“تركيا هي منشأ الإرهاب في سوريا”، كانت هذه الكلمات ضمن التصريح الذي أدلى به الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة جرت مؤخراً مع قناة سكاي نيوز العربية، والتي عبرت عن ازدراء الأسد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى حدٍ كبير.
منذ انجرار سوريا إلى الحرب الأهلية في عام 2011، كان أردوغان مصمّماً على إطاحة الديكتاتور السوري لدرجة أصبحت أولوية بالنسبة له أكثر من التزام أنقرة بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. والآن، تحاول روسيا دفع الزعيمين للقاء وحل خلافاتهم، ولكن القيام بذلك لن يكون سهلاً نظراً للشرط المسبق الذي أعلنه الأسد قبل انعقاد أي اجتماع وهو مغادرة جميع القوات العسكرية التركية من سوريا.
وبحلول عام 2022، بات واضحاً أن الأسد سيستمر في حكم سوريا، وذلك بفضل الدعم الذي قدمته كل من روسيا وإيران له، وتمّ تأكيد هذه الحقيقة غير المرحب بها مع إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية في شهر أيار/مايو الماضي. ووضع هذا الأمر أردوغان في موقف محرج من أجل المصالحة مع الرجل الذي حاول الإطاحة به، لماذا؟ لأن روسيا وبشكل أساسي تحثّ الطرفين على تحقيق السلام ولأن أردوغان ليس لديه خيار آخر.
والآن، يمر أردوغان بموقف ضعيف يمنعه من فرض أية شروط بخصوص الوضع الجديد بين سوريا وتركيا، وهو يعاني من مشكلة كبيرة في سوريا، وإذا كان يود تحقيق تقدم ما فإنه يحتاج إلى التعاون مع الأسد.
ولا يزال الملايين من المواطنين السوريين يقطنون في تركيا كلاجئين، ومعظم الأتراك بغض النظر عن آرائهم السياسية تجاه أردوغان يعتقدون أنه قد حان الوقت لعودة ضيوفهم السوريين إلى بلدهم لأن اقتصاد تركيا المتهالك بات يعاني من التضخم الاستهلاكي المرتفع وانخفاض الأجور واستياء السكان بشكل متزايد.
وتكمن قضية اللاجئين السوريين في هذا الشأن تحديداً حيث يلوم الكثيرون أردوغان وسياسته لقبوله الملايين من اللاجئين الذين يُعتقَد بأنهم مَن يستنزفون الموارد الوطنية النادرة التي يجب تخصيصها بدلاً من ذلك للمواطنين الأتراك، سواء كان هذا تصوراً دقيقاً أم لا، فإن الحقيقة تبقى أنه ومنذ انتخابات تركيا في أيار الماضي والتي منحت أردوغان خمس سنوات إضافية كرئيس، فقد طالب المواطنون على إثرها بأن يتحرك أردوغان للوفاء بوعده بحل مشكلة اللاجئين، وهذه نقطة قوة للأسد، فإذا كان سيتعاون مع أردوغان بشأن عودة اللاجئين، فإن ذلك سيكون مقابل ثمن وهو إلغاء وجود تركيا العسكري من شمالي سوريا.
طوال الحرب الأهلية السورية، دعمت أنقرة وقدمت مساعدات مادية لمجموعات مختلفة من الميليشيات والجماعات المسلحة المعارضة التي تم جمعها تحت راية الجيش السوري الحر، حيث بدأ كائتلاف مكرس لمحاربة نظام الأسد ولكن مع مرور الوقت ونتيجة دعم تركيا، انتقل هدفهم الرئيسي إلى تقويض وإضعاف الشأن العسكري للكرد السوريين وقوات سوريا الديمقراطية – الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة – التي قاتلت بلا هوادة للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن تركيا تعتبرها تهديداً إرهابياً على حدودها، وهذه هي نقطة سياسية إضافية حيث يرغب أردوغان في تأمين المساعدة للأسد وهي كيفية احتواء الكرد السوريين.
وللتوضيح فإنه على الرغم من أن المواطنين الأتراك غير مدركين لذلك إلى حد كبير، فإن غالبية اللاجئين السوريين سوف لن يعودوا إلى سوريا، فقد عاشوا حياتهم في تركيا وحصل بعضهم على الجنسية التركية، في حين هناك جيل كامل من الأطفال السوريين وبعضهم في سن المراهقة المبكرة بات يكبر في تركيا التي أصبحت وطنهم المعروف منذ الصغر.
ومع ذلك إذا كان أردوغان مهتماً حتى بما من المحتمل أن يكون حيلة دعائية لإعادة عدد رمزي من اللاجئين السوريين، فسيحتاج إلى سحب قواته من سوريا وسحب دعمه من الجيش السوري الحر.
قد يبدو هذا خياراً سهلاً، ولكن انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية هي مسألة وقت وفي أي ظرف من الظروف سوف لن يُسمح لتركيا بالحفاظ على الوجود العسكري لها على أرض أجنبية دون قبول الحكومة السورية، وإذا وافق أردوغان على فعل ذلك الآن بالتشاور مع الأسد، فقد يسمح هذا لأنقرة بالتوصل إلى نوع من الصفقات التي ستشهد إعادة توطين عدد قليل من اللاجئين.
ولكن القيام بذلك سيكون اعترافاً صريحاً بأن استراتيجية تركيا في سوريا اتسمت بالفشل الذريع وكذلك ستود المعارضة في الداخل بأن تُضعف أردوغان بقوة وستثير بعض الأسئلة الصعبة، وخاصة حول ما تم إنجازه في الواقع في سوريا.
ومع ذلك، فإن عدم سحب القوات من سوريا سيعني أن الأسد لن يلتقي حتى مع أردوغان، وهذا يعكس إلى حد كبير الموقف المريح الذي يعرف نفسه فيه الأسد، ولا يوجد دافع كبير لدى الأسد لإرضاء أردوغان الذي ليس لديه ورقة ضغط ليستعملها.
في الواقع، الأسد ليس هو الشخص الوحيد الذي يواجه مشكلة مع سلوك تركيا في سوريا، فقد فرضت حكومة الولايات المتحدة مؤخراً عقوبات على مجموعتين من ميليشيات تابعة لتركيا. ففي البيان الصادر في السابع عشر من شهر آب، قامت وزارة الخزانة في الولايات المتحدة بتسمية اثنين من الفصائل المسلحة في سوريا وثلاثة أعضاء من قيادات المجموعات الإرهابية لارتكابهم انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد السكان المقيمين في منطقة عفرين شمالي سوريا، ومن دون ذكر اسم تركيا، أبدت حكومة الولايات المتحدة تلميحاً قوياً بأنها مستاءة من الأعمال المستمرة لأنقرة في سوريا.
كل هذا يعني بأنه وعلى الأرجح سيجبر أردوغان على التراجع عن سياسته غير المثمرة في سوريا حيث يزداد عدد الفاعلين الدوليين الذين يدعون أردوغان للتراجع عن موقفه العسكري، في حين تود روسيا أن تحل سوريا وتركيا خلافاتهما، وتود الولايات المتحدة أن يتوقف أردوغان عن دعم الفصائل في سوريا. وأخيراً، يود أردوغان أن يتمكن من إخبار أتباعه في تركيا بأنه قام بحل قضية اللاجئين وقضى على التهديد الكردي. والطريقة الوحيدة التي يمكن أن تتحقق كل هذه الرغبات هي أن يتخلى أردوغان عسكرياً عن سوريا وأن يكون متواضعاً.
سنان جيدي هو أستاذ مشارك في دراسات الأمن القومي في جامعة مارين كوربس وعضو مهم غير مقيم في مؤسسة دفاع الديمقراطية