دمشق.. القدرة الشرائية “الميتة” تخنق الإنتاج المحلي وتجعل التصدير المنفذ الوحيد

ليلى الغريب ـ دمشق

يتهم التصدير بأنه سبب ارتفاع أسعار السلع في الأسواق المحلية، وبأنه يحرم المواطن المحلي من الحصول على منتجات بلاده، بينما يتنعم فيها المواطن الخليجي أو العراقي الذي تصله تلك المنتجات.

ولكن من يتابعون الواقع الاقتصادي يشيرون إلى أن القدرة الشرائية المنخفضة ستحول دائماً دون تمكن غالبية المواطنين السوريين من تناول الفاكهة أو الخضار المحلية حتى لو انخفض سعرها إلى أقل من نصف تكاليفها.

هذا الحال يضع الحكومات المتلاحقة أمام خيارات أحلاها مر: “إذ إن استمرار التصدير يعني التعرض لحملات غضب كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، كيف أنهم يصدّرون الإنتاج ويتركون أبناء بلدهم محرومين وعاجزين عن التمتع بمنتجات بلدهم؟

وإيقاف التصدير يعني خسائر كبيرة للمزارعين ستدفعهم للتوقف عن الزراعة، وبالتالي ارتفاع جديد لأسعارها، كما حصل مع الكثير من السلع.

وبينما يحتدم الأمر بين هذين الخيارين يبقى جوهر المشكلة قائماً، دون حل وهي الأجور الميتة، التي قضت على الطلب.

جوهر المشكلة

الإعلامي المختص بالشأن المحلي حسين الرفاعي، يقول لنورث برس، إنه ليس بمعرض الدفاع عن الحكومة، “ولكن عندما نجد أن المشاكل ذاتها مستمرة مع تغير الحكومات ومرور العقود فهذا يعني أن هنالك خللاً جوهرياً لا تملك الحكومات قراراً  لعلاجه”.

وأضاف “الرفاعي” أنه “طالما بقيت الأجور المنخفضة على حالها، فلن يجد الشعب السوري حكومة قادرة على إنقاذ الزير من البير”.

فما الذي يمكن عمله لتسويق الإنتاج الزراعي، إذا كانت كل أدوات الإنتاج مرتفعة، بشكل يجعل  سعر المنتج خارج قدرة المستهلك المحلي؟

تحت الضرب

وفي الوقت ذاته عند فتح باب الاستيراد لكي لا يتوقف المزارعون عن الإنتاج، لأن محصولهم لن تصرفه الأسواق الداخلية، يجدون أنفسهم “تحت الضرب” على مواقع التواصل الاجتماعي.

وعند قراءة الواقع بشكل عميق، “نكتشف أن المشاكل تتكرر مع كل حكومة بشكل يؤكد أن المشكلة ليست عندها، فارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة وسعر الصرف يجعل تكاليف الإنتاج مرتفعة للغاية، وخارج قدرة المستهلك المحلي”، بحسب الإعلامي الاقتصادي.

مدير تسويق سابق في وزارة الزراعة يقول لنورث برس، إنه عندما لا يتمكن المستهلك المحلي من الاستهلاك، فهذا يعني إما فتح باب التصدير، أو ترك المنتجين يتكبدون الخسائر السنوية الكبيرة في كل المحاصيل كما حصل خلال العقد الأخير مع الكثير من المنتجات مثل (الحمضيات، الثوم، البصل، زيت الزيتون، وغيرها).

وهذا تكون نتيجته مزيد من ارتفاع الأسعار، حسب قوله، “بسبب النقص في العرض من المنتجات بعد توقف الكثير من الفلاحين عن الزراعة وهجرة الأرض، وهذا بالمحصلة خطر على الاقتصاد والأمن الغذائي”.

السوق المحلية

وكمثال على ذلك يشير إلى أن كلفة إنتاج كيلو الخيار مثلاً هي 4 آلاف ليرة، وعندما لا يصدر سينخفض سعره مع تراجع الطلب إلى 3 آلاف ليرة، وهذا يعني تراجع العرض بعد فترة قصيرة نتيجة تراجع الإقبال على زراعة هذا النوع، الأمر الذي يتسبب بارتفاع سعره مجدداً إلى 8 آلاف ليرة للكيلو بسبب نقص الكميات المطروحة منه في الأسواق.

ويرى أنه طالما بقيت القدرة الاستهلاكية المحلية بهذا الانهيار “فلن يكون هنالك حل لما نحن فيه، لأن أساس التسويق هو السوق المحلية أولاً، ومن ثم التصدير، ولكن ما يحصل أن السوق المحلية لا تستطيع استهلاك الإنتاج، ومنع التصدير يعني تكبيد الفلاحين خسائر كبيرة تجعلهم يتوقفون عن الإنتاج”.

للتصدير مشاكله أيضاً، وفوائده لا تذهب للمنتج، يقول الخبير التنموي أحمد سليمان لنورث برس، إن طريقة التصدير المتبعة حتى الآن “بدائية ومردودها على الفلاح ضعيف جداً، وتذهب فوائدها للتجار.

ويرى أن الحل بإقامة شركات تصدير تخصصية تصل الأسواق العالمية، وتتعاقد مع المزارع لاستلام المحاصيل من الحقول ضمن شروط محددة للمحصول، وخدمات واضحة من قبل الشركة كتقديم العبوات والآليات لأنها مرتفعة التكاليف، ويقع على عاتقها موضوع فرز وتوضيب البضاعة، ليحدد لكل نوع من البضاعة سعرها دون غش.

يدمر الإنتاج

وانتقد الفكرة السائدة بمعاداة التصدير، معتقدين أنه السبب وراء ارتفاع الأسعار، وفي الحقيقة التصدير يخفض التكاليف حسب قوله، ويرفع قيمة العملة المحلية على أن يتم بأسس صحيحة تعود بالفائدة على المزارع وليس التجار والحلقات الوسيطة.

وأشار إلى أن التصدير يساهم في زيادة الإنتاج بشكل يحقق حاجة السوق المحلية، والتصدير، أما كبح التصدير لتغطية حاجة السوق المحلية فهذا يدمر الإنتاج مستقبلاً.

وأضاف “سليمان” أنه عندما يكون هنالك غلاء سعر بأي مادة بعد تصديرها، فيجب على الحكومة أن تشتريها من المنتج بالسعر العالمي، ويتم طرحها في السوق بسعر مدعوم، دون المساس بعجلة الإنتاج، أو سعر التصدير لأي مادة.

تحرير: تيسير محمد