعجل الذي يجب أن تحصل عليه في اليوم ذاته، تكتشف أنه يحتاج إلى مواعيد لا تقل عن ثلاثة أيام، وإذا لم تصلك الرسالة التي يعدوك بوصولها يصبح عليك أن تراجعهم بعد عدة أيام لتستفسر عن مصير جوازك، بحسب ما أشار الكثير من المراجعين للحصول على جوازاتهم.

سمسرة واستغلال

تقول السيدة راما القاضي، إنها راجعت أكثر من مكتب من المختصين بالحجز على المنصة وطلبوا منها مبلغ مليوني ليرة ونصف المليون، ليحجزوا لها الدور، وأنها في النهاية دفعت مبلغ مليون و700 ألف ليرة لأحد الشبان الذين يعملون في هذا المجال، إذ إنهم يحصلون على أنترنت بسرعات عالية ويتابعون موضوع الحجز في أوقات الليل، كما قالت القاضي، ويتقاضون مقابل ذلك هذه المبالغ.

ولفتت القاضي إلى أن كل العمليات الالكترونية لم تمنع السمسرة والاستغلال، بل على العكس أصبحت العمليات منظمة.

مواعيد الحجز على المنصة للحصول على جواز سفر عادي تصل إلى عام 2025، كما أشار صاحب مكتب للحجز بدمشق، حيث أن الرسوم هنا أقل بكثير لا تتجاوز 160 ألف ليرة، ولأن هذه المواعيد بعيدة ولا تلبي حاجة الناس، فعليهم التوجه إلى المستعجل الذي تصل رسومه إلى مليون و50 ألف ليرة بالشكل النظامي، ولكن جميع من تحدثت إليهم نورث برس في صالات الهجرة والجوازات شددوا على أنهم دفعوا مبالغ أعلى بكثير.

يقول أحمد عكاش، وهو اسم مستعار لأحد الذين يفترشون الأرض بانتظار دوره ليبصم، إنه سيتجه إلى السعودية، وإنه مضطر ليتحمل كل تكاليف وأتعاب الحصول على هذا الجواز لأنه “قارب النجاة من المستنقع”، حسب تعبيره.

وفي تعقيبه على السفر والهجرة “لكل من استطاع إليها سبيلا”، قال الناشط الاجتماعي أكرم الجردي لنورث برس، إن غالبية الناس لم تعد تهتم للأخبار عن الإصلاح أو تحسين الوضع المعيشي، والغالبية يسعون للسفر بصمت، لنكتشف اختفاء الكثير من العائلات كل شهر.

تحرير: تيسير محمد