أمريكا تحاصر إيران وتحذر العراق

ما سمعه وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي ورئيس أركانه الفريق عبد الأمير يار الله ورئيس قسم مكافحة الإرهاب في واشنطن كان مفاجئاً بالطرح والمضمون، واللقاء الجانبي غير المخطط، وغير الموجود على برنامج الزيارة مع مساعدة وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الأمن سيليست والاندر، إذ إن ما تضمّنه الاجتماع، أصاب الوفد الزائر بالمفاجأة، فقد نقلت لهم سيليست طلباً واضحاً بضرورة إبعاد كافة تشكيلات وقطعات الحشد الشعبي التابعة لدولة العراق لمسافة 150كم عن حدود العراق مع سوريا، والتحذير من قيام الميليشيات التابعة لإيران بأي تحرش أو تعرض للقوات الأمريكية أو حلفائها في العراق وفي سوريا، وأن تعامل الجيش الأمريكي مع أي قوة مهاجمة سيكون “تعامل مع عدو” وأن المسيرات الأمريكية ستقوم بمهاجمة قادة تلك الميليشيات إذا ما رفضوا تنفيذ تلك الطلبات. الوزير العراقي أجاب: “كما تعلمون لا سيطرة ولا نفوذ لوزارة الدفاع العراقية على قطعات الحشد الشعبي التي تتبع مباشرة لمكتب رئيس الوزراء العراقي القائد العام للقوات المسلحة”.

زيارة الوفد العسكري العراقي التي تمت منتصف الشهر الماضي أب/أغسطس والتي اعتبرت الأرفع التي يقوم بها مسؤولون عراقيون للولايات المتحدة منذ تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في تشرين الأوّل/أكتوبر من العام الماضي، ومع عودة الوفد طلبت السفيرة الأمريكية لدى العراق آلينا رومانوسكي لقاءً عاجلاً مع رئيس الوزراء العراقي وأبلغته كامل ما قيل لوزير دفاعه في زيارته لواشنطن.

ما تستر عليه وزير الدفاع العراقي ورئيس الحكومة وأُبلغ فقط لقادة الحشد الشعبي، فضحه رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، الذي اعتبر أن الطلب الأمريكي هو بمثابة إعلان حرب على إيران وحلفائها في العراق، وربط كل ما يحصل في سوريا من انتفاضة في جبل العرب، مع التحركات في سهل حوران، والصرخات في الساحل السوري، على أنها كلها حلقات من ضمن خطة متكاملة تعمل عليها الولايات المتحدة الأمريكية، وتهدف إلى زعزعة الاستقرار في سوريا، ونشر الاضطرابات، وإغلاق البواية الإيرانية على الحدود العراقية-السورية وحصار إيران في سوريا، واعتبر أن كل تلك الإجراءات تهدف في نهاية المطاف إلى الإطاحة ببشار الأسد وعزله عن سدة السلطة في سوريا انطلاقاً من العراق.

الاستعدادات العسكرية الأمريكية الغامضة في كامل منطقة الشرق الأوسط تستهدف سوريا, وتركز جهودها على المنطقة الواقعة بين منطقة الـ55 في التنف ومدينة البوكمال, وتلك الاستعدادات وصلت لمرحلة الذروة مع وصول حاملة الطائرات الأمريكية الثالثة “جيرارد فورد” إلى السواحل التركية المطلة على مياه المتوسط لتنضم للحاملتين أبراهام لينكولن وجورج دبليو بوش في مقابل السواحل السورية، إضافة لعدد من السفن الحربية ونقل 3-5 آلاف من جنود المارينز إلى سواحل البحر الأحمر، إضافة لغواصة نووية عززت الأسطول الأمريكي الخامس العامل بالخليج العربي في مملكة البحرين، مع كامل الدعم اللوجيستي الذي يؤمّن القيام بأي أعمال عسكرية وحربية في أي وقت كان, وترافقت تلك التعزيزات مع عدة مشاريع وتدريبات أجراها التحالف الدولي مع حلفائه في منطقة الشرق الأوسط وفي شرقي الفرات.

إيران التي سارعت لإعادة نشر قواتها وزيادة أعمال التحصينات, ووضع خطة جديدة للانتشار والتموضع, طلبت من حجاجها المتواجدين في العراق بمناسبة الاحتفالات بأربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) والبالغ عددهم زهاء 3 ملايين زائر إيراني، العودة مباشرة لإيران لأن العراق ليس آمناً وقد تندلع فيه أعمال قتالية بأي لحظة.

من المؤكد أن إيران تملك أذرعاً ميليشياوية كثيرة في المنطقة العربية، وهي قادرة على إثارة الشغب، وزيادة جرعة التحرشات بالقوات الأمريكية وقوات التحالف، لكنها تدرك أن هذا الخيار سيكون ثمنه غالياً، خاصة بأن الحرس الثوري الإيراني لم ينس بعد ما فعلته طائرات الإف16 الأمريكية وحوامات الأباتشي في عام 2018 عندما حاول بمشاركة مع مرتزقة شركة فاغنر الروسية تنفيذ هجوم مباغت هدفه السيطرة على حقل العمر ومعمل كونيكو في مناطق النفوذ الأمريكي، وكانت النتيجة مقتل ما يقارب 600 مقاتل منهم خلال أقل من ساعتين، ومع هذا الواقع يتبقى أمام إيران خيارين لا ثالث لهما:

الخيار الأول، المواجهة الكاملة مع الجيش الأمريكي إذا ما قررت واشنطن إغلاق المنطقة الواقعة ما بين مدينة البوكمال وقاعدة التنف، وهذا يعني حصار إيران وأذرعها وحلفائها في سوريا، لكن هذا القرار تدركه طهران وتدرك أنه خيار انتحاري نظراً للفارق الكبير بالقوى والوسائط والنوعية التي يتفوق فيها الجيش الأمريكي على نظيره الإيراني.

الخيار الثاني، وهو الأخير والمرجح وعادة ما تلجأ إليه إيران مع أول طلقة من الطرف الآخر، وهي عملية الانسحاب والانصياع للإرادة الامريكية، بغض النظر عن الجعجعات والبهلوانيات الإعلامية التي أصبحت إحدى الماركات المسجلة لإيران وأبواقها على الفضائيات.

بالمحصلة إن كان قرار إيران بالهروب من المواجهة هو الأكثر احتمالاً وتوقعاً، لكن الموقف الأمريكي ورغم كل الاستعدادات والمؤشرات وعمليات التنسيق وتنظيم التعاون التي قام بها الجيش الأمريكي سواءً مع حلفائه في سوريا أو مع شركائه في إسرائيل، لكن لا يوجد حتى الآن أي تصريح رسمي لمسؤول عسكري أو سياسي أمريكي يؤكد فيه أن واشنطن ذاهبة للحرب، أو لحصار إيران في سوريا، وإن كان ما أقدمت عليه واشنطن من نقل تعزيزات عسكرية يؤكد ويدلل أن الحرب الأمريكية على ميليشيات إيران في سوريا قادمة، وأن شرقي الفرات مسرحها، وأن تلك الحرب ضرورية من أجل حلفاء واشنطن في المنطقة، من حيث مكافحة الإرهاب ووقف تهريب المخدرات وقطع أذرع إيران التي سيطرت على أربع عواصم عربية وتطمح بالمزيد، وتقدم الحرب إنجازاً عسكرياً نوعياً يحتاجه الرئيس الأمريكي بايدن لدعم برنامجه الانتخابي في العام القادم 2024.

البعض غمز بأن واشنطن ليست في وارد الحرب، وأن كل ما تقوم به يأتي في إطار الضغوط على إيران غايته فقط إضعافها وتليين موقفها في موضوع المفاوضات النووية لطهران مع دول 5+1 التي تجري في أوروبا، وأن الرئيس بايدن لا يختلف عن سلفه الرئيس أوباما بالسعي لحلول سياسية مع إيران واستبعاد أي من الخيارات العسكرية.