منذ انضمام سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية في كانون الثاني من عام 2022 لم يكن هناك أي مشاريع في هذا البلد المنكوب بالحرب.
تم إرسال رسالة سياسية إلى الغرب بعد إعلان الشراكة الاستراتيجية الصينية السورية في الأسبوع الماضي، وهي ثاني أكثر شراكة دبلوماسية شاملة في نظام السياسة الخارجية الصينية، حيث كانت بمثابة دعم مرحب به للرئيس السوري بشار الأسد ليخرج حكومته من العزلة إلى المشهد العالمي.
وعلى نطاق أوسع، تعتبر زيارة الأسد للصين التي استمرت أربعة أيام حيث كانت الأولى منذ عام 2004 خطوةً جديدةً في علاقات الصين مع سوريا وأمراً يستحق التقدير أكثر ما كان بشكل ظاهري، وتروي الأحداث داخل الشرق الأوسط المنكوب قصةً مختلفةً، إذ يأتي الإعلان عن الشراكة مع استمرار احتجاجات معارضة للحكومة في السويداء التي تدخل شهرها الثاني، حيث خرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع تحدياً لحكومة دمشق ومطالبةً برحيل الأسد، وكانت استمراراً للاحتجاجات التي هزت سوريا في عام 2011.
وعلاوةً على ذلك، لم يتم الإعلان عن مشاريع ممولة من الصين منذ انضمام سوريا إلى مبادرة “الحزام والطريق” في كانون الثاني من عام 2022، مما يشير إلى أن بكين لا تعتبر سوريا مكاناً آمناً بعد للاستثمار فيه.
سوريا ليست شريكاً دبلوماسياً أو اقتصادياً مثالياً. ومع ذلك، فإنها تحاول توثيق العلاقات مع الصين بسبب ما تفتقده من استقرار وعوائد استثمار وعزلة اقتصادية، فلا يمكن أن يتحقق التعافي الاقتصادي والتنمية المستدامة بدون الاستقرار السياسي.
الاضطرابات السياسية المستمرة ناتجة عن اعتماد حكومة دمشق على تجارة الكبتاغون والميليشيات المتمردة التي تنتهك اتفاقيات المصالحة المسماة حقوق المواطنين، بالإضافة إلى تقسيم سوريا بين القوى الخارجية، فمن المرجح أن تثبت هذه الشراكة الاستراتيجية أنها لا تعد أكثر من ترقية نموذجية للعلاقات بين سوريا والصين.
سوريا شريك غير مستقر ذو إمكانيات واعدة
بعد اثني عشر عاماً من الصراع الكارثي الذي أسفر عن مقتل حوالي 250،000 مدني، واختفاء أكثر من 150،000 آخرين، وتشريد 14 مليون شخص، وتدمير بقيمة 400 مليار دولار، وعزل سوريا عن الجهات الاقتصادية الغربية، يسعى الرئيس السوري إلى العثور على مانحين ومستثمرين لبرنامج إعادة الإعمار الخاص به، خاصة الذين لا يفرضون شروطاً سياسيةً، فقد تم تحديد الأموال من الغرب لإعادة الإعمار، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على الأشخاص الذين ينسقون أعمالاً مع الأسد.
بالإضافة إلى ذلك، فالشرط المعلن للحصول على تلك الأموال هو إنشاء حكومة انتقالية تتضمن استقالة الرئيس الأسد، وبنفس الوقت تستمر الحكومة السورية ببذل كل ما بوسعها لتبقى مسيطرة.
تدخلت روسيا عسكرياً في سوريا ابتداءً من شهر أيلول من عام 2015، وساعدت حكومة الأسد في استراتيجيتها لتبقى مسيطرة في كل الحالات. وفي مقابل ذلك، حصلت على عقود إعادة الإعمار المسبقة وحقوق استكشاف واستخراج وإنتاج الطاقة التي تكون بمثابة الهيمنة الروسية على صناعة المحروقات في سوريا، وكذلك قدمت إيران دعماً مماثلاً للأسد وحصلت بالمقابل على سيطرة كبيرة على صناعات سوريا الحيوية مثل قطاع الاتصالات.
فيما يتعلق بالعقوبات الغربية، فقد كانت في الغالب غير فعالة في ردع أو عرقلة الكيانات المعاقبة بالفعل مثل نيفتيغز ((Neftegaz وإيفرو بوليس (Evro Polis) وهي شركة طاقة كان يمتلكها الرئيس الراحل لشركة واغنر ((Wagner يفغيني بريغوزين، فقد قامت بالاستفادة من ظروف الساحة الاقتصادية المهجورة في سوريا. ومع ذلك، لا تمتلك روسيا أو إيران الموارد الاقتصادية الكافية لتحمل تكاليف إعادة الإعمار في سوريا، ودونها لا يمكن أن تتوقع موسكو وطهران الحصول على أي عوائد من استثماراتهما.
وها هي الصين تدخل المشهد السوري، فقد كانت روسيا وسوريا منذ فترة طويلة تحاولان جذب بكين للاستثمار في إعادة الإعمار في سوريا لأن ذلك سيسهم في إعادة تأهيل واستقرار الصناعات التي يسيطران عليها الآن.
فمنذ عام 2017، قدمت الصين فرصة الاستثمار لسوريا، داعية إياها للانضمام إلى مبادرة (الحزام والطريق) ومنذ ذلك الحين، أكدت وسائل الإعلام الرسمية السورية باستمرار دعم حكومة الأسد لبكين، وأشادت بوعدها بتعزيز التعاون والمشاركة الاقتصادية، مدعيةً أن التعاون الأوثق مع مجموعة الدول الناشئة الكبرى BRICS يقاوم الاستعمار الغربي ويدعم حقوق الإنسان.
على الرغم من انضمام سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق في كانون الثاني من عام 2022، لم تظهر حتى الآن مشاريع بنية تحتية واضحة هناك، ويعكس الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية على الأرجح استعداد الصين لمساعدة سوريا في إعادة إعمارها، ولكن فقط عندما تعتبر استثمارها آمناً وجديراً بالثقة، ويمكن أن يكون هذا هو الأمر الذي يجعل تقديم روسيا وإيران دعماً للصين للاستثمار في إعادة إعمار سوريا، فالصين ترغب في دعم الأسد ولكن من المشكلات التي تجعل سوريا واقتصادها غير مستقرة هي السلطة المرهونة للجهات الفرعية والخارجية، والحكم القمعي، وانتشار الجرائم، وسوء الإدارة الاقتصادية. علاوة على ذلك، ستؤدي الاستثمارات الصينية في هذا الوقت إلى تعزيز هذه الأمور.
هل هناك شراكة استراتيجية بدون التزام؟
في هذا السياق، قامت الصين وسوريا بتطوير علاقتهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية خلال اجتماع جرى في الثاني والعشرين من شهر أيلول بين الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء الأسد ووفد صيني عالي المستوى في هانغتشو قبل انطلاق الألعاب الآسيوية الـتاسعة عشر.
سوريا هي آخر الدول التي انضمت إلى أكثر من عشر دول إقليمية أخرى لديها شراكات استراتيجية أو شراكات استراتيجية شاملة مع الصين. وكانت هذه أول زيارة للأسد إلى خارج الشرق الأوسط بعد الصراع في سوريا الذي بدأ في عام 2011، وأول زيارة له إلى الصين منذ عام 2004. وخلال مؤتمر صحفي، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن الصين مستعدة لمواصلة العمل مع سوريا والدفاع المشترك عن العدالة الدولية ومقاومة التدخل الأجنبي والترهيب الأحادي الجانب والحفاظ على الاستقلال الوطني والسيادة والسلامة الإقليمية على الرغم من أن الوضع الدولي غير مستقر، حيث كانت هذه التصريحات بمثابة رسالة سياسية إلى الغرب.
بينما منحت بكين الدعم الدبلوماسي للأسد منذ بداية النزاع في سوريا، وتشير هذه الزيارة إلى استعادته شركائه التقليديين ودعم منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، وذلك من خلال عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
اجتمع الرئيس الأسد مع رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ بتاريخ الثالث والعشرين من شهر أيلول، والجدير بالذكر أنه على الرغم من الجرائم البشعة التي ارتكبت تحت إشرافه وتمركز المعارضة داخل وخارج سوريا، يُرحب بالأسد من جديد بعد عزله دولياً.
ومع ذلك، على الرغم من التقدم الذي أحرزته دمشق في العودة إلى المشهد العالمي، لم يتم الإشارة إلى صفقات أو مشاريع ملموسة ممولة من قبل الصين في سوريا.
في الواقع، يبدو أن هذه الشراكة الاستراتيجية ليست مبنية على التزام حقيقي، بل هي وعد محتمل بالتعاون المستقبلي على شروط تصاغ من قبل الصين، وهذا الأمر اعتيادي في علاقات الصين مع الدول الإقليمية.
استثمرت الصين القليل جداً من الـ 400 مليار دولار المُتعهد بها لإيران وفقاً لاتفاقهما في عام 2021، وذلك بسبب التقلبات الاقتصادية الكبيرة في إيران.
مع استمرار التظاهرات المتجددة في منطقة الدروز في السويداء لأكثر من شهر وانتشارها بشكل مؤقت في أجزاء أخرى من سوريا، حيث كانت المظاهرات الأكبر في درعا والمظاهرات الأقل عدداً من المتظاهرين في حلب ودير الزور وحمص وجرمانا، التي أظهرت بأن الشرعية الهشة لحكومة الأسد تتعرض مرة أخرى للتحدي، فإذا كانت الشراكة الاستراتيجية الصينية السورية تريد أن تكون أكثر جديةً فقد تحتاج بكين إلى استثمارات أكثر، وربما رأس مال أكثر لضمان الاستثمارات والعوائد في سوريا.