“نموذج حلب”.. الأهداف والمخاطر

ذخرت الصحافة التركية، ومعها العربية المؤيدة لسياسات تركيا، خلال الأيام الماضية بالحديث عن ما سمي “نموذج حلب”، وأهمية هذا النموذج في إيجاد حل لمشكلة اللاجئين السوريين في تركيا، إلى درجة أن البعض ذهب للقول إن نموذج حلب هو الحل للأزمة السورية، فما هو هذا النموذج؟ وما أهدافه؟ وما مخاطره إذا مضت تركيا في تنفيذه؟
حسب الصحافة التركية، يقوم هذا النموذج على سلسلة خطوات ومراحل، أولى هذه الخطوات كانت تشكيل آلية ثلاثية تتألف من وزارة الداخلية التركية، وحزب العدالة والتنمية الحاكم، وكتلة الحزب البرلمانية، على أن تكون مهمة هذه الآلية إعداد الخطوات السياسية والتشريعية والإدارية والإقتصادية اللازمة لتحقيق العوامل التي تساعد على تحقيق هذا النموذج في ريفي حلب الشمالي والشرقي وصولاً إلى مدينة حلب نفسها، ومن أهم هذه العوامل:

  1. إقامة سلسلة مشاريع سكنية استيطانية في ريف حلب، لإعادة توطين أكبر عدد ممكن من اللاجئين السوريين في تركيا.
  2. إقامة سلسلة من المشاريع الاقتصادية والزراعية والتجارية في هذه المناطق بتمويل قطري بالدرجة الأولى، وذلك بهدف خلق فرص عمل للاجئين السوريين بغية تحفيزهم على العودة.
  3. ربط هذه المناطق بنيوياً بالداخل التركي، تحديداً بعنتاب، وجعل الأخيرة مرجعية إدارية وسياسية للمناطق السورية التي تحتلها تركيا، ولهذه الغاية تقول مصادر أن السلطات التركية أصدرت توجيهات بالسماح لرجال الأعمال والمال الأتراك في عنتاب بفتح فروع لمشاريعهم ومصانعهم في هذه المناطق، وأن تركيا بصدد تعيين حاكم ( والي ) تركي لكل هذه المناطق.

بالتوازي مع هذه الخطوات يجري الحديث عن إعداد تشريعيات جديدة في البرلمان بخصوص الوضع القانوني للاجئين السوريين في تركيا، ولعل الهدف الأساسي من هذه التشريعات هو ترحيل هؤلاء اللاجئين بأعداد كبيرة بدل الأعداد الحالية التي تقدر بالعشرات يومياً.

ماذا يعني ما سبق؟ في الواقع، جملة أمور، لعل أهمها:

أولاً: تحقيق تركيا مكسب استراتيجي دائم في حلب، من خلال وضعها تحت سيطرتها، وقد صرح بذلك علانية العديد من المسوؤلين الأتراك، من بينهم ياسين أقطاي مستشار حزب العدالة والتنمية، ومسؤول التواصل مع جماعات الإخوان المسلمين، عندما طالب بوضع حلب تحت السيطرة التركية، فيما ذهب أخرون إلى المطالبة بوضعها تحت إدارة دولية، ولعل مثل هذه المطالب تذكرنا بما جرى لشمال قبرص عندما غزتها تركيا عام 1974 بحجة دعم الأتراك القبارصة، ومن ثم أقامت لهم جمهورية هناك، وبقيت هناك إلى الآن رغم مرور نحو نصف قرن على ذلك.

ثانياً: إن تركيا تريد من وراء هذه الخطة إقامة حزام بشري موالٍ لها سياسياً، ومرتبط بها اقتصادياً وإدارياً وأمنياً، بما يعنيه ذلك من توسيع للحزام التركي في الشمال السوري وتعزيز التغيير الديمغرافي السابق، إذ إن وضع حلب على خريطة الطريق التركية، يعني أن محافظتي إدلب وحلب ومناطق من ريفي الحسكة والرقة باتت كتلة واحدة، ترى تركيا فيها جزءاً من خريطتها الجغرافية، في تجسيد للميثاق الملي.

ثالثاً: توقيت طرح نموذج حلب جاء في ظل ثلاث إشارات مهمة، الأولى تعثر مفاوضات التطبيع بين النظامين التركي والسوري. والثانية جملة المشكلات التي تخيم بظلالها على العلاقات التركية – الروسية منذ فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومن ثم توجهه نحو التماهي مع سياسة حلف الأطلسي في أوكرانيا.

رابعاً: حسم ملف اللاجئين السوريين لصالح حزبه في الانتخابات البلدية المقررة في آذار/ مارس المقبل، حيث حلمه بإستعادة بلديتي إسطنبول وأنقرة من حزب الشعب الجمهوري.

في الواقع، من الواضح أن تركيا تنظر بعين الأهمية إلى نموذج حلب، وأنها أعدت له خططها بعناية فائقة، إذ إنها تتطلع من وراء ذلك إلى تحقيق جملة من المكاسب الاستراتيجية، لكن التحديات والعقبات والمخاطر كثيرة، فمن أين ستموّل تركيا هذا المشروع الضخم في ظل إنهيار قيمة ليرتها أمام الدولار؟ وهل التمويل القطري كافٍ لذلك؟ وهل سيلجأ أردوغان إلى أطراف أخرى بهذا الخصوص؟ والأهم والجوهري، كيف سيكون موقف كل من روسيا وإيران اللاعبين القويين في سوريا من هذه الخطة (النموذج) ؟ الثابت أن هذا النموذج سيوجه ضربة قوية لنفوذ الدولتين إن تحقق، إذ إنه سيقلب موازين القوى واتفاقيات خفض التصعيد التي أقرت في مساري أستانا وسوتشي، فضلاً عن تقوية موقف الفصائل السورية المسلحة المرتبطة بتركيا، وهو ما يعني أن نموذج حلب قد يكون مدخلاً لصدام كبير في الشمال السوري بين هذه القوى أكثر من أن يكون حلاً للأزمة السورية كما روجت وتروج الأوساط التركية.