مساعي تعويم دمشق الروسية بوجه مواقف رفض التطبيع الغربية.. ما الأقرب إلى الحل؟

غرفة الأخبار ـ نورث برس

تواصل موسكو مساعيها في تعويم دمشق إقليمياً بعد أن عادت الأخيرة إلى الحاضنة العربية لتنهي 12 عاماً من القطيعة، بينما لازال التموضع الجديد يواجه شروط خطوة مقابل خطوة (بيان عمّان)، وبالتالي حالة عدم يقين من خطة التقارب العربي مع دمشق، ولاسيما بعد استئناف شعلة انتفاضة في السويداء، وتصاعد الصراع الدولي بين الثنائي الروسي- الإيراني والولايات المتحدة.

ومن المعروف وقبل الخوض في مدى نجاح المساعي الروسية، أن موسكو ساهمت بشكل كبير في فتح الجولات من وإلى دمشق وتكللت بمشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية المنصرمة بالسعودية.

ويبقى السؤال المطروح على الملئ، هو هل  تستطيع روسيا الاستمرار باستخدام ورقة تعويم دمشق لتمرير مصالحها في الشرق الأوسط وتخفيف أعباء الجبهة الأوكرانية، وهل سينجح التعويم أم إنها ستبقى تصطدم بالرفض الغربي ومبدأ خطوة مقابل خطوة؟

تطبيع دمشق والدول العربية؟

كانت روسيا وإيران من أوائل المرحبين بعمليات التقارب، حتى قبل عودة دمشق إلى مقعدها في الجامعة العربية، فقد سبقت ذلك التوافد بذريعة تقديم المساعدات الإنسانية الخاصة بالزلزال، في حين أن أحد شروط خطوة مقابل خطوة على ما تبدو تناهض النفوذ الإيراني.

وهو ما تضمنته المبادرة العربية في عمان، في نهاية أبريل/ نيسان الماضي، حين استضافت العاصمة الأردنية عمّان اجتماعاً لوزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر والعراق مع نظيرهم في الحكومة السورية، بوضع خارطة طريق لتسوية سياسية، شملت أيضاً ملف عودة النازحين طوعياً وملف تجارة الكبتاغون كأحد أبرز مصادر المال لدمشق.

وفي مايو/ أيار الماضي، قرر وزراء الخارجية العرب، عقب اجتماع، تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ بيان عمّان واستمرار الحوار المباشر مع دمشق، للتوصل لحل شامل للأزمة.

رغم ما حصل من تقارب عربي مع دمشق وتوافد دبلوماسيين كبار ولا سيما بعد الزلزال المدمر، فإنّ الموقف الأميركي الرافض استيعاب الأسد باقٍ على حاله، وقد دفع هذا الموقف إلى ترادف مواقف دول غربية على رأسها فرنسا وبريطانيا وألمانيا تجاه إعادة حتى لو جزء بسيط من علاقاتها مع دمشق.

وبدا التقاربات مع دمشق بمثابة تحدٍ للولايات المتحدة، علماً أن الأخيرة لم تقم بخطوات رد فعل فورية، لكنها عالأقل ساهمت في أن تتخذ الدول العربية خطوات أكثر حرصاً من أنه لا يمكن تنظيف دمشق مما ارتكبته على مدار العقد الفائت، وأنه لا مجال للتعويم إلا من خلال حل سياسي بتطبيق القرار الأممي 2254.

صراع بين القرار الأممي والتعويم

يرى الباحث في العلاقات الدولية عمر عبد الستار، أن الأزمة السورية بدأت في الملف الدولي في جنيف، وعندها ظهرت قرارات دولية،  والتي توقفت عند القرار 2254، أعقب ذلك تدخل روسي ونجحت مع إيران وتركيا في تأسيس صيغة استانا التي استمرت حتى الجولة العشرين.

لكن الباحث يردف بالقول لنورث برس، إن “مهمة استانا انتهت وهذا ما أعلنته كازخستان في الاجتماع العشرين قبل شهرين، ما يعني العودة إلى جنيف.”

ويعتقد عبدالستار أنه من المعروف ما يريده الأسد وهو ما تريده روسيا وإيران “أن لا يكون هناك ذهاب إلى جنيف، باعتبارها المكان الذي من المفترض تطبيق قرار أممي فيه” وهي خطوة تتعارض مع مساعي الثلاثي (دمشق موسكو طهران) لتعويم الأسد.

 وبالتالي بقي الصراع دائراً بين صيغة استانا وجنيف، وفقاً للباحث.

واستضافت أستانا يومي 20 و 21 حزيران/ يونيو الفائت، اجتماعها العشرين حول سوريا بصيغتها المعروفة، وفي ختام اللقاءات أعلنت كازاخستان أن الاجتماع سيكون الأخير، مبررةً ذلك بأن الوضع حول سوريا شهد تغيراً جذرياً، خصوصاً بعد استئناف العلاقات السورية مع محيطها وعودة دمشق إلى الجامعة العربية.

وكان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، أعلن أن الاتصالات بين أنقرة ودمشق ستستمر على مستويات مختلفة على شكل آستانا، دون تحديد موعد ومكان لاجتماع لاحق.

وما قد يؤثر على الملف اليوم أو بمعنى آخر يعتبر انعاكساً على الصراع، ما تشهده السويداء من انتفاضة قد تصل يوماً ما إلى قرار بتشكيل حكم ذاتي على غرار شمال شرقي سوريا، بحسب عبدالستار.

وويرى الباحث السياسي، أنه بالرغم من أن الروس والإيرانيين يكافحون لإفشال انتفاضة السويداء، إلا أنهم متمسكون بعدم التوجه إلى جنيف، حتى لو تكللت انتفاضة السويداء بنتائج.

أما بالنسبة لتركيا وهي طرف ضامن ثالث إلى جانب روسيا وإيران في اجتماعات أستانا، فهي اليوم بحسب عبدالستار “أبعد من روسيا وإيران مقارنة بتقارباتها مع الغرب” وهذا ما تبين من لقاء أردوغان مع بوتين في سوتشي، مما يعني أن محور استانا “قابل للتفكك وهو ضغط آخر يواجهه مسار روسيا، في ظل موقف إيران الصعب”.

الملف السوري مرتبط بصراع دولي

 من جانب آخر، لا يمكن فصل الصراع في سوريا عن الحرب الدائرة في أوكرانيا، هذا ما تعتقده الباحثة في الشوؤن السياسية الدولية دانييلا القرعان، حيث تقول لنورث برس، إن مسألة تعويم دمشق من قبل القيادة الروسية تتعلق بالموقف العسكري على الجبهات العسكرية في أوكروانيا.

وتوضح أنه “كلما حدث تراجع وخسائر وتأخرت روسيا في تحقيق خروقات وتقدم على الأرض، كلما زادت مساعي التعويم كورقة ضغط حاضرة دائماً لاستغلالها على طاولة المساومات الدولية”.

وتقول “القرعان” إن “روسيا ترى نفسها عرّابة عملية إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، بينما جاء الهاجس في عودة سوريا للحضن العربي من إيران التي تتحفظ على أي انفتاح عربي على نظام الأسد، درءاً، على ما يبدو، من أن يكون الانفتاح مشروط بخطوات تنهي نفوذها في البلد”.

وتضيف أن “الخيوط في الملف السوري المعقدة تجعل الموقف الروسي متأرجحاً من الأزمة، لجمود مسارات الحل السياسي على اختلافها، في حين تشدد واشنطن رفضها للتطبيع العربي مع دمشق، الأمر الذي يحفز موسكو على تعويم القضية لإظهار واشنطن بموقف الرافض للحلول السلمية للأزمة”.

وانعكست المنافسة بين المسارين الروسي والأميركي على الأرض، حيث زادت في الآونة الأخيرة الاحتكاكات الجوية حسبما أعلن الطرفان، فضلاً عن تقارير تفيد بمخطط روسي إيراني مشترك لإخراج القوات الأميركية من المنطقة.

وقال عبدالستار، إن المسار الذي تتمسك فيه روسيا وإيران اليوم “يعيد مشهد قرارهما بالحفاظ على حكم الأسد، أي أنهما يسعيان لعدم حل الأزمة السورية عبر قرار أممي في جنيف”.

ولم يختلف المحللون في أن محاولات التعويم تعد ورقة ضغط على المسار المعاكس التي تتخده الدول الغربية، وهو ما ينعكس أيضاً على طبيعة تقارب الدول العربية المتأثر بالتجاذبات الدولية مع دمشق.

إعداد وتحرير: هوزان زبير