كركوك.. أحداث دموية بخلفيات سياسية تاريخية

أربيل – نورث برس

وقعت أحداث عنف أمس السبت، في كركوك والتي تعد أبرز محافظة متنازع عليها سياسياً وإدارياً بين بغداد وأربيل، حيث راح ضحية تلك الأحداث عدد من القتلى والجرحى.

تحوّل الخلاف على خلفية قرار حكومي بإخلاء مقار عمليات أمنية وإعادتها للحزب الديمقراطي الكردستاني، إلى تظاهرات من قبل موالين لقوى وأحزاب عربية وتركمانية أغلقوا طريقاً رئيسياً بين أربيل وكركوك، وهم يرفضون الإخلاء من جهة، وأخرى كردية تطالب بإعادة فتح الطريق المغلق منذ نحو أسبوع من جهة أخرى.

 وتطورت الأحداث في ساعات مساء أمس، إلى احتكاك بين المتظاهرين والقوات الأمنية، شهدت إطلاق النار، ما أدى إلى سقوط ما لايقل عن 3 أشخاص وإصابة آخرين، بحسب وسائل إعلام عراقية.

وسرعان ما تتابعت البيانات والمواقف من الأطراف السياسية والحكومية بإقليم كردستان والمركز بغداد، لدرء التصعيد والتوتر في كركوك.

تفاصيل

تظاهر عدد من السكان الكرد احتجاجاً على إغلاق طريق كركوك – أربيل بحجة تعطيل أعمالهم وشل حركتهم، وذلك بعد أيام من احتجاج في جانب آخر قام به موالون لقوى عربية وتركمانية رافضين قرار إخلاء مقر العمليات المشتركة التي كانت سابقاً مقار حزبية كردية.

وكانت المقار التي طُلبت إخلاؤها، تعود للحزب الديمقراطي الكردستاني، قبل أن تشن القوات العراقية والحشد الشعبي عملية أطلق عليها “فرض القانون” بقيادة حيدر العبادي في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، رداً على الاستتفاء الكردي الذي جرى في 25 أيلول/ سبتمبر من نفس العام.

وكان الحزبان الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيان خسرا في تلك العملية ما يقارب 50% من مناطق نفوذهما، من ضمنها كركوك.

وبعد سنوات من التجاذبات السياسية والتوافقات بين بغداد والأطراف الكردية، قررت حكومة محمد شياع السوداني الأسبوع الفائت، إخلاء مقر العمليات المشتركة في كركوك وإعادتها إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن ذلك أثار غضب أطراف عربية وتركمانية نافذة في المحافظة.

خلفيات تاريخية

كركوك مدينة نزاع تاريخي بين حكومتي المركز وإقليم كردستان، وهي محافظة تقطنها ثلاثة مكونات رئيسية وهم الكرد والعرب والتركمان وأقليات أخرى.

وتعرف المناطق المتنازع عليها في العراق بأنها تلك التي تعرضت للتغيير الديمغرافي ولسياسة التعريب على يد نظام صدام حسين، وذلك خلال فترة حكمه من عام 1968 حتى إسقاطه بالتدخل الأميركي في نيسان/ أبريل 2003.

وتشمل المناطق المتنازع عليها أجزاء من نينوى وكركوك وديالى، إضافة إلى منطقة مخمور جنوبي أربيل وطوز خورماتو شمال شرقي صلاح الدين.

وحدد دستور 2005 المادة 140 كحل لمشكلة كركوك وما يسمى المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان وحكومة المركز.

ونصت المادة على آلية تضم ثلاث مراحل، أولها التطبيع، ويعني علاج التغييرات التي طرأت على التركيبة السكانية في كركوك والمناطق المتنازع عليها في عهد نظام صدام وبعده، والثانية الإحصاء السكاني في تلك المناطق، وآخرها الاستفتاء لتحديد ما يريده سكانها، وذلك قبل الواحد والثلاثين من كانون الأول/ ديسمبر 2007.

ومع عدم تمكنت الحكومات المتعاقبة من تطبيق المادة الدستورية، ترفض أطراف سياسية في كركوك، عودة البيشمركة إلى المناطق المتنازع عليها، وتطالب ببسط نفوذ القوات العراقية حصراً في تلك المناطق، بالرغم من أن النتائج البرلمانية تظهر أن نسبة أصوات الأحزاب الكردية، تتجاوز نصف عدد ناخبي المحافظة.

وكلما دار الحديث عن موضوع عودة البيمشركة ولا سيما إلى كركوك، يصدر من جانب الجبهة التركمانية وقوى عربية في كركوك بيانات ترفض طرح الفكرة من أساسها ولا تقبل تطبيق المادة 140.

ردود سياسية وحكومية

في أحدث تطور منذ أمس، قال محافظ كركوك بالوكالة، راكان الجبوري، اليوم الأحد، إنه “بعد اتصال هاتفي من رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، نعلن التريث في إخلاء مقر العمليات في كركوك، والتوجه الى المتظاهرين أمام مقر القيادة، والحديث معهم عن توجيه رئيس الوزراء”.

وأضاف أن المتظاهرين “قرروا سحب الخيم وإنهاء اعتصامهم وفتح الطريق”، دون إيضاح ما إذا سيتم تطبيق قرار إعادة المقار إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني.

هذا وأكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، في اتصال هاتفي، مساء أمس السبت، “تكثيف العمل المتكامل من أجل تفويت الفرصة على كل من يعبث بأمن مدينة كركوك واستقرارها”.

 كما دعيا إلى بسط القانون من قبل القوات الأمنية، من أجل استدامة “السلم الأهلي والحياة الطبيعية لأهالي المحافظة”،  بحسب بيان لمكتب السوداني.

وفي بيان صادر عن رئيس اقليم كردستان نيجرفان بارزاني، قال فيه إنه أكد في اتصاله مع السوداني على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية “أمن واستقرار كركوك ومنع أية محاولة لتخريب التعايش وأمن المدينة ومواطنيها.”

وأدان رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل جلال طالباني، بشدة ما وصفها بـ “المحاولات والمرامي التخريبية لتكدير صفو الأخوة والتعايش في كركوك”، داعياً إلى اعتقال المتهمين بقتل وإصابة المدنيين بأسرع وقت وإحالتهم إلى القضاء.

ورفض طالباني “استخدام الشعب لحسم المشكلات السياسية وجعلهم ضحايا الحصول على مكاسب خاصة، وإسالة الدماء (..) واللعب بمصيرهم وحياتهم تحت مسميات الحس القومي”.

ووجه السوداني بتشكيل لجنة تحقيقية لمعرفة ملابسات سقوط ضحايا على خلفية الأحداث التي وقعت في المحافظة.

وقال رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد إنه يتابع “بقلق بالغ” تطورات الأوضاع في كركوك، داعياً جميع الأطراف ذات الصلة بالتطورات “المؤسفة” في كركوك بالامتناع عن أي تهديد أو استخدام للقوة.

وطلب الرئيس عدم فسح المجال أو منح الفرصة لما وصفه بعصابات “الإرهاب” التي ترمي على حد تعبيره إلى “خلط الأوراق وزعزعة الاستقرار واستباحة الدم العراقي”.

وأكد على أن “كركوك كانت ومازالت رمزاً للتآخي العراقي وجامعة لكل الأطياف، ولن نسمح بتشويه صورتها”.

إعداد وتحرير: هوزان زبير