ليس اشتراكياً ولا رأسمالياً.. الاقتصاد السوري يطبق “أسوأ” ما في النظامين
ليلى الغريب ـ دمشق
وصف بعض أصحاب الفعاليات الاقتصادية النظام الاقتصادي السوري، بأنه مزيج بين الاشتراكية والرأسمالية! وبأن هذا المزيج أخذ “الأسوأ” في النظامين، ولهذا تجد الاحتكار وتشكيل الثروات على حساب عامة الشعب، حسب قولهم.
ورأى اقتصاديون أن هوية الاقتصاد السوري ضائعة منذ عقود، يتداخل فيه “أسوأ ما في النظام الاشتراكي مع الرأسمالي”.
فمنذ البدء بتطبيق نظام السوق الاجتماعي في مرحلة الألفين، والنظام الرأسمالي يقضي على بقايا النظام الاشتراكي، حتى وصل الأمر إلى تأجير شركات ومؤسسات القطاع العام بعد إنهاكها وإفقارها.
وكان أستاذ الاقتصاد د. عارف دليلية، يتحدث دائماً عن التداخل الكبير ببن الخاص في العام، والعام في الخاص، أي توظيف القطاع العام لخدمة المصالح الخاصة.
الخبير الاقتصادي ياسر عبيد (اسم مستعار)، تساءل فيما إذا كانت هوية الاقتصاد السوري رأسمالية أم اشتراكية؟
وفي إجابته أشار لنورث برس، أن الاقتصاد السوري “مزيج بين النوعين فهو ليس رأسمالي بالكامل، وليس اشتراكي أيضاً بالكامل، لكنه يطبق الأسوأ في كلا النظامين دون أخذ الإيجابيات”.
تناقض الواقع
ويضيف “عبيد” إذا كانت هوية الاقتصاد الوطني هي الاقتصاد الرأسمالي فكان عليه تطبيق مقولة “دعه يعمل دعه يمر”.
وهذا يعني تطبيق الكثير من القرارات التي لا يتم تطبيقها مثل السماح بتداول الدولار، ولكن على أرض الواقع هنالك تجريم لذلك.
وكذلك فتح أبواب الاستيراد والتصدير، وما يحصل هو صدور لوائح منع استيراد لحماية العملة الصعبة تضم عشرات المواد، ونتيجتها تراجع الإنتاج، حسب قول “عبيد”.

وإذا كان النظام الرأسمالي يضمن حرية سحب ونقل الأموال، ولكن هذا لا يحصل وهنالك تقييد لحركة الأموال.
في النظام الرأسمالي يجب تحرير الأسواق والسماح بالمنافسة الشريفة بين المنتجين والمستوردين، وما يحصل في الواقع هو التشجيع على الاحتكار.
رواتب كافية
يضيف الخبير الاقتصادي، أنه إذا كانت هوية الاقتصاد الوطني هي الاقتصاد الاشتراكي فهذا يتطلب أن تكون رواتب العاملين في القطاع العام والخاص تكفي لتحقيق حياة كريمة مع وجود فرص عمل “وهذا غير موجود”، وأن يشعر العاملون بأنهم ينتمون لتلك المؤسسات والشركات التي يعملون فيها، “وهذا غير موجود أيضاً”.
وأثبت الأحداث، بحسب “عبيد”، أن هنالك مشاعر عداء بين العامل ومكان عمله، لأن أغلب الإدارات لا تحفظ كرامة عامليها من جهة، ولأن تلك المؤسسات تستنزف عمرهم دون أن تحميهم من الحاجة.
من شروط تطبيق النظام الاشتراكي أن تكون الأسعار في الأسواق رخيصة، لأن هنالك دعم حقيقي لكافة مدخلات الإنتاج، “والجميع يعلم كيف ترتفع الأسعار في الأسواق سواء للمنتج المحلي أو المستورد”.
كفاءة عالية
وعن مصير القطاع العام في ظل النظام الاشتراكي، قال الخبير “عبيد” إن القطاع العام يجب أن يكون هو المحرك الأساسي للأسواق والإنتاج، ويجب أن يتمكن من إدارة الاقتصاد بكفاءة عالية، ولكن واقع القطاع العام الحالي لا يحقق هذه الشروط.
بل إن الواقع يشير إلى أن الحكومة لا تطبق مقولة “اليد المنتجة هي اليد العليا التي تستحق التقدير”، ولكن يتم القضاء على المزارعين عن سابق الإصرار والترصد من قبل لجان تسعير منتجاتهم (مثل القمح والشوندر السكري والفروج والبيض) “وهذا يتم بالتآمر مع المستوردين”، حسب قوله.
ويضيف أن ما يتم هو “تقييد الصناعيين بقيود لا تصلح للتطبيق في أي زمان ومكان، وذلك من أجل تحقيق مصالح خاصة لبعض المسؤولين في مراكز اتخاذ القرار الاقتصادي”.
محاربة الاحتكار
يتفق مع هذا الرأي عضو في غرفة صناعة دمشق، ويقول لنورث برس، إنه من الضروري أن يتم تحديد هوية الاقتصاد الوطني، وأن يتم محاربة الاحتكار خاصة الذي يهدد الأمن الغذائي.
ويرى أن تحديد هوية الاقتصاد الوطني يساهم في منع الأشخاص في مراكز القرار من اتخاذ قرارات تضر بالاقتصاد والمصلحة العامة، وتحقق مصالح خاصة.
ودعا إلى العمل بطرق مختلفة تقوم على فتح باب الاستيراد والتصدير، ومنح حرية حركة الأموال.
لكن ما يحصل هو إصدار قرارات ساهمت في انهيار مستمر لليرة.
بداية الطريق
وطالب بتمثيل أصحاب الخبرة من تجار وصناعيين في الوزارات، للاعتراض على القرارات التي تضر الاقتصاد وتؤثر على سعر صرف الليرة.
لأن القرارات “الخاطئة” هي بداية الطريق نحو الانهيار الاقتصادي، والتي قد يكون سببها نقص الخبرة، وكذلك لمواكبة التغيرات الاقتصادية المستمرة.
وكمثال على ذلك، قرار إحداث منصة تمويل المستوردات التي تسببت بدور كبير في انهيار الاقتصاد، وتم التراجع عنها دون محاسبة الفاعلين أو تقييم أداء الفاعلين في المصرف المركزي.
وأشار الصناعي إلى ضرورة الاطلاع على تجارب دول نجحت بتطبيق نهضة اقتصادية صناعية وزراعية وتجارية، لأن هذا يختصر على الاقتصاد الوطني الوقوع في تجارب فاشلة، واعتماد قوانين لم تعد تصلح.