رزان زين الدين ـ السويداء
خلال الأسابيع الأخيرة، برزت محافظة السويداء على خارطة المشهد السوري، من خلال احتجاجات شعبية مستمرة ومتلاحقة، في ظل وجود مناخ سياسي واجتماعي داخل المحافظة حاول أن يبرز منه مؤثرون، لتبقى حقيقة المشهد يفرضه الشارع المنتفض.
الزعامات التقليدين
يقول الباحث في الجغرافية البشرية والمجتمع والتاريخ الأستاذ إبراهيم العاقل، إن الزعامات التقليدية داخل السويداء؛ تتمثل بالأمير لؤي الأطرش، والعميد المتقاعد جواد الأطرش وعاطف هنيدي، والأمير يحيى عامر، بالإضافة إلى وجود أعيان في كل بلدة وقرية.
ويضيف “العاقل”، لنورث برس، أن الزعامات التقليدية “ينتقدون السلطة. ولكنهم بنفس الوقت لا يدعون إلى عزلها علانية باستثناء جمال هندي المتعاطف مع المعارضة، ويعد من الزعماء التقليدين المؤيدين للحراك وله شعبية داخل السويداء”.
فيما يرى الباحث أن “بعضهم لا تأثير لهم إلا بقدر ما تحركهم السلطة، كما هو الحال مع لؤي الأطرش المتعاون مع عصابة معتز مزهر ومع شيخ العقل الثالث يوسف جربوع الذي يستمد قوته من واردات أوقاف السويداء والتبرعات التي تصل إليه”.
ويشدد “العاقل” على أن حراك السويداء الأخير، الذي اندلع في العشرين من آب/ أغسطس الفائت، “فرض تصنيفات جديدة لقيادات شابة ناشئة وجريئة، تدعوا إلى رحيل السلطة وبناء أخرى جديدة نظيفة من عيوب ومفاسد سلطة الأسد”.
ويشير إلى أن قيادات الشارع اليوم “تجاوزت الأشخاص الذين كانوا منحازين سابقاً لصالح النظام أو من خدموا في مؤسساته وجيشه”.
قوى سياسية وعسكرية
يصف ناشط سياسي من السويداء فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، المشهد العسكري والسياسي داخل المحافظة بـ”المتشعب”.
ويقول لنورث برس: “يبرز من الفصائل المسلحة في السويداء حركة الكرامة والتي تعد أكبر فصيل عسكري منظم في السويداء بقيادة الشيخ يحيى الحجار، وفصيل قوات شيخ الكرامة بقيادة الشيخ ليث البلعوس، والذي يحظى بشعبية واسعة في السويداء كونه نجل وحيد البلعوس مؤسس حركة الكرامة”.
بالإضافة إلى تجمع أحرار جبل العرب بقيادة الشيخ سليمان عبد الباقي المؤيد والمشارك في الحراك، وفصيل لواء الجبل بقيادة مرهج الجرماني المؤيد للحراك الشعبي أيضاً، ومن المتطوعين لحماية الحراك، بالإضافة إلى فصيل قاهرون بقيادة عميد جريرة.
وعلى النقيض ينوه الناشط إلى وجود مجموعات مسلحة داخل محافظة محسوبة على الأمن العسكري، “كجماعة آل مزهر داخل مدينة السويداء وجماعة ناصر السعدي في مدينة صلخد في الريف الجنوبي”.
ومن الناحية السياسية يشير الناشط إلى وجود قوى سياسية معارضة بدأت تنشط بشكل أكبر بعيد الحراك. “في الوقع الراهن يكثر الحديث عن حزب اللواء بقيادة مالك أبو خير، والذي مازال الجدل حول مشروعه المطالب بإدارة لامركزية قائماً في السويداء”.
فيما يشيد الناشط بدور شيخي عقل طائفة الموحدون الدروز، حكمت الهجري وحمود الحناوي، “اللذين يتمتعان بشعبية واسعة اليوم في السويداء”.
انعكاس الواقع وتأثيره
رغم تشابك المشهد السياسي والاجتماعي داخل محافظة السويداء، إلا أن الحراك الشعبي المستمر لغاية اليوم في المحافظة، فرض صيغة معينة واصطفافات جديدة حدد خيارها المتظاهرون.
ويرى الكاتب الصحفي أيمن الشوفي، أن الجميع يحاول ملاقاة الحراك الشعبي الحاصل، ولكن لا يمكن القول إن هناك حضور لافت لحزب سياسي أو شخصيات سياسية على باقي المكونات اليوم في السويداء.
وبالنسبة للشخصيات التقليدية في المعارضة السياسية المحسوبين سابقاً على الائتلاف أو المعارض حسن عبد العظيم أو المستقلين المحسوبين على الهيئة الاجتماعية وجميع التيارات السياسية الأخرى، “فجميعهم يحاولون أن يلاقوا الحراك في منطقة ما ولكن لا أحد يستطيع قيادته لأنه حراك عفوي”، بحسب الكاتب الصحفي.
ونوه الكاتب لوجود الفصائل في الحراك، “الذين كانت مساحة حراكهم أكبر، مثل مرهج الجرماني قائد لواء الجبل والشيخ سليمان عبد الباقي قائد تجمع أحرار جبل العرب بالإضافة للشيخ ليث البلعوس قائد حركة رجال شيخ الكرامة وشادي أبو لطيف قائد بيرق الحدود، الجميع كان لها مشاركة، وتأييد للحراك الشعبي داخل ساحة الكرامة. ورغم هذه المشاركة من قبل الفصائل إلا أنه لا وجود لفصيل أخذ مشهد الحراك وقام بتنظيمه”، بحسب ما ذكر الشوفي.
ويستبعد الكاتب إيجاد صيغة ائتلافية توحد جمع الأطراف السياسية والفصائل المسلحة خصوصاً في السويداء في ظل اختلاف المرجعية السياسية وحتى اختلاف المشاريع، “فمن الصعب جمع هذا الفصائل تحت قيادة واحدة”.
ولكن يرى الكاتب أن الجميع يتلاقى في نقطة “إسقاط النظام وإنهاء سلطة بشار الأسد”.
ويشير الكاتب إلى أن الحراك قد صادر المشهد اليوم في السويداء، وسيطر عليه “حتى من الزعامات التقليدية كـ لؤي الأطرش الذي كان له دور في الحياة الاجتماعية سابقاً”.
ويستعبد الشوفي أن يكون هنالك “وجود فاعل للزعمات التقليدية لا بإحباط الحراك ولا حتى تأجيجه”، فالحراك بحسب الكاتب، “أعاد الزعمات التقليدية إلى مقاعد المتفرجين وخاصة أنهم عرفوا سابقاً بولائهم للنظام القائم، فمن الصعب عليهم أن يتبنوا خيارات الشارع”.
وفي الوقت الذي يشيد الكاتب بتعامل شيخ عقل طائفة الموحدون الدروز حكمت الهجري، ولحق بموقفه شيخ العقل الثاني الشيخ حمود الحناوي، مع الحراك، يصف موقف شيخ العقل الثالث يوسف جربوع، وهو المحسوب والمقرب من “النظام”، بـ”البعيد” عن مطالب الحراك.
ويشير الكاتب، إلى أن الشيخ جربوع، “اشتغل على وساطات معينة لإفراغ الحراك من محتواه وتقزيمه وتحويله إلى مطالب حكومية فقط”.
ويقول: “إذا جاز التعبير، نعتبر المجتمع الدرزي منقسم بين الشيخين المؤيدين للحراك، الهجري والحناوي، من جهة والشيخ جربوع الباحث عن تسوية مع النظام من جهة أخرى، فإن 80 في المئة من المجتمع المحلي بحسب الآراء مع خيارات الحراك”.
وعن مستقبل الحراك، يرى الكاتب الصحفي، أن “هناك تتطور في هيكلية الحراك في خلال قيام لجنة تنظيمية تطوعية من المدنيين والفصائل لحماية وتأمين الساحة، فالحراك فد أفرز هذه اللجان التنظيمية”.
ولا يستعبد “الشوفي” قيام قيادة سياسية للحراك في “لحظة تاريخية تجتمع فيها جميع الفرق السياسية للقيام بمجلس سياسي متعاون مع الفصائل بمجلس عسكري. ولكن يبقى هذا مرتبط بالتوافق وهل هو متاح حالياً أم لا داخل المشهد السياسي المعقد”.
ويبقى صوت الشارع، بحسب ما ذكر الشوفي، هو “المسيطر”. وينفى احتمالية “الرضوخ للنظام”، ويرى أن “هكذا تسوية كان ممكن أن تتم في الأسبوع الثاني من التظاهرات، إنما اليوم أصبح الشارع ومطالبه السياسية في مكان والنظام ومبادراته في مكان آخر”.
ويقول: “تم إحراق جميع المراكب لا عودة لما قبل بدء الحراك، في حين يبقى للحسابات الدولية دور في المرحلة القادمة لتحديد خيارات معينة أو من خلال تزكية صيغة ما”.