زراعة الموز.. هل تنهي قصص عقود من “حرمان” السوريين من المادة؟

ليلى الغريب ـ دمشق

يروى أحد الموفدين في مهمة رسمية قصيرة إلى خارج سوريا، أن المادة التي كان يحاول الفريق السوري العودة بها إلى أسرهم هي الموز.

لأن هذه المادة كانت عبر التاريخ عصية على موائد غالبية السوريين بسبب ارتفاع أسعارها، وحسرة الأهل أمام أطفالهم، لعدم قدرتهم على تلبية حاجتهم لها.

والسبب أنها مادة حصرية الاستيراد لأحد التجار الذي يعرف اسمه السوريون جيداً. فهل تساهم زراعة الموز التي انتشرت مؤخراً في علاج هذا النقص، وكسر الاحتكار لهذه المادة؟

حرب تجار

انخفض سعر الموز مرة واحدة في تاريخه ووصل سعر الكيلو منه إلى 50 ليرة سورية في مرحلة التسعينات. وكان وضع الموز في الأسواق حدثاً استثنائياً في تلك الفترة وعمت “قشوره” الشوارع لكثرة استهلاكه.

ويبين صحفي مختص بالشأن المحلي، أن هذا الوضع لم يستمر طويلاً، لأن ما حصل كان بسبب صراعات بين “حوت الموز” من جهة، ومن دخلوا على خط الاستيراد من جهة ثانية، عند السماح باستيراده.

وبعد بضعة أسابيع، خرج الوافدون من تجار صغار في هذا المجال يجرون خسائرهم وخيبتهم، بعدما تمكن محتكر الموز من تخفيض الأسعار، وتحمل الخسائر الكبيرة التي عجز الباقون عن تحملها فخرجوا من السوق وباعوا الموز الذي لا يمكن تخزينه بأقل من التكلفة.

إذ إن هذه المعارك مكنت الناس من الحصول على هذه الفاكهة، قبل أن تعاود الأسعار إلى الارتفاع مجدداً، ويستمر التحكم في الأسواق. حسب قول الصحفي لنورث برس.

الأرخص

تضيف ربة الأسرة أمل غانم، لنورث برس، أنها تفاجأت بأسعار الموز عندما زارت دولة الإمارات ووجدت أن الموز هو الفاكهة الأرخص، بينما كانت الحمضيات هي الأعلى سعراً.

وظلت “غانم” فترة طويلة تعتقد أن تقديم الموز لضيوفها هناك، هو نوع من التوجيب الكبير، قبل أن تكتشف أنه ليس الفاكهة الأكثر تميزاً في ذاك البلد وغيره الكثير من البلدان، التي تمكن مواطنوها من الحصول على هذه الفاكهة كغيرها.

وحالياً، يصل سعر كيلو غرام الموز في سوريا إلى 15 ألف ليرة تقريباً، وصار شراءه حلماً لدى معظم السوريين.

زراعة الموز بدأت تدخل ضمن الزراعات السورية في الساحل السوري، ورغم أنها بدأت منذ فترة التسعينات إلا أنها  لم تثبت نجاحها كما الآن.

يقول المزارع فادي عثمان، من الساحل، إنه زرع الموز بعدة أنفاق بلاستيكية، وأن شجرة الموز تحتاج إلى الماء، حيث تصل الحاجة إلى 9 ليترات ماء يومياً في الجو الغائم، ونحو 25 ليتراً في الأيام الحارة.

ويضيف، أنه سبق له أن جرب زراعة الموز في مطلع العام 2000 لكنها لم تنجح عندها، لأسباب عدة منها أنه كان يفتقد للخبرة، وبسبب الطقس البارد شتاءً والذي يؤثر على شجرة الموز، قبل أن يعتمد زراعته في الأنفاق، عندها أقلع عن زراعة البندورة البلاستيكية، واستعاض عنها بزراعة الموز.

تغير المناخ

مهندس زراعي في الساحل مختص بالزراعات الاستوائية، قال لنورث برس، إن هذه الزراعة تحتاج إلى رطوبة مرتفعة تصل 90%، ولكن البرد والصقيع يؤثر عليها كثيراً، لأن موطن الموز الأصلي هو المناطق الحارة في دول مثل الهند وجنوب أسيا.

ولفت إلى أنها شجرة مقاومة وزراعتها حالياً تحقق الجدوى أكثر من غيرها من المحاصيل البلاستيكية لأن كلفتها أقل.

وبين لنورث برس، أن تغير المناخ جعل إمكانية زراعة أنواع مكشوفة من هذه الشجرة ممكنة، حيث دخلت البلد أصنافاً جديدة تتحمل ظروف البيئة المحلية.

وتشير الإحصاءات إلى أن المساحات المزروعة في محافظة طرطوس تصل إلى أكثر من 2.773 دونم أنتجت أكثر من 4 آلاف طن موز.

توفير المادة

وعن عوامل نجاح هذه الزراعة في سوريا، قال المهندس، إن ارتفاع تكاليف زراعة الخضار البلاستيكية مع ارتفاع أسعار الموز، وكذلك التغيرات المناخية وتراجع موجات الصقيع التي كانت تحصل “كلها عوامل سببت انتشار هذا النوع من الأشجار”.

ويرى أن نجاح هذه الزراعة سيجعل كميات الإنتاج المطروحة في الأسواق أكبر، وهذا يساهم في توفير هذه المادة والتقليل من استيرادها.

ويتوقع أن الإنتاج لن يتم تصديره لأنه لا يمتلك القدرة التنافسية مع إنتاج الموطن الأصلي للموز.

وعن الموز الذي يدخل سوريا من لبنان، قال إنه يأتي من الجنوب، وهو من ذات الأنواع التي تنتجها سوريا، ولا يمكن أن تصدر لبلدان أخرى غير سوريا.

تحرير: تيسير محمد