السلام في سوريا!
منذ أكثر من عقد تتذيل سوريا قائمة مؤشّر السلام العالمي كونها واحدة من العشر دول الأقل أمناً وأكثر خطورة، ويعد سبب تدهور مستوى السلام والأمن في سوريا انعكاساً للحرب المستمرة منذ اثني عشر عاماً، ابتداءً من النزاعات السياسية والعسكرية التي أدت إلى تعدد القوى المسيطرة، ثم اشتداد المعارك بينها، بالإضافة إلى تواجد خلايا تنظيم “داعش” الذي لا يزال يشكل خطراً جسيماً في البلاد، فتحوّلت سوريا إلى ساحة صراع بين أطراف النزاع بالإضافة إلى قوى أجنبية انخرطت فيه, وارتكبوا انتهاكات مروعة بحق المدنيين بينهم النساء والأطفال، وبأساليب مختلفة وخارج نطاق القضاء، منها القتل عمداً والاعتداءات المباشرة والخطف والاعتقالات التعسفية وانتهاكات أخرى لا إنسانية، عوضاً عن أن عدداً من أطراف النزاع قاموا بتسليح المدنيين وشكلوا مجموعات مسلحة موالية لهم مما فاقم أزمة الفلتان الأمني وتفشي أعمال العنف في كامل الجغرافية السورية.
ففي اليوم العالمي للسلام، والذي يصادف 21 أيلول/سبتمبر من كل عام، وجبت الإشارة إلى حالة السلام المستمرة بالتدني وأثرها على حياة السوريين. يتناول التقرير الصادر عن قسم الرصد والتوثيق في وكالة نورث برس تداعيات انعدام السلام في سوريا على حياة المدنيين وحقوقهم, ويوضح ذلك من خلال حصيلة الضحايا المدنيين الذين قتلوا وأصيبوا على يد أطراف النزاع والذين راحوا ضحية الفلتان الأمني وانتشار السلاح بين المدنيين, وتعد هذه الحصيلة واحدة من أبرز الدلائل التي تشير إلى تدهور حالة السلام في سوريا.
وسجل قسم الرصد والتوثيق في وكالة نورث برس منذ بداية العام 2023، مقتل وإصابة 2747 مدنياً بينهم نساء وأطفال, على يد أطراف النزاع وبسبب حالة عدم الاستقرار والفلتان الأمني.
إذ بلغت حصيلة الضحايا المدنيين على يد أطراف النزاع فقط 1490 شخصاً، حيث قتل 478 شخصاً منهم 32 امرأة و42 طفلاً، وأصيب 1012 آخرون منهم 98 امرأة و 123 طفلاً.
وتعد القوات التركية والقوات الحكومية وفصائل “الجيش الوطني” الموالي لتركيا, أكثر أطراف النزاع الثلاثة التي انتهكت حقوق المدنيين السوريين ويترأس القائمة بأعلى حصيلة للضحايا القوات التركية حيث بلغ عدد الضحايا المدنيين الذين راحوا ضحية لانتهاكاتهم 429 شخصاً, قتل منهم 79 بينهم 7 نساء و3 أطفال، وأصيب 350 آخرون بينهم 43 امرأة و38 طفلاً, وتليها القوات الحكومية بعدد ضحايا بلغ 282 شخصاً, قتل منهم 89 بينهم 5 نساء و11 طفلاً وأصيب 193 مدنياً بينهم 21 امرأة و44 طفلاً, ومن ثم عناصر فصائل “الجيش الوطني” الموالي لتركيا, إذ بلغ عدد ضحايا ممارساته، 261 شخصاً مدنياً قتل منهم 26 بينهم 3 نساء و 2 أطفا وأصيب 235 آخرون بينهم 15امرأة و15 طفلاً.
وفي ظل انتشار وتصعيد الانتهاكات داخل سوريا، لم تقتصر التداعيات على الوضع العسكري أو السياسي فقط، بل تؤثر بشكل مباشر على المدنيين وبوتيرة متزايدة ومستمرة في ظل غياب الرقابة والقوانين وانتشار الفلتان الأمني، وتسببت بآثار مدمرة على حياة السوريين الذين هم بمعزل عن الحماية في خضم واقع الحرب, كما تسببت بخسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات الخاصة وكذلك الأعيان المدنية, وأثرت في تحول الوضع الإنساني والمعيشي في البلاد من سيء إلى أسوأ وتراجع خطط التنمية مع ازدياد أزمة النزوح والهجرة بحثاً عن مكانٍ آمن، وخلقت فجوة بين المدنيين وبين حقوقهم الأساسية في المأوى والغذاء والرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي, وتظهر هذه التداعيات حالة انعدام الأمن والسلام في سوريا.
إذ إن الفلتان الأمني وانتشار السلاح بين المدنيين الذي ساهمت به أطراف النزاع, تسبب منذ بداية العام، بمقتل وإصابة 1257 شخصاً، حيث قتل 637 شخصاً بينهم 69 امرأة و58 طفلاً، وأصيب 620 آخرون بينهم 38 امرأة و49 طفلاً.
وكان لتدخلات القوى الخارجية في سوريا دور في وصول البلاد إلى حالة انعدام الأمن والسلام، كالتواجد الإيراني الذي يعتبر أنه شرعي كونه دخل البلاد عن طريق الدعوة من قبل السلطات السورية, إلّا أن القوات الإيرانية والفصائل الموالية لها انتهكت القوانين والمواثيق الدولية بحقوق الإنسان جراء ممارساتها داخل الأراضي السورية، من اعتقالات تعسفية وجرائم القتل خارج نطاق القضاء وبناء معتقلات سرية تمارس فيها أبشع أنواع التعذيب، وسط صمت حكومة دمشق.
بالإضافة إلى أن تواجد القوات الروسية وتدخلها في الشأن السوري وكذلك عمليات القصف التي تنفذها بالشراكة مع القوات الحكومية على مناطق في الشمال السوري, تسببت بمقتل وإصابة مئات المدنيين منذ بداية الحرب في البلاد، وبالمثل تركيا التي احتلت مناطق واسعة من الشمال السوري وأسست قواعد عسكرية داخلها وتتدخل بشؤون تلك المناطق عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، بدورها ترتكب انتهاكات بحق المدنيين من خلال قصفها العشوائي غير المشروع واعتقالها للمدنيين وكذلك استهدافها بالرصاص واعتداءاتها على طالبي اللجوء الذين يحاولون عبور الحدود السورية التركية بطرق غير مباشرة.
التوصيات.
- على الجهات الخارجية آنفة الذكر، إيقاف هجماتها غير المشروعة على الأعيان المدنية والبنى التحتية في الشمال السوري.
- ينبغي على أطراف النزاع والقوات الأجنبية المتواجدة في سوريا التوقف عن استخدام العنف ووقف إطلاق النار الدائم والمستدام.
- يجب على أطراف النزاع والقوات الأجنبية المتواجدة في سوريا أن تتخذ تدابير إضافية لحماية المدنيين من الأذى، بما في ذلك منع القصف العشوائي واستخدام الأسلحة ذات التأثير الكبير على المدنيين.
- ينبغي لأطراف النزاع والقوات الأجنبية المتواجدة في سوريا تقديم الدعم الإنساني للمدنيين المتضررين وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحتاجة.
- -على مجلس الأمن الدولي إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفرض عقوبات على المتورطين في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان وإنهاء الإفلات من العقاب.
- على المجتمع الدولي المساهمة في تعزيز جهود التفاوض والحوار السياسي بين الأطراف المعنية بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة وشاملة.
- يجب زيادة الجهود الدبلوماسية والإنسانية لمساعدة السوريين في بناء مستقبل آمن ومستدام.