غزوة للجولاني على حدود قسد

كثيرة هي الأصوات التي حذرت من أطماع الجولاني و”هيئة تحرير الشام” مع الحشود العسكرية التي نُقلت لأطراف مدينة منبج لخلق تماس للهيئة مع مناطق قوات سورية الديموقراطية (قسد) تحت ذريعة “الفزعة” لعشائر دير الزور. تلك الفزعة التي بدأت بـ 500 مقاتل من عناصر نخبة الجولاني، ولحق بهم نفس العدد لاحقاً ثم اتبعهم بألف مقاتل من عناصر الهيئة بشكل سري وبلباس فرقتي الحمزات والعمشات التابعتين للجيش الوطني لكن ولاءهما أصبح مؤخراً لهيئة تحرير الشام، كل هؤلاء تجمّعوا في مناطق “درع الفرات”، قرب مدينة منبج، تحت قيادة قتيبة الشيخ شقيق أبو أحمد زكور (أمير المركزية المالية في الهيئة) والذراع المقرب من أبو محمد الجولاني، ورغم التنبيه والتحذير الشعبي للجيش الوطني من خطورة الجولاني ووجوده بمناطق درع الفرات إلا أن الآذان صُمّت وكمّمت الأفواه المحذرة عبر سياسة التطنيش.

خطورة وجود مرتزقة هيئة الجولاني بمناطق الشمال تتأتى أيضاً من وجود أتباع ومبايعين آخرين من فصائل تتستر بعباءة “الجيش الوطني” لكنها تعمل تحت راية إرهاب الجولاني؛ ففصيل أحرار الشام (القاطع الشرقي) التابع للفيلق الثاني منقسم على نفسه ما بين تبعية لهيئة تحرير الشام (أو ما يُعرف بأحرار صوفان بقيادة أبو الدحداح) وما بين تبعية للجيش الوطني (قوات أبو حيدر والتي تبين لاحقاً أنها أيضاً تدخل بانقسام ما بين راغبٍ بالتبعية للجولاني وراغب بالبقاء تحت راية الجيش الوطني) والأمر ليس سراً بل معلناً وصمت عنه الجميع. أيضاً، فرقتي سليمان شاه (قائدها محمد الجاسم الملقب أبو عمشة) وفرقة الحمزة (قائدها سيف بولاد أبو بكر) تتبعان تنظيمياً للفيلق الثاني في الجيش الوطني (تم وضع أسماء قادتها على قوائم العقوبات الأمريكية مؤخراً) لكن ولاء تلك الفرق وتحالفها مع هيئة تحرير الشام أيضاً ليس سراً ومعروفاً للجميع، ومع ذلك صمت الجميع ولأسباب مجهولة، وبالتالي وجود قوات للجولاني مع حلفاء محليين (قطاع من أحرار الشام وفرقتي الحمزات والعمشات) قادرة على تشكيل نقطة ارتكاز وقاعدة انطلاق لعمل عسكري حيث أرادت هيئة تحرير الشام. ورغم ذلك، فالجميع من قادة الجيش الوطني أقنع نفسه كذباً أن تلك القوات هي للفزعة اتجاه عشائر دير الزور من أجل مساندتها بحربها الدائرة هناك مع قوات “قسد”.

النوايا الحقيقة لهيئة الجولاني كانت شبه معروفة وموجهة نحو السيطرة على معبر الحمران، ذلك المعبر الذي يضخ قرابة خمسة ملايين دولار شهرياً كرسوم مرور النفط وغيره من مواد من مناطق شرقي الفرات، وتسيطر عليه “حركة أحرار الشام” بقيادة أبو حيدر وأبو دجانة الكردي التابعة للفيلق الثاني في الجيش الوطني، أما أرباح المعبر فيتم تقاسمها بين حركة أحرار الشام ووزارة دفاع “الحكومة المؤقتة” التي فرزت بعضاً من موظفيها للعمل والمراقبة على المعبر.

بشكل دراماتيكي وغير معروف إن كان بتنسيق مسبق أم مصادفة (العسكر لا يثقون بتعبير “مصادفة” في ساحات المعارك)، كان هناك هجوم من قوات “قسد” على نقاط قتالية تتبع لأبو دجانة الكردي من حركة أحرار الشام على محور عبلة، تل بطال، أطراف مدينة الباب، وأدى الهجوم لمقتل سبعة أشخاص وجرح آخرين، ويأتي هذا الهجوم ضمن سلسلة هجمات واشتباكات متبادلة حصلت في محيط مدينة “منبج” على خلفية القتال الذي اندلع في أرياف دير الزور بين أفراد بعض العشائر وقوات قسد، وعنونت الهجمات على منبج على أنها نوع من المشاغلة والإرباك لقوات قسد يمكن اعتبارها جزءاً من الفزعة للعشائر من قبل بعض فصائل الجيش الوطني.

لكن المفاجئ كانت باستغلال الجولاني لما حصل وتقدم أرتاله تدعمها مجموعات أحرار صوفان لتسيطر على تلك المقرات على محور عبلة وتل بطال وبعض النقاط في محيط مدينة الباب، مع أسر بعض المجموعات المقاتلة لفصيل احرار الشام، وأعلنت الهيئة هدفها الرئيسي بعد أن طالبت الجيش الوطني بتسليم معبر الحمران بأقصى سرعة ممكنة لعناصر هيئة تحرير الشام، وترافق هجوم مرتزقة الجولاني مع معلومات نُقلت عن مصادر في قسد بأنها ستوقف مرور النفط من كل المعابر مع الجيش الوطني بالشمال السوري باستثناء معبر الحمران.

الاشتباكات دفعت بالفيلق الثاني وقيادة الجيش الوطني لإعلان رفع الجاهزية القتالية والاستنفار وإرسال التعزيزات لمساندة حركة أحرار الشام التابعة للجيش الوطني بقيادة أبو حيدر وأبو دجانة الكردي، ووصلت تعزيزات من معظم الفصائل باستثناء الجبهة الشامية التي تذرعت بوجود اتفاق سابق مع هيئة تحرير الشام بعدم القتال ضدها، أما فرقتي “الحمزات” و”العمشات” فقد تعرض قادتها لضغوط شديدة من الجانب التركي، فاضطرت تلك الفرق عبر قادتها لإصدار تعليمات لمقاتليها بمساندة الجيش الوطني وعدم مؤازرة أرتال الجولاني كما كان متوقعاً، ودخل الأتراك على خط الاشتباكات المندلعة عبر تصريحات نُقلت عن قيادات في الجيش الوطني مفادها أن الجانب التركي طلب من هيئة تحرير الشام وقف العمليات العسكرية في مناطق درع الفرات والانسحاب فوراً مع كامل قواتها (2000 مقاتل) لداخل حدود مدينة إدلب على أن تصطحب معها المجموعات القتالية المبايعة لها من حركة أحرار الشام (أحرار صوفان)، ثم تقدمت الدبابات التركية نحو الحاجز الرباعي في كفر جنة وتموضعت هناك، مع تعهد تركي أعطي للجيش الوطني بالإشراف على عملية انسحاب أرتال الجولاني، ولمنع أي اشتباكات أو استفزازات مع مقاتلي الهيئة طلبت تركيا أيضاً من الجيش الوطني سحب تعزيزاته العسكرية وإنهاء استنفاره القتالي، لكن الاشتباكات عادت واندلعت، لتسيطر جماعة أحرار الشام التابعة للجولاني على حاجز وقرية ثلثانة وبعض المواقع الأخرى، مما استدعى الجيش الوطني للدفع بتعزيزات قتالية من فرقتي الحمزات والعمشات نحو معبر الحمران، ودارت معارك قيل عبر بعض المصادر أنه تمت من خلالها استعادة كافة المواقع التي احتلتها عناصر الجولاني وحلفائه، والعمليات العسكرية ترافقت مع تحرك للدبابات التركية التي نقل عن بعض ضباطها أنه أُعطيت مهلة ولساعات محددة (مساء الخميس) وكفرصة أخيرة لعناصر الجولاني للانسحاب من كامل مناطق درع الفرات وغصن الزيتون.

المفاجأة الأكبر كانت في بلدة “حور كلس” حيث استطاعت المفارز الأمنية التابعة للجيش الوطني بإلقاء القبض على خلية أمنية تتبع لهيئة تحرير الشام وتعمل في مناطق الشمال حيث اعترف عناصر تلك الخلية خلال التحقيق معهم بأن مهمتهم كانت مراقبة قيادات الجيش الوطني، وتحرك أرتال التعزيزات، وجهة تقدمها، إضافة لمهمة اغتيال كلٍّ من: محمد الجاسم أبو عمشة قائد فرقة سليمان شاه، سيف بولاد أبو بكر قائد فرقة الحمزات (وكلاهما حليف للجولاني)، أبو همام البويضاني قائد جيش الإسلام وفهيم عيسى قائد الفيلق الثاني وفرقة السلطان مراد، والواضح من طريقة اختيار الشخصيات المستهدفة بالاغتيالات هي عملية خلط الأوراق وبث الفوضى وخلق حالة من الانقسامات داخل قيادات الجيش الوطني تجعل من مهمة غزوة الجولاني والسيطرة على الشمال السوري أمراً في غاية السهولة.