لامار اركندي – نورث برس
شهدت السنوات الأولى من الأزمة السورية تنافساً بين طهران وموسكو على ثروات سوريا التي تمتلك مخزونات هائلة ومغرية لتلك القوى في صراعها المحموم لتعظيم مكاسبها الاقتصادية بالاستثمارات وتقييد مستقبل البلد الغني بمناجم المعادن النادرة إلى جانب موارد الطاقة بحزمة اتفاقات طويلة الأجل.
وبعيد تدخلهما المباشر في سوريا وسّعا نفوذهما العسكري وثبّتا وجودهما الاستراتيجي بما يتناغم مع مصالحهما وخططهما المستقبلية البعيدة الأمد في بلد حولت الأزمة جغرافيته لحلبة صراع بين القوى الدولية المتحكمة في الملف السوري عبر تعزيز وتوطيد نفوذها وتموضعها وتحكمها بالجوانب الحيوية الهامة لاسيما العسكرية والاقتصادية.
التغلغل الإيراني
عبر وكلائها المتنفذين في المدن السورية في الميادين والبوكمال ودير الزور ودمشق وحلب التي الخاضعة للنفوذ الإيراني بشكل كامل، باشرت إيران باستملاك عقارات وممتلكات المدنيين وأراضيهم الزراعية ومحالهم التجارية لاسيما العائدة للمهجرين، وانتشرت المكاتب العقارية على نحو كبير في تلك المدن وأريافها لتظهر أسماء جديدة بشكل دوري لسماسرة العقارات ومنهم “جاسم الخالد” و”غريب الطائي”، وفق شهادات نشطاء محليين من دير الزور أكدوا لنورث برس، أن منظمات إيرانية تشرف على عمليات شراء العقارات تتصدرها منظمة “جهاد البناء” التي تنشط فروعها في غالبية المدن السورية المحكومة من إيران.
وتحدثت تقارير محلية، شدد نشطاء على مصداقيتها، لنورث برس، عن مسؤول إيراني يدعى “الحاج أمير إيراني” يدير عمليات بيع وشراء العقارات في الميادين والبوكمال وأجزاء من دير الزور، وكشفوا عن استحواذ “إيراني” عبر وكلاء من أبناء المنطقة ومنهم “رعد” المكنى بـ”أبي ليث” و”زهير” الملقب بـ”النمر” وهما لازالا غير معروفين على نطاق واسع لكنهما سهّلا على نحو كبير عمليات البيع والشراء تلك.
ويشير “أحمد” أحد النشطاء الذي فضل عدم الكشف عن اسمه الثاني لضرورات أمنية، إلى امتلاك “إيراني” عدة مكاتب في الميادين ودير الزور. مشيراً في حديث لنورث برس، أنه غالباً لا يتواجد في تلك المكاتب ولم يلتقِ به أحد شخصياً من أبناء المنطقة.
وتمتد أذرع إيران العقارية إلى العاصمة دمشق وريفها، وبحسب تقارير صحفية تنشط حركة البيع والشراء في ريف دمشق على جانبي أوتوستراد حمص الدولي وتضم مناطق (المزارع والمكاسر والحجارية والسيل وصولاً لتل كردي) وتشمل طريق دوما–حرستا لتنتهي في منطقة عدرا العمالية والصناعية والضمير التي تصل البادية بالحدود العراقية، وبتسهيل وإدارة فرع أمن الدولة برئاسة العميد “سامر بريدي”.
وفي تعقيبه على التمدد الإيراني في دمشق حذر الناشط الإعلامي “مصطفى خليل”، المنحدر من دمشق، من تنامي ظاهرة بيع وشراء العقارات بشكل مخيف ومقلق من قبل سماسرة إيران.
وكشف لنورث برس أن عمليات البيع تدار من قبل رجال أعمال ومستثمرين مرتبطين مباشرة بحزب الله وبالحرس الثوري الإيراني، وتحت غطاء الأفرع الأمنية وحمايتها تنتشر مكاتبهم العقارية في أرجاء العاصمة لتشتري بأبخس الأثمان ممتلكات السوريين.
ونوه إلى زحف إيران باتجاه أسواق مدن وبلدات دمشق لشراء المحال التجارية والأراضي الزراعية التي قدر ثمن بعضها قبل أزمة البلاد بأكثر من ربع مليون دولار لتباع اليوم بأقل من 7 آلاف دولار .
ورقة ضغط
يستغل الجانب الإيراني ما أطلقه مسؤولها “مهرداد بزر باش” وزير الطرق والبناء، الديون المترتبة لحكومة بلاده على دمشق التي شكلت ثماني لجان تخصصية من بينها لجنة متابعة الديون والمستحقات، ومهمتها الإحصاء الدقيق لحجم الديون وكشف “بزر باش” عن اتفاقات بين بلاده وحكومة الأسد على نظام مقايضة يمنح الأخير أراض مقابل الاستحقاقات المالية الملزمة عليه.
ومن جانبه أشار مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، إلى إشراف أحد أقارب الرئيس السوري على عمليات بيع العقارات السورية في دمشق وريفها لاسيما في معضمية الشام، لصالح إيران.
وبين في تصريحات خاصة لنورث برس، أن هذا الشخص يلقب بـ”مرسال” وهو أحد أقارب زوجة “ماهر الأسد” ينحدر من دير الزور ويقود تلك العمليات.
وأشار “عبد الرحمن” إلى أن الممتلكات التي تقدر بالآلاف، “تبقى فارغة” لا يتم إسكان أحد فيها، وأضاف: “تفاقمت الظاهرة على وقع الانهيار الاقتصادي والمعيشي الذي يعصف في البلاد الأمر الذي سهّل على طهران امتلاكها لأحياء بأكملها بالإغراء المادي تارة وأخرى بالإكراه والترهيب وحولت العديد من منازل المدنيين لمقار عسكرية ومراكز لإنتاج المخدرات لاسيما الكبتاغون وإغراق دول الجوار بها”.
وفي العاصمة التجارية لسوريا حيث مدينة حلب التي باتت تغزو إيران وفصائلها أسواقها التجارية وذلك بإجبار التجار على البيع بعد رفع الضرائب وتضييق الخناق عليهم، وبالعودة للناشط الإعلامي مصطفى خليل، شدد على صفقات بيع تطال مئات المحال التجارية، وكذلك المنازل المتضررة من الزلزال والتي منع أصحابها من ترميمها والسكن فيها بحجج واهية.
التقاسم الاقتصادي لأصول الدولة
حرصت الدولتان الآسيويتان اللتان تعانيان أزمات اقتصادية حادة منذ بداية الاحتجاجات في سوريا على تقليل خسائرهما وتعويض بعضها خلال البوابة السورية بإبرامهما حزمة عقود ومشاريع واتفاقيات اقتصادية وقعتاها مع حكومة دمشق وفرت لهما ركائز تعزيز مكتسباتهما الاقتصادية على حساب الشعب السوري.
وفي هذا الجانب يعتقد الأكاديمي والباحث الاقتصادي فراس شعبو، وجود توافق غير معلن نوعاً ما بين إيران وروسيا على تقاسم القطاعات الاقتصادية السورية بينها، فموسكو سيطرت على الموانئ والحركة الملاحية والفوسفات بينما الإيرانيون كانت لهم حصة الأسد من ممتلكات سوريا.
ويعلل “شعبو” أسبابها إلى الأهداف السياسية لروسيا في سوريا ووجودها في المنطقة كقاعدة اقتصادية لها استثمارات ليست في مجال مؤسسات الدولة، بينما استحوذت إيران على البنى التحتية والطرق والكهرباء والاتصالات بشكل أساسي والصناعات الشبه نفطية إضافة الى الأراضي والعقارات بموجب العقود الموقعة بينها وبين الأسد.
وأشار الأكاديمي السوري خلال حديث لنورث برس، إلى ضبابية العقود المبرمة وعدم وضوحها كمطار دمشق الدولي وأجزاء من مطار حلب تم تأجيرهما لإيران ومطارات أخرى موجودة على الخارطة، وإلى الآن لم تتوضح حقيقة تلك الاتفاقات غير الشفافة، والمدة الزمنية المحددة للاستئجار وكذلك ما يخص مسألة تخصيص النفط لشركة القاطرجي والسماح لها بالبيع دون معرفة الجهة التي تقف وراءها.
ووصف “شعبو” العقود بـ”المبهمة”. وأضاف: “أصول الدولة الحيوية تقاسمتها موسكو وطهران أما بقية الممتلكات فهي غير فعالة وهي ما بقيت من أملاك للدولة السورية فالحكومة تبيع كل ما يدر لها من الأرباح وينعش خزائنها. فقبل حوالي أسبوعين وحدت الرسوم الجمركية بين سوريا وإيران”.
ولفت قائلاً: “سوريا لا تملك ما تصدّره لإيران بينما إيران المكتفية ذاتياً هي من تصدر لسوريا وهي الرابح الأكبر من مسألة الرسوم الجمركية والتي تدخل ضمن سياستها التوسعية في السيطرة على المنافذ الحدودية والمناطق الحرة في البلاد”.
وفي هذا السياق، قدر الخبير الاقتصادي سمير رؤوف، حصة طهران من اقتصاد سوريا بخمسين مليار دولار، وذكر لنورث برس، ما قالته الإحصاءات الرسمية التي سجلت قيمة صادرات إيران غير النفطية إلى دمشق بـ 147 ألف طن بقيمة 243 مليوناً و168 ألفاً و533 دولاراً خلال العام الماضي.
ونوه الخبير المصري إلى أن الصادرات الإيرانية إلى سوريا سجلت خلال العام الماضي ارتفاعاً بنسبة 10.6% في الوزن و11.4% في القيمة مقارنة بالعام الذي سبقه.
وحول توزيع خارطة النفوذ بين الروس والإيرانيين بيّن “شعبو” أن إيران سيطرت على الجنوب السوري بشكل أساسي وعلى ريف حلب وحلب وريف حمص، بينما الروس أخذوا المنطقة الوسطى الغنية بالفوسفات وكذلك الساحل السوري.
عقود طويلة الأجل
ونوه المتخصص الاقتصادي، إلى أن العقود الموقعة هي على المدى الطويل، فتغير الأنظمة لا يلغي العقود الموقعة بين الدول، لذا تحرص إيران وروسيا على إطالة مدة تلك العقود لتضمن استمرار وجودها الاقتصادي حتى بعد سقوط الأسد.
وفي ذات السياق، وضح إسلام المنسي، الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية والسياسة الدولية في حديث لنورث برس، استيلاء موسكو على أهم الأصول الاستراتيجية والاقتصادية في سوريا.
وقال: “عملت روسيا على شرعنة هذا الاستيلاء عن طريق توقيع عقود مع النظام تبيح لهم وضع أيديهم على تلك الأصول، فاستأجروا ميناء طرطوس على البحر المتوسط لمدة 49 عاماً، كما وقَّعوا اتفاقاً يمكّنهم من الحصول على 70% من عائدات الفوسفات المستخرج من مناجم تدمر لمدة 50 عاماً، وهيمنوا على قطاع المطاحن في حمص وعلى شركة الأسمدة فيها التي تعد أكبر مجمع صناعي كيميائي في سوريا لمدة 40 عاماً، وتم إعطاء الشركات النفطية الروسية الحق الحصري للتنقيب عن النفط في ساحل طرطوس لمدة 25 عاماً، وحق إدارة حقول النفط في محافظة دير الزور، فضلاً عن عشرات المواقع الأخرى التي استحوذ عليها الروس بحكم الأمر الواقع دون اتفاقات مع النظام”.
ولفت إلى أن الروس والإيرانيين يتبادلان بعض المواقع فيما بينهم سواء بطريقة سلمية وفقاً لتفاهمات ثنائية، أو بالقوة، “استولى الروس على أكثر من حقل نفطي من أيدي الميليشيات التابعة لإيران، ووقعت اشتباكات بين الفيلق الخامس التابع للروس والفرقة الرابعة التابعة لإيران في دير الزور وحماة وريفها وريف اللاذقية، ويحاول الإيرانيون بسط سيطرتهم على ميناء اللاذقية بكل إصرار ليكون لهم منفذ بحري في شرق المتوسط، كما نجحوا في حيازة عدد من آبار النفط في البوكمال في أقصى الشرق، ووضعوا أيديهم على مراكز تجارية وصناعية مهمة، وعدد من المنشآت الحيوية كمطار دمشق الدولي ومطار تي فور، ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية”.
القانون رقم ١٠
يعود القلق مجدداً مع عودة القانون رقم 10 إلى الواجهة، وبالرغم من تأكيد الروس أن دمشق سحبته، لكن الكثير من القانونيين والحقوقيين شككوا بصدق الروس حينها، مفيدين بأنه قانونياً لا مجال لسحب القانون أو إبطاله، عقب صدوره بشكل رسمي إلا من خلال قانون يلغيه، وما دون ذلك هو عبارة عن امتصاص لردّ الفعل السلبي ليس أكثر كما وصفتها الأكاديمية والباحثة في الشؤون السياسية والقانونية والدولية دانييلا قرعان.
وقالت: “كان وزير خارجية النظام، وليد المعلم، قد ذكر في يونيو/ حزيران من عام 2018 أنّ تعديلاً سيطال بنود القانون وبحسب المعلم فقد تقرر تعديل المدة الزمنية لإثبات الملكية من شهر إلى سنة، وبالفعل هذا ما أقره مجلس الشعب”.
هذا القانون حسبما وضحته “قرعان” لنورث برس، يمهد للاستيلاء على آلاف الملكيات العقارية، أقرّ مجلس الشعب (البرلمان) السوري تعديلين ينصان على إطالة مدة تقديم أوراق إثبات الملكية العقارية في البلاد، بالإضافة إلى السماح للمعترضين بالتوجه إلى القضاء العادي، ما يعني أنّ القانون، الذي يشرعن الاستيلاء على ممتلكات المعارضين العقارية، والمعروف بالقانون رقم 10، مازال قيد التطبيق.
أما فيما يتعلق بنظرة القانون الدولي لبيع المنشآت والأملاك العامة ومحاسبة القادة على ذلك، استذكرت “قرعان” تصريح مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية “يان إيغلاند” سابقاً، بأنّه وفي اجتماع دوري في جنيف حول الأزمة السورية، “أبلغت روسيا المجتمعين أنّ النظام سحب القانون رقم 10 المثير للجدل والذي يمكن أن يستخدم لمصادرة أملاك المعارضين واللاجئين غير القادرين على تقديم مستندات خاصة بملكياتهم في المناطق التي ستصدر فيها مخططات تنظيمية جديدة، لكن الكثير من القانونيين الدوليين شككوا بصدق كلام الروس”.
وأضافت: “للأسف في حال تطبيق القانون بشكل حقيقي وواقعي فإن الكثير من السوريين سيفقدون أملاكهم في سوريا، والمشكلة أن هذه التعديلات في هذا القانون ليست مشكلة إجراءات كما يدعي النظام، بل المشكلة أكبر من ذلك بكثير، مثلاً هنالك الكثير من السوريين المطلوبين أمنياً وهم يعيشون الآن خارج سوريا، ولهم أملاك داخل سوريا، وبعضهم مطلوب أمنياً لمشاركتهم في أعمال الإغاثة بداية الحراك عامي 2011 و 2012 ومنهم من لا يمتلك أقارب داخل سوريا لتقديم ما يثبت ملكيتهم للمنشآت والأملاك، إذاً ما الحل هنا؟ لذلك يجب أن يكون هنالك حل سياسي في سوريا وإنهاء للملاحقات الأمنية، وإلا لن يتمكنوا من الحفاظ على حقوقهم أبدا”.
ونوهت إلى أن الكثير من السوريين كانوا يأملون أن تكون روسيا صادقة عندما قالت إنّ “النظام أوقف العمل بهذا القانون، وحتى في القمة الرباعية في تركيا بين روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا التي عقدت قبل سنوات مضت، قيل إنّ القانون رقم 10، كان مدار بحث بينهم، وكثير من الدول والمنظمات اعترضت على القانون وطالبت بسحبه، وحتى الأمم المتحدة، لكنّ النظام لا يعترف بشيء، ولن ينجز أيّ حل إلا بعد أن يكون قد أعاد ترتيب البلد على مقاسه”.
مصادرة أملاك المعارضين
تعتقد الباحثة المتخصصة في الشؤون القانونية، أن مشكلة ملكيات السوريين لها عدة أوجه، فـ”النظام يصادر أملاك جميع السوريين المعارضين الذين جرى تهجيرهم سواء إلى الشمال السوري نتيجة اتفاقات أبرمت بين أنقرة ودمشق وبرعاية موسكو نتج عنها ترحيل المئات ممن يسمون بالجيش الحر وذلك على خلفية اتفاقات التسوية الناتجة عن الحصار والتجويع والقصف والاتفاقات الدولية، وكذلك الذين هاجروا إلى خارج سوريا خوفاً من عمليات انتقامية قد تمارسها ضدهم دمشق”.
وبحجة إدانتهم بأنّهم “إرهابيون” يستخدم القانون لسلبهم ممتلكاتهم، والمستوى الثاني هو ما قد ينتجه القانون رقم 10، إذ إنّ كلّ نازح إلى مناطق خارج سيطرة “النظام” أو لاجئ، سواء داخل سوريا أو خارجها ملاحق أمنياً، وإن كان ذلك ناتجاً عن جملة كتبها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، فهو محروم من العودة إلى وطنه لأنّه مهدد بالاعتقال مباشرة، فلا يمكنه أن يقدم ما يطلب من أوراق تثبت ملكيته.
وأضافت “قرعان”: “إذا أراد أحد السوريين أن يوكّل محامياً ينوب عنه قانونياً، فالوكالات الخارجية تخضع لشرط الحصول على موافقة أمنية، وفي حال كان عليه أيّ طلب أمني فلا يوافق على تثبيت وكالته لدى الكاتب بالعدل، وبالتالي فقد خسر ملكيته، وفي مسألة السماح لأقارب المالك حتى الدرجة الرابعة بتقديم مستندات الملكية، فقد تكون متاحة إن كانت الملكية في المحافظة نفسها، أما إذا كانت هناك مذكرة أمنية في حقه من إدلب، وكان لديه منزل في دمشق وكان جميع أفراد عائلته مطلوبين أمنياً، فمن سيقدم له تلك الأوراق؟ وإذا لم يكن على أحدهم طلب أمني، فماذا بشأن أعباء وتكاليف وخطورة السفر ومتابعة تلك الإجراءات؟
وقالت: “حتى من بقي في مناطق النظام هو في الحقيقة مهدد أيضاً بالتهجير بحجة التنظيم وإعادة الإعمار، فأولاً من لديه منزل في أرض للدولة أو مستملكة من قبلها، فلا يتمتع بأيّ ميزات وإن مضت على وجوده في هذه الأرض عقود طويلة، كما لم يأتِ القانون على وضع المستأجر القديم، أما من يملك الأرض فسيتحول عقاره إن كان منزلاً أو محلاً تجارياً إلى أسهم عامة، أي أنّ لديه أسهماً ضمن منطقة التنظيم لكن ليس له منزل أو قطعة أرض واضحة المعالم”.
وكانت حكومة الأسد قد أعلنت في فترة سابقة عزمها مصادرة أملاك المتخلفين عن الخدمة العسكرية خارج وداخل سوريا، ممن لم يدفعوا رسوم ما يطلق عليه بدل فوات الخدمة لمن تجاوز عمره 42 عاماً، وقد أعلن رئيس فرع البدل والإعفاء ضمن القوات الحكومية، العميد إلياس بيطار، أن مديرية التجنيد العامة ستصادر أموال وممتلكات كل من يبلغ سن 42 عاماً سواء كان داخل سوريا أو خارجها، ممن لم يؤدّ الخدمة العسكرية أو يدفع بدل فواتها، وإن لم يكن لديه أملاك أو عقارات فسيُنفّذ الحجز الاحتياطي على أملاك أهله وذويه.
وفي هذا السياق تقول “قرعان”: “من الناحية القانونية إجراء النظام مخالف لنص المادة 15 من الدستور السوري التي تحظر نزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة، وبموجب مرسوم وقرار قضائي، كما أنه مخالف لنص المادة 51 التي تتعلق بشخصية العقوبة، وضمان حق التقاضي والدفاع والاعتراض والطعن، وكذلك الحجز التنفيذي على أملاك المتخلفين إجراء تعسفي غير دستوري صادر عن سلطة تتبع السلطة التنفيذية دون رقابة قضائية”.
وبالعودة إلى الباحث في الشؤون الإيرانية إسلام المنسي، الذي يوافق ما أشارت إليه “قرعان”، ويضيف أن إيران استفادت من القانون رقم 10 الذي أصدره “النظام السوري” والذي يقضي بمصادرة أملاك المواطنين الغائبين الذين شردتهم الحرب، كما تم منح الجنسية لعناصر الميليشيات الإيرانية ووضعوا أيديهم على أملاك كثير من الغائبين وبالتالي تسجيل تلك الأملاك بأسماء الإيرانيين المجنسين.
يهدف النظام من هذه العملية تأمين موارد مالية تساعده على الاستمرار في حربه على الشعب السوري، والالتفاف على العقوبات الدولية، فهو الرابح في كلتا الحالتين سواء عن طريق من رضي بالدفع نقداً أو عن طريق بيع أملاكه وأملاك أقاربه المنقولة وغير المنقولة ويبقى السؤال الاكثر رعبا يقض مضاجع السوريين، ما الذي بقي لهم من سوريا؟