زيارة الأسد إلى الصين.. من يحتاج الآخر وسط أزمات متزايدة؟

غرفة الأخبار ـ نورث برس

قراءات عدة تناولت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الصين، وهي الزيارة الأولى له منذ 2004، وبينما رأت وسائل إعلام وشخصيات موالية للأسد أن تلك الزيارة تأتي لتكسر العزلة التي يعانيها “النظام السوري”، كان ثمة من يرى أنها لا تعدو أن تكون محاولة صينية لتأكيد حضورها في سوريا، وإعادة التأكيد على مشاريعها هناك، عبر تجديد دعمها “للنظام” الذي تتعمق أزماته الاقتصادية والسياسية خاصة مع استمرار الاحتجاجات في الجنوب.

يقول الصحفي السوري رامي يونس المختص بالشأن السياسي، إن المناسبة المعلنة للزيارة، وهي الأولى للأسد إلى الصين منذ نحو عشرين عاماً، هي حضور افتتاح دورة الألعاب الآسيوية.

لكن هذه الزيارة تأتي في وقت تستعد فيه الصين لعقد منتدى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وكانت المبادرة محوراً مهماً من زيارة الأسد إلى بكين، إذ وقع الجانبان السوري والصيني مذكرة تفاهم حول المبادرة التي انضمت سوريا إليها منذ العام الماضي.

موقع مهم

بالنسبة للصين فإن الزيارة تشكل “رسالة إلى الغرب بأن لبكين موقع مهم في سوريا وهي إحدى الممرات في مشروعها الضخم الطريق الواحد”، كذلك سوريا تسعى “لتأكيد أن علاقاتها مع الحلفاء ما زالت تمضي إلى مسارات أعمق، خاصة بعد عودتها إلى جامعة الدول العربية وكان للصين دور مهم في تلك العودة التي فتحت مسار بداية حل وفق ما عرف بالمبادرة العربية وإن كان لم يحقق أي نتيجة حتى الآن”، بحسب “يونس”.

العامل الاقتصادي هو الأكثر حضوراً في تلك الزيارة، حسب “يونس” الذي يوضح أن تأكيد الرئيس الصيني شي جينغ بينغ على إقامة “شراكة استراتيجية” مع دمشق، يضيف جديداً في الجانب الاقتصادي لتلك الدولة التي لم يغب دعمها السياسي لسوريا إلى جانب روسيا وإيران منذ بداية الأزمة عام 2011، وتمثل خصوصاً في استخدام حق النقض لصالح سوريا ثماني مرات في مجلس الأمن إلى جانب روسيا.

وأضاف “يونس” أن قراءة هذه الزيارة تتباين حسب المواقف السياسية، فهنالك من يرى أن هذه الزيارة وطريقة الاستقبال هي رسالة للغرب والولايات المتحدة بأن سوريا “حليف وصديق”، خاصة مع توقيع اتفاقات “شراكة استراتيجية” كما وصفوها، وأن هذه الاتفاقيات تضاف إلى تاريخ 67 عاماً من العلاقات بين البلدين، بينما يراها آخرون أنها “تخدم تموضع الصين الجديد في العالم”.

وقت عصيب

وفي هذا السياق يقول أكثم علوش (اسم مستعار) لدبلوماسي سابق لنورث برس، إن “الزيارة تأتي في وقت عصيب يعاني فيه النظام السوري اقتصادياً وسياسياً، إذ إن الجنوب السوري وخاصة السويداء يشهد حالة من الغليان، كما أن الاقتصاد السوري يمضي باتجاه التدهور المنفلت، والذي صار من الصعب ضبطه”.

ويشير الدبلوماسي إلى أن زيارة الأسد تأتي ضمن زيارة مسؤولين وقادة من العالم وجهت لهم الصين دعوات لحضور افتتاح دورة الألعاب الآسيوية، وبالتالي فإن الزيارة تأتي ضمن إحياء حدث تشارك فيه مجموعة من الشخصيات، “وهي بشكل خاص لا تعني كسراً للعزلة التي يعيشها النظام السوري، لأن الصين هي ثالث دولة غير عربية يزورها الأسد منذ بداية الأزمة، قبل أكثر من عقد، ولم تشمل سوى الدول الحليفة لنظامه”.

ويضيف أن الزيارة تشكل “تأكيداً من الصين على أنها لاعب أساسي في سوريا، وأنها ماضية في مشاريعها وخاصة ما يعرف بحزام واحد ـ طريق واحد، كما أن بكين تسعى إلى تعزيز حضورها في الشرق الأوسط”، خاصة مع ما تعانيه روسيا منذ الحرب التي بدأتها على أوكرانيا، وأدت إلى خسائر اقتصادية وعسكرية لم تقتصر على طرفي النزاع فحسب بل امتدت إلى معظم دول العالم.

تعزيز الشرعية

ويقول الدبلوماسي السابق، إن الصين تحاول أيضاً أن تعزز “شرعية النظام” الذي يواجه أزمة حقيقية مع الاحتجاجات التي تتواصل منذ أكثر من شهر في مدينة السويداء، وسببت إحراجاً كبيراً له.

لذلك سعى الإعلام السوري وإعلام الحلفاء إلى إظهار الزيارة على أنها “كسر للعزلة”، نحو مزيد من الاعتراف الدولي بالأسد، وهو ما رد عليه متظاهرو السويداء بشعارات توجه انتقادات حادة للزيارة، وتقول إن “الزيارات الخارجية لا تؤدي إلى أي حل، لا يرتكز على الداخل”.

لكن رؤوف العلي وهو اسم مستعار لمحامِ ومحلل في الشأن السياسي الدولي بحلب، يرى أن الزيارة في هذا التوقيت “قد تحدث تغييراً في الاقتصاد السوري ضمن خارطة الطريق الجديد لمشروع طريق الحرير بعد وضع الأسد الجغرافيا السورية ضمن متناول الصين وخروجها من العزلة العربية”.

وبين “العلي” لنورث برس، أن الأسد والوفد المرافق أجروا العديد من اللقاءات مع المسؤولين الصينيين البارزين، وذلك في إطار جهود تعزيز التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين البلدين، في ظل الأوضاع الدولية غير المستقرة والحاجة الماسة لتعزيز التعاون وبقاء سوريا على خارطة أعمال الصين في مواجهة التحديات الراهنة.

إعداد: ليلى الغريب/ آردو جويد ـ تحرير: تيسير محمد