محاولات وعقبات.. اقتصاد الإدارة الذاتية بين مد وجزر؟

القامشلي – نورث برس

رغم محاولات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، العمل على تطوير القطاعات الإنتاجية وبناء اقتصاد محلي، ضمن الإمكانيات المتوفرة، إلا أن هناك عقبات تشكل حجر عثرة أمام تلك المساعي.

وتصنف مناطق الإدارة بأنها من أغنى المناطق السورية، لتنوع الموارد الاقتصادية من (النفط والزراعة والمشاريع التنموية والمعابر الحدودية).

الأهداف والعقبات

وبهدف بناء نواة اقتصاد محلي قوي، أنشأت الإدارة الذاتية نحو 13 معملاً ومصنعاً بمختلف القطاعات في مناطقها خلال السنوات الأخيرة، إلا أن سوء إدارة هذه المنظومة الاقتصادية، كان سبباً في عدم ارتقائها لتحقيق بنية اقتصادية حقيقية متينة، بحسب مسؤولين في الإدارة الذاتية.

هذه العقبات دفعت بالإدارة للقيام بتغيرات على مستوى هيكلية هيئة الاقتصاد ووضع استراتيجيات جديدة تمكنها من إنعاش اقتصادها المنكمش.

ويشدد القائمون على قطاع الاقتصاد في الإدارة الذاتية، بأن الأهداف الرئيسية تتضمن “بناء نواة اقتصاد محلي يكمن بتنظيم آليات العمل الاقتصادي وتطوير القطاعات الإنتاجية الرئيسية وتنظيمها وتحسين مستويات الأداء فيها”.

ويقول محمد شوقي، الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد في شمال شرقي سوريا، إنهم يهدفون لاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة في المنطقة بالشكل الأمثل وتوزيعها بين القطاعات الاقتصادية بشكل يحقق قيماً مضافة حقيقية ويزيد من حجم التراكم الرأسمالي في مناطقهم.

ويضيف لـنورث برس:

“كما نعمل على تنويع القاعدة الإنتاجية وتحسين مستويات العمل والأداء في القطاعات الإنتاجية وتنويع مصادر الدخل من خلال تنفيذ مشاريع تتعلق بالبنية التحتية ومشاريع تنموية صغيرة ومتوسطة ستؤمن العديد من احتياجات الأسواق المحلية وتفتح فرص عمل أمام الداخلين إلى سوق العمل”.

لكن هذه الأهداف تصطدم بالكثير من التحديات للنمو الاقتصادي بسبب “الكثير من التداعيات، أبرزها تدهور سعر صرف الليرة السورية وتراجع القدرة الشرائية للأفراد إضافة لضعف الاستثمارات وقلة تدفق رؤوس الأموال إلى المنطقة، نتيجة عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي التي بدورها تؤثر على مستوى إنتاجية العمل في القطاعات الاقتصادية وخاصة الإنتاجية منها”، وفق “شوقي”.

وخلال سنوات الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، عانت مناطق شمال شرقي سوريا، من دمار هائل في البنية التحتية بالقطاعات الرئيسية أبرزها التعليم والصحة والزراعة والاقتصاد.

إلى ذلك تشهد الليرة السورية هبوطاً كبيراً وتدنٍ في قيمتها أمام العملات الأجنبية، ولا سيما أن سعر صرف الليرة أمام الدولار في السوق السوداء يصل لنحو 14 ألف ليرة.

على الأرض، تعتبر مناطق الإدارة الذاتية هي الأفضل على مستوى دخل الأفراد ضمن القطاعين العام والخاص، مقارنة مع مناطق المعارضة السورية المدعومة من أنقرة أو مناطق سيطرة حكومة دمشق.

ويرى مراقبون، أن التحسن الملحوظ بمستوى الدخل والذي يصل لما يقارب 80 دولاراً أمريكياً كراتب شهري لموظفي القطاع العام في الإدارة الذاتية، “ليس كافياً. إذ إن الأسرة تحتاج لما يقارب  200دولار أمريكي، مقارنة مع التضخم الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، والذي أدى لتدهور القدرة الشرائية وانحسار الطبقة الوسطى إلى حد كبير، بفعل ارتفاع أسعار السلع والمواد الرئيسية المستهلكة”.

وهو ما يشدد عليه “شوقي”، فارتفاع مستويات التضخم في العملة المتداولة يرفع مستوى تكلفة الإنتاج وبالتالي ارتفاع الكلفة الاقتصادية مما يدفع الأسعار لمستويات مرتفعة مرة أخرى”.

ويضيف: “كل ذلك يسبب، وكما هو واضح، ارتفاعاً في أسعار السلع والمواد في الأسواق المختلفة ويؤثر على المستوى المعيشي للناس نتيجة تراجع القدرات الشرائية للمستهلكين الأمر الذي ينعكس على عملية إعادة الإنتاج باتجاه التقلص مما يصيب الإنتاج المحلي بالانكماش ويترك آثاراً سلبية على الاقتصاد المحلي وحجم الإنتاج وحجم الاستهلاك الكلي والاستثمارات وغير ذلك”.

ويشدد الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد، على أن “النقطة المضيئة في هذا المشهد هي أن الإدارة الذاتية ما تزال تقدم الخدمات العامة المطلوبة ضمن حدود إمكاناتها وظروفها الاقتصادية والمالية والسياسية الصعبة”.

المخاوف والتحديات

غياب النمو الاقتصادي رغم تنوع الموارد التي تتمتع به مناطق الإدارة الذاتية، تبرره الأخيرة بعدة نقاط تحد من انتعاش القطاع الاقتصادي.

ويوضح الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد، أن مجموعة من التحديات الأساسية تواجه مناطقتهم أبرزها “الحالة الأمنية غير المستقرة والهجمات التركية المستمرة، مما يتسبب بزيادة حجم المخاوف لدى المستثمرين ويرفع من مستوى مخاطر الاستثمار ويؤثر على حجم العمل الاستثماري”.

والأمر الآخر يتجلى بتراجع القوة الشرائية لليرة السورية إضافة إلى العجز المالي الحاصل في موازنة الإدارة الذاتية نتيجة الدعم الكبير الذي تقدمه لكل من الخبز والمحروقات، بحسب شوقي.

بينما المعضلة الأخرى التي تواجه الإدارة هي “المعابر الحدودية وتحكم الأطراف الأخرى بمسألة فتحها أو إغلاقها، إذ تمارس معظم تلك الأطراف حصاراً على المنطقة بشكل أو بآخر”.

ويشدد على أن عدم فتح معبر رسمي مع مناطق شمال شرقي سوريا كمعبر اليعربية مع العراق “يؤثر أيضاً على مسألة توفير مستلزمات الإنتاج والتقنيات الإنتاجية أو إحداث أزمات في العديد من الأسواق نتيجة قلة تدفق المواد والسلع إليها”.

وأغلق معبر اليعربية / تل كوجر مع العراق، منذ العام 2020 بعد استخدام موسكو وبكين حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي لإغلاق المعبر أمام مرور مساعدات الأمم المتحدة.

ويشدد المسؤول الاقتصادي، على أنهم يطالبون دائماً بفتح معبر اليعربية حتى يتسنى لهم إدخال المنتجات ومستلزمات الإنتاج والمواد اللازمة بشكل رسمي والحصول على التكنولوجيا اللازمة لتشغيل المشاريع الإنتاجية ويرفع من سوية الأداء الاقتصادي في المنطقة.

ويستطرد: “إلا أن ما يحصل أن المعابر المفتوحة تخضع للبازارات السياسية مع الإدارة الذاتية من قبل الأطراف الأخرى على مختلف مسمياتها”.

تحرير: تيسير محمد