رحلة العودة المؤلمة.. رواية ناجين من تعذيب “الجندرمة”

عذب واعتدى حرس الحدود التركي “الجندرمة” يوم الخميس 15أيلول/سبتمبر على شابين أثناء عودتهم من تركيا إلى سوريا بعد أكثر من سنة ونصف من اللجوء, واستخدمت “الجندرمة” القوة المفرطة بحقهما وتم ضربهما ومعاملتهما بطرق مهينة ولاإنسانية, وهي ممارسات روتينية يرتكبها حرس الحدود التركي بحق السوريين.

قابل قسم الرصد والتوثيق في نورث برس، الشابين اللذين تعرضا للتعذيب والتعنيف ولا يزالان يعانيان من ظروف صحية صعبة بسبب الضرب الذي تلقياه من قبل عناصر “الجندرمة” وهما يحاولان عبور الحدود التركية السورية بطريقة غير شرعية, والجدير بالذكر أنه بالرغم من عدم اعتراض الشابين على استخدام أسمائهم الحقيقية إلا أننا فضلنا استخدام اسماء مستعارة لحماية ذويهم المتواجدين في تركيا من أي أعمال انتقامية.

خرج إبراهيم الأحمد 46عاماً وخالد إسماعيل 26 عاماً، المنحدران من تل تمر بريف الحسكة من الأراضي التركية قاصدين سوريا، واتجها نحو المنطقة الحدودية الموازية لمدينة الدرباسية بريف الحسكة وفضلا أن يعبرا الحدود بطريقة غير شرعية تجنباً للمرور من مناطق سيطرة فصائل “الجيش الوطني” خوفاً من التعرض للاعتقال والتعذيب وخشية من أن يتم ترحيلهما من قبل السلطات التركية إلى مناطق غير التي ينحدران منها في حال أرادا العودة بالطريقة الرسمية.

يقول إبراهيم: “في طريق العودة إلى سوريا وفي حين لم يبقَ سوى 150 متراً لنصل إلى الجدار الفاصل تواجهنا مع دورية للجندرمة طلبوا منا أن نقف، ورفعوا السلاح في وجهنا وأركعونا وبدأوا بالضرب والتعنيف بالركل والرفس على الوجه والرأس والظهر, ومن ثم أرغمونا على أن نركب معهم بالسيارة وخلال الطريق كانوا يضربوننا بمؤخرة السلاح”.

ويضيف، “عند وصولنا إلى النقطة العسكرية الحدودية أجبرونا على أن نخلع ملابسنا واجتمع نحو 15 عنصراً أو أكثر حولنا وبدأت رحلة التعذيب, إذ تعرضنا للضرب والتعنيف بالهروانة والعصى والخراطيم لمدة ثلاث ساعات, كلما كنت أفقد الوعي يسكبون الماء على فمي لأعود إلى وعي, ويستمرون بالتعذيب مرة أخرى”.

بالرغم من أن الشاب كان قد أخبرهم أنه يعاني من مرض الربو, إلا أنهم تقصدوا أن يضربوه على القفص الصدري, بعد أن أنهك الشاب من التعذيب والذي أعتقد أنه لن ينتهي حتى الموت, دخل إلى الغرفة شخص، بحسب اعتقاد الشاب أنه الضابط المشرف على المجموعة, “أمرهم بأن يتوقفوا وطلب منهم إخراج الأموال من جيوبنا ونكزني برأس الهروانة لأدير ظهري له وسكب الكحول على جسمي وأشعل النار بالأموال ورماها علي, بقوتي المنهكة بصعوبة حاولت أن أطفئ النار التي اشتعلت بملابسي الداخلية والتي بدأت تحرق جسدي”.

بعد التعذيب الذي استمر لساعات أجبروا الشاب على المشي لمسافة تقارب 1 كم تقريباً حافي القدمين على الشوك ومن ثم وضعوا له سلماً على الجدار, يقول: “صعدت على الجدار وكان يوجد سلك شائك لم أدركه انجرحت أصابعي التي مسكت بها السلك جروح عميقة”.

وصل الشاب إلى الطرف الآخر من الجدار وهو يعاني من كسر في يده اليسرى وحروق ونزيف في ظهره وندوب على كامل جسده وجروح عميقة في أصابعه وندوب نفسية لن ينساها”.

وتعرض الشاب خالد إسماعيل 26 عاماً، للتعذيب والضرب ذاته الذي تعرض له حسن, لكنه وصل إلى سوريا وقد تضررت أحد أعضائه الداخلية.

بعد أن أجبروه على خلع ملابسه وأخذوا هاتفه وبعض الأموال التي كانت في جيبه وأحرقوها أمام عينيه يقول العشريني: “جلب أحد العناصر حجرة وضربوها على قفصي الصدري, تضررت رئتي وبدأت أعاني من ضيق في التنفس, واستمروا بالضرب بالحديد والهروانة والعصي والرفس على كل مكان في جسدي, كما أنهم حاولوا أن يكسروا يدي لكنهم لم ينجحوا في ذلك, ضربونا لنموت لكننا لم نمت”.

خلال الثلاث ساعات التي تعرض فيه الشاب لأسوء أنواع التعذيب والتعنيف والمعاملة اللاإنسانية من قبل 15 عنصراً من “الجندرمة” الذين كانوا يتبادلون تعذيبه كلما تعبوا من ضربه, أشار الشاب أنه في كل مرة كان يتم سؤاله فيما إذا كان ينتمي إلى حزب العمال الكردستاني ويضربوه ليعترف بذلك ولم يتوقفوا عن الضرب حتى تأكدوا أنه مدني ثم ألقوا به إلى الطرف الآخر من الحدود, بحسب الشاب.

التقى الشابان أسفل الجدار الحدودي وهما ينزفان ومنهكا القوى, واضطرا أن يسيرا ويزحفا أحياناً حتى وصلا إلى أطراف إحدى القرى فاقدين للوعي, واكتشف السكان وجودهما وأسعفوهما إلى المشفى ومنه إلى مشفى خاص في مدينة الحسكة, والتي خرجا منها قبل أن يتعالجا بسبب ارتفاع تكاليف العلاج.

منذ بداية العام وبحسب ما سجله قسم الرصد والتوثيق في وكالة نورث برس, تسببت “الجندرمة” بمقتل 28 شخصاً وإصابة 308 آخرين أثناء محاولتهم العبور من أو إلى الحدود السورية التركية.

يجب على تركيا أن توقف فوراً الانتهاكات التي يرتكبها عناصر حرس حدودها بحق طالبي اللجوء السوريين, كما عليها محاسبة الأشخاص الذين تورطوا في مقتل وإصابة أشخاص, لتركيا الحق في ضبط وحماية حدودها مع سوريا، لكن ما تقوم به من انتهاكات بحق طالبي اللجوء يعتبر انتهاكاً للقانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان واتفاقية الأمم المتحدة للاجئين واتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من المعاهدات والمواثيق, التي تحظر رد الدول لطالبي اللجوء على حدودها عندما يعرضهم ذلك للخطر, والتي تفرض بدورها عليها احترام المعايير الدولية بشأن استخدام القوة المميتة اتجاههم وكذلك احترام حقهم في الحياة والسلامة الجسدية وعدم تعريض أي شخص للمعاملة اللاإنسانية والمهينة.