كيف تبدو العلاقة بين أنقرة ودمشق وكيف تؤثر على شمال شرقي سوريا؟ 

غرفة الأخبار ـ نورث برس

التوتر الذي ساد مناطق شمال شرقي سوريا في الأيام الماضية طرح عدداً من التساؤلات حول التوازنات الهشة في سوريا بشكل عام، ودور القوى الإقليمية والدولية في ذلك التوتر لأهداف متعددة.

ومع عودة تلك المناطق إلى الاستقرار، تبقى عدة تساؤلات أثارتها الأحداث الأخيرة، وخاصة منها ما يتعلق بدور لأنقرة، وكذلك لدمشق، وكلاهما يرى في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على مناطق واسعة شمال شرقي البلاد “عدواً”، كما أن الأزمة المستمرة في البلاد أظهرت أن القوى المختلفة في سوريا تتفق حين تكون هناك مصلحة مشتركة، وإن كان مسار العلاقات بينهما وصل حد الحرب.

التوتر الأخير في المنطقة شهد دخولاً أوسع للعشائر العربية في صراع طرح أيضاً تساؤلات عن دور القوى الخارجية في تأجيج الصراع، وماذا لو أن دمشق وأنقرة توصلتا إلى اتفاق، خاصة فيما يتعلق بقسد؟ كيف سيكون حال الشمال السوري؟

وأمس الأحد، كشف وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، عما طُرح في الاجتماع الرباعي الأخير مع دمشق وأنقرة وموسكو على مستوى وزراء الخارجية، بخصوص سحب القوات التركية من سوريا.

وقال عبد اللهيان إنه في اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع طرح قضية الحدود السورية التركية. وبناء على ذلك بحثت سوريا وتركيا مع بعضهما البعض في أن تتعهد تركيا “أولاً” بسحب قواتها العسكرية من الأراضي السورية، و”ثانياً” أن تتعهد سوريا بنشر قواتها العسكرية على الحدود و”منع أي اعتداء على أمن الأراضي التركية”، بحسب الوزير الإيراني.

وأضاف عبداللهيان أنه “من الممكن أن تلعب إيران وروسيا دوراً كضامنين في هذه الملف”.

وقال عبداللهيان إن بلاده تتطلع إلى التشاور مع الأتراك لمعرفة سبل تحقيق حدود سلمية بين تركيا وسوريا، “من أجل تبديد مخاوف تركيا والحفاظ على وحدة الأراضي السورية”، على حد تعبيره.

عضو المكتب السياسي في حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، في سوريا محسن حزام، يرى أن هناك عوامل تجعل ذلك الاحتمال (الاتفاق بين أنقرة ودمشق) بعيداً، بينما يرى الصحفي السوري تامر قرقوط، أن العاصمتين تتبعان مساراً براغماتياً وأنهما قد تقدمان على “تنفيذ استدارة كاملة” تطوي صفحة الكراهية المعلنة بينهما.

مسار براغماتي

ويشير “قرقوط” في حديث لنورث برس، إلى أن الوجود التركي في مناطق مختلفة من الشمال السوري هو “احتلال لأراض سورية، وأن السكان القاطنين في تلك المناطق هم سوريون بامتياز، وبالتالي فإن كل المزاعم التركية والتبريرات التي تقدمها حكومة أنقرة لاحتلالها جزء من شمالي سوريا يبلغ نحو ٩ آلاف كيلو متر مربع هي إجراءات باطلة وغير قانونية وفقا للقانون الدولي”.

ويلفت قرقوط إلى “الظروف المعقدة التي يخضع لها الشمال السوري، بسبب وجود احتلالات متعدة أبرزها الأمريكي، وقوى خارجية أجنبية تمارس أدواراً مختلفة (روسية وايرانية)، وانكفاء النظام السوري، وعدم قدرته على إعادة السيطرة على كامل التراب السوري”.

ويقول إن كل ذلك “جعل من مناطق الشمال السوري ساحات نفوذ وسيطرة كثيرة، وفرض سياسة الأمر الواقع على المواطنين، كما أيقظ نزعات الانفصال، وسياسة الضم التركية”.

يضاف إلى ذلك “وجود قوى معارضة سورية مؤيدة لذلك، كما هو الحال مع الحكومة السورية المؤقتة وقسد، في الوقت الذي تكتفي فيه دمشق بإصدار بيانات الشجب، والتأكيد على حق سوريا باستعادة هذه المناطق، برغم قبولها بالكثير من الإجراءات التي تثير مخاوفنا من صفقة ما، على غرار اتفاقية الأناضول في نهاية التسعينيات بين أنقرة ودمشق، وربما المنطقة الآمنة أحد أشكالها المعاصرة”، بحسب “قرقوط”.

ويضيف الصحفي، أن “الأعمال العسكرية التركية العدوانية: نبع السلام ودرع الفرات، وغصن الزيتون، وما تبعها من محاولات ترسيخ الاحتلال التركي عبر إجراءات فرض العملة التركية وكذا العلم التركي والقضاء، كل ذلك يؤكد أن أنقرة جادة في سلب مزيد من الأراضي السورية، مستغلة حال الضعف والوهن الكبرى التي يعيشها النظام السوري”.

ويرى الصحفي السوري المقيم في ألمانيا، أنه “وبالاستناد إلى حال هذا النظام، وتفوق ميزان القوة العسكرية التركية، يبقى وضع نحو ٦ ملايين سوري يعيشون في تلك المناطق مأساويا لخضوعهم لاحتلال أجنبي موصوف قانونا، وأن خيار التحرير بالقوة العسكرية مستبعد لتداخل عوامل كثيرة تمنع من الذهاب في هذا الخيار، والذي بالتأكيد يرفضه اللاعبان الأقوى هناك أي الأمريكي والروسي”.

ويطرح “قرقوط” التساؤل: “هل يمكن لأنقرة ودمشق تجاوز مرحلة العداء والسير في اتجاه التوافق السياسي؟”، ويجيب: “بالتأكيد إن نظامي الأسد وأردوغان قادران على تنفيذ استدارة كاملة، تطوي صفحة الكراهية المعلنة بينهما، وتنهي حال القطيعة المستمرة منذ ١١ عاما، ولا أستبعد إطلاقا أن تعود العلاقة بينهما إلى مرحلة الدفء والحميمية كما كانت قبل ٢٠١٢”.

إذ إن أنقرة ودمشق تتبعان في هذا الشأن “مساراً براغماتياً بحتاً”، و”ستضربان بعرض الحائط بكل التهم المتبادلة والتراشق السابق بالعبارات، ولن تعيرا انتباها لشعبيهما أو الجمهور المؤيد لكليهما، وسيتجلى ذلك بتخلي أردوغان عن دعمه المطلق للمعارضة السورية كالائتلاف والحكومة السورية المؤقتة وبعض الفصائل المسلحة، وسيقابله الأسد بخطوات مماثلة أبرزها ممارسة ضغوط سياسية وعسكرية على القوى الكردية المناوئة لأنقرة لاسيما قوات سوريا الديمقراطية”، بحسب الصحفي السوري.

ويرى أن “المصالح الشخصية للنظامين التركي والسوري ستلتقي في نهاية المطاف عند نقطة تحول كبيرة، قادرة على جمع عدوي اليوم، وسوقهما إلى اتفاق يعيد رسم خريطة الحدود المشتركة بما يتناسب مع مصالحهما”.

غير وارد حالياً

وحول احتمال الاتفاق بين دمشق وأنقرة، يتحدث عضو المكتب السياسي في حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي المعارض في سوريا محسن حزام، لنورث برس، ويقول إن ذلك الاحتمال “محكوم بمدى تأثير الجانب الروسي على الطرفين التركي والنظام، لتقليل الاشتراطات التي يعتبرها الجانب الروسي عائقاً في تطبيع العلاقات فيما بينهما والتي ما زالت حاضرة، وقد تبين ذلك في لقاء سوتشي الأخير بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان”.

وخلال ذلك اللقاء، أعاد الجانب الروسي طرح اتفاقية أضنة ١٩٩٨، لكن الجانب التركي له شرط قديم في المنطقة الآمنة وتحديد المسافة طول عرض بعمق ٣٥ كم، تشمل المناطق المسيطر عليها في “غصن الزيتون” بهدف تحقيق أمنه القومي وإبعاد “قسد” عن تلك المناطق المحكومة بإدارة أمر واقع أيضا لما يسمى الجيش الوطني مع الجيش التركي، والتي ستكون جاهزة لاستقبال اللاجئين السوريين الموجودين في المخيمات داخل تركيا.

ويشير “حزام” إلى نقطة الخلاف الثانية التي تتعلق بانسحاب القوات التركية من الشريط السوري، ويقول إن رد أردوغان على الأسد كان أن يشاهد الوقائع على الأرض، “فالنقطة التي تتقاطع فيها مصلحة النظام السوري مع الجانب التركي هي محاربة قسد، وأنها تشكل خطراً على الأمن القومي التركي الذي له درجة الأولوية”.

ويضيف “حزام” أن “هذه المعطيات تشير إلى أن التقارب السوري التركي بعيد على المدى المتوسط ومحكوم أيضاً بالوجود الأمريكي وقوى التحالف في شمال شرقي البلاد”.

ويقول “حزام” إن هناك العديد من المسائل الخلافية بين التركي والأمريكي في العديد من الملفات التي لم ينته البعض منها حتى هذا التاريخ، وتتقاطع مصالحهم في مسائل أخرى، فالولايات المتحدة ما زالت تعترض على التقارب التركي السوري، وتحاول عرقلة خطواته، ولا ننسى أيضا السبب في استمرار وجود القوات الأمريكية لهذا التاريخ على الأراضي السورية لأنه في الأجندة الجديدة لديها منع الإيراني من الاستفادة من معبر التنف، الطريق الواصل ما بين العراق وجنوب سوريا الذي يؤمن السلاح والإمدادات الإيرانية لحزب الله وقوات الحرس الثوري الموجودة بالداخل السوري.

بالإضافة إلى قطع خط تهريب الكبتاغون، هذا المستجد لمحاصرة الجانب الإيراني، “ما زال يحتاج الوكيل قسد في هذه المهمة التي رفضت المواجهة مع القوات الإيرانية لحسابات خاصة بها، لذلك في مرحلة ما يمكن أن يستغني عن خدماتها التي انتهت عند استكمال مهمة الحرب على الإرهاب في إنهاء داعش ظاهريا من المنطقة”، بحسب عضو المكتب السياسي في حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي المعارض.

وعودة إلى احتمال الاتفاق، يقول “حزام”: “إذا سلمنا أن كل هذه القضايا والخلافات بين الأطراف المتنازعة على سوريا وأهمية موقعها الجيوسياسي، ونهب حقول النفط وسلة الغذاء السورية أنها انتهت في وقت ما، وتم التقارب السوري التركي بالتوافق بين كل هذه الأطراف، حتما كل الأطراف ستتوجه إلى محاربة قوات “قسد” وتجفيف تجربتهم في الإدارة الذاتية، إنما هذا سيكون له ارتدادات خطيرة على المنطقة لأن تحييد الجانب الأمريكي في هذا كله ليس بالأمر السهل، ولن يتم إلا عندما تتحقق المصالح الكاملة لكافة الأطراف في التوافق على الحصص. والمتضرر الوحيد في هذا كله هو الجغرافية السورية والشعب السوري”.

ويقول “حزام” إن “المتغيرات متلاحقة في المشهد السوري وضابط الإيقاع فيها مصالح القوى المتدخلة وكافة الوكلاء ستنتهي أدوارهم ويتم الاستغناء عنهم عند نقطة التوافق، هذا هو فقه سياسة المصالح التي تحدد تبادل الأدوار في اي بقعة على المستوى الدولي”.

“الاتفاق شرعنة للاحتلال”

ويرى بدران جيا كرد، الرئيس المشارك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أن أي اتفاق بين النظامين التركي والسوري هو شرعنة للاحتلال التركي للأراضي السورية، وأيضاً ستكون تنفيذ كامل للمشروع التركي العثماني التوسعي في المنطقة وإنهاء للهويات الثقافية والقومية التاريخية لمكونات الشمال السوري من خلال الإعادة القسرية للاجئين السوريين إلى الشمال المحتل، ما يمثل إبادة عرقية وخاصة للكرد من خلال عمليات التغيير الديموغرافي”.

ويقول لنورث برس: “أي اتفاق بين الطرفين يجب أن يكون مشروطاً بإنهاء الاحتلال وإنهاء دعم تركية للمجموعات الإرهابية المرتزقة، وكذلك إنهاء التدخل التركي في الشأن السوري الداخلي، وغير هذه الأسباب فإننا لسنا ضد اتفاقيات مع دول الجوار حسب القوانين الدولية النافذة على أساس الاحترام السيادي لكل طرف”.

ويشير “جيا كرد”، إلى أن الوساطات التي تجري في تقريب وجهات النظر بين النظامين وطرح تفعيل الاتفاقيات القديمة أضنا مثلاً “ما هي إلا لطي الحقائق التاريخية وغض النظر عن التحولات والمتغيرات المحلية والاقليمية وإعادة إنتاج نفس الأسباب التي خلقت الأزمة السورية والعودة بالصراع إلى المربع الأول”.

ويضيف المسؤول في الإدارة الذاتية: “التعاون الاستخباراتي بين النظامين في ظل عدم وجود حلول سياسية واتفاقات مبدئية لصالح شعوب المنطقة يؤدي إلى المزيد من التصعيد والصراعات الدموية في المنطقة وتعمق الصراعات الطائفية والعرقية وتفتيت المجتمع السوري وإحداث شروخ ما بين جميع مكوناته ودخول في صراعات لا متناهية والابتعاد أكثر عن المشتركات الجامعة لحل سوري وطني ديمقراطي يضمن التعايش المشترك ضمن حدود دولة موحدة”.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: تيسير محمد