مؤتمر الإسلام الديمقراطي في شمال وشرقي سوريا.. إشكالية في الاسم واحتواء للمجتمع
رميلان – إبراهيم إبراهيمي/ عباس علي موسى – NPA
على مدار يومين أقيم في مدينة رميلان(68 كيلومتر شرق مدينة القامشلي) في -27 28الجاري مؤتمر إسلامي حضره أكثر من ألف شخص من شخصيات دينية إسلامية وأئمة وشيوخ ومعنيين بالشأن العام وبنسبة حضور للنساء تتجاوز الــ/20/ في المئة.
المؤتمر أقيم تحت اسم “المؤتمر الأول لمؤتمر المجتمع الإسلامي الديمقراطي في شمال وشرق سوريا” وتحت شعار “إحياء ميثاق المدينة المنورة لبناء الأوطان وحماية بني الإنسان”.
إشكالية الاسم
حمل المؤتمر مسمّى “الإسلام الديمقراطي” الذي لاقى نقاشا خارج المؤتمر، وصمتاً إزائه وتعريفات فضفاضة داخله، وقد عبّر الكرّاس الخاص بالمؤتمر عن هذه الإشكالية، حيث يرد فيه أنّ “هناك من يقول أنّ الإسلام إسلام فقط دون لواحق، ولكن الأمر أهمّ من ذلك”، “فنجد من الضرورة بمكان أن نؤطر فكرنا الإسلامي بإطار يبعث الاطمئنان لدى الآخر”، ويعلّل ذلك بانتشار مصطلحات من قبيل الإسلام الصوفي والإسلام السلفي والراديكالي، والإسلام الديمقراطي ضمن ذلك السياق.
يقول مازن محمد عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر الإسلام الديمقراطي في حديث لــ”نورث برس” إنّ “الإسلام الديمقراطي هو الإسلام الذي أراده النبي (ص) وأرسى قواعده عند دخول المدينة المنورة” ويشرح محمد ذلك بقوله “نحن نقصد هنا الديمقراطية الحقيقية العمليّة لا المسيّسة التي تغطى تحتها البعض لمصالحهم”.

إلا أنّ آخرين يجدون أنّ المصطلح يحمل إشكالا من حيث الصياغة، فيقول نوبار محمد الباحث والمجاز في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق “لا يوجد إسلام ديمقراطي أو اشتراكي أو رأسمالي، ويمكن التوافق على بعض الجوانب في هذه المصطلحات من دون خرق الأسس الشرعية للدين الإسلامي”.

فيما يذهب فراس مراد وهو أيضا مجاز في الشريعة الإسلامية أنّ “المصطلح يسعى إلى تجبير الإسلام باتجاه السياسة وإلباسه ثوباً آخر”.
ويبدو أنّ مصطلح الإسلام الديمقراطي غير متداول بالفعل، وذلك أنّه لم يتم التطرق إليه سوى في رسالة عبد الله أوجلان (قائد حزب العمال الكردستاني الذي ينظّر في مجالات الفكر والمجتمع) إلى مؤتمر الإسلام الديمقراطي الذي أقيم في تركيا منذ 2016 وذلك كما يبدو من تاريخ الرسالة التي تمت تلاوتها في افتتاحية المؤتمر، والتي يرد فيها مصطلح الإسلام الديمقراطي والذي يقول فيها “إن الإسلام الصحيح هو الإسلام الديمقراطي الأخلاقي السياسي والاجتماعي”، بينما يرد المصطلح أيضاً في بحث نشرته مؤسسة راند الأمريكية بعنوان “الإسلام الديمقراطي المدني”.
ميثاق المدينة
تبنّى المؤتمر “ميثاق المدينة” في شعاره بعنوان “إحياء ميثاق المدينة المنورة لبناء الأوطان وحماية بني الإنسان”، وميثاق المدينة أو صحيفة المدینة، هي دستور مدني، تمت كتابته فور هجرة نبي الإسلام إلى يثرب “المدينة المنورة”، وقد اهتم المؤرخون والمستشرقون بها، واعتبرها بعضهم أهم وثيقة تدعو للعيش المشترك، حيث ورد في نصّها وبنودها ما يفيد بالتعايش بين مجتمع المدينة المختلف.
ويقول الشيخ ناصر القادري عضو مؤتمر الإسلام الديمقراطي: “نحن نتبع ممثل الدين الإسلامي محمد (ص) ووثيقته للمدينة المنورة، ومحاورها هي أنّ لكلّ طائفة عقيدتها، ولكلّ طائفة عاداتها وتقاليدها التي يحترمها الإسلام”.

إلا أنّ سلمى إبراهيم مجازة في الشريعة واللغة العربية لديها وجهة نظر مختلفة فهي ترى أنّ “صحيفة المدينة كانت بمبادرة من نبي الإسلام وممثلا للإسلام الذي كان وقتها في موقف قوة وسيطرة، بينما الدعوة هنا هي من أطراف سياسية”.
ولم يتم نشر نص “الميثاق” في المؤتمر، فتناولت الكلمات التي ألقاها المؤتمرون وجود أديان وطوائف وملل مختلفة في المدينة بينما المعلومات الواردة عن الميثاق تبيّن عقدا بين المسلمين “مهاجرين وأنصار” ويهود المدينة، كما جاءت بعض الكلمات التعريفية التي ألقاها المؤتمرون باللغة الكردية فقط دون ترجمة رغم تواجد كثيف لأئمة وشيوخ عرب من دير الزور والرقة ومنطقة الجزيرة.
مواجهة التطرّف
ويجد المؤتمرون أنفسهم في مرحلة بالغة الأهمية لعقد هكذا مؤتمر، وبخاصة بعد إعلان الانتصار على تنظيم “الدولة الإسلامية” من قبل التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية في آذار/مارس 2019، حيث يكثر الحديث عن مسألة الإسلام وربطه بالتطرّف والعنف.
تقول دلال خليل، الرئيسة المشاركة لأكاديمية الإسلام الديمقراطي: “نحن نواجه فكرً متطرّفاً عنيفاً” و “نودّ في هذا المؤتمر أن نبيّن سماحة الإسلام، وأساس هذا المؤتمر هو وثيقة المدينة المنورة” و”نريد هنا أن نجدّد الخطاب الديني وأن تكون المرأة أيضا مشاركة في تجديد هذا الخطاب”.

ويرى عبد الرحمن بدرخان عضو الهيئة التحريرية في مجلة الإسلام المجتمعي أنّ “الإسلام خرج عن مساره على يد الجماعات التكفيرية، فالإنسان في هذه الحياة له حرية الفكر والمعتقد”، ويؤكد بدرخان وهو عضو في مؤتمر “الإسلام الديمقراطي” أيضا، أنّهم يريدون عبر أعمال مؤتمرهم “تصحيح مسار الدين عن طريق تبنّي ميثاق المدينة المنورة الذي تبنّى العيش المشترك”.

توصيات وقرارات
وفي ختام المؤتمر الذي انتخب ملا محمد غرزي رئيساً مشاركاً لمجلس الشورى المكون من 25 عضواً، على أن يتم انتخاب رئيسة مشاركة له أيضاً في وقت لاحق، خرج المؤتمرون بمجموعة من التوصيات والقرارات، وكان من أهمها تغيير اسم المؤسسة الدينية من اتحاد علماء المسلمين واتحاد مؤسسات المرأة المسلمة إلى “مؤتمر المجتمع الإسلامي الديمقراطي في شمال وشرق سوريا، وذلك لتنضوي تحت سقفه جميع المؤسسات والمنظمات والمكاتب الدينية توحيدا للجهود والهدف”.
كما تقرر افتتاح معاهد لتحفيظ القرآن والسنة النبوية والأخلاق الاجتماعية، ومركز بحوث للعقائد والأديان.
ويسعى المؤتمر إلى محاولة تنظيم الأنشطة الإسلامية متمثلة بالمساجد، فجاءت قرارات في هذا الإطار كـ “تنظيم جميع المساجد في شمال وشرق سوريا وأرشفتها في سجلات المؤتمر ومراجعة جميع القائمين على الشعائر الدينية فيها لتجديد تكليفهم بالمهام الموكلة إليهم”.
كما سيقوم المؤتمر بـ”تدريب جميع أعضاء المؤتمر من كافة المناطق في شمال وشرق سوريا على النظام الداخلي وفكر الإسلام المجتمعي الديمقراطي خلال سنتين”. ويحاول المؤتمر عبر قراراته متابعة أنشطة المساجد عن كثب ضمن مناطق سيطرته عبر “تشكيل لجنة خاصة لاقتراح وكتابة مواضيع شهرية لخطب الجمعة وتضاف إليها المواضيع الطارئة”.
وجاء البند الأخير من قرارات المؤتمر التي تعد ملزمة في البنود ذات الصياغة التأكيدية، أنّ المرأة “تُشارك في كافة المؤسسات واللجان التابعة للمؤتمر من خلال البنود”، وقد كان ذلك جليا من خلال الحضور النسوي الذي تجاوز الـ 20 في المائة ، وبعضوية امرأتين في الديوان.
وتكثر المخاوف في المرحلة اللاحقة لإعلان الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لدى الإدارة الذاتية التي باتت تتوسع في مناطق واسعة في شمال وشمال شرق سوريا، من تأثير أفكار التنظيم المتشدّد على أطياف من المجتمع.
وتحاول الإدارة الذاتية احتواء المجتمع الإسلامي، عبر تنظيم الفاعلين فيه من أئمة وعلماء ومشايخ وشخصيات دينية في أطار يمكن من خلالها السيطرة على أية أفكار متطرفة، بينما يتخوّف البعض من أن يؤدي هكذا مؤتمر إلى مصادرة الخطاب الديني.