منبج.. تدني منسوب الفرات يسبب خسائراً لمزارعين ويعرقل مشاريعاً زراعية
فادي الحسين – منبج
زادت مصاريف خلف بعد انحسار مياه الفرات، والتي كان يعتمد عليها لري أرضه بواسطة محرك ديزل، إذ اضطر المزارع لشراء قساطل جديدة لتوصيلها، بالإضافة لإجهاد المحرك الذي بات يحتاج ضعف الكمية من المحروقات، ناهيك عن أعطاله.
يعاني خلف الحميدي (65 عاماً) وهو مزارع من قرية الشجرة في ريف منبج الجنوبي، من انحسار مياه نهر الفرات، وتحولها لجداول، لذا أُجبروا على استجرار المياه من مسافة بعيدة عن أراضيهم.
ويشتكي مزارعون في منبج، شمالي سوريا، من تدهور الواقع الاقتصادي والزراعي، وسط استمرار حبس تركيا لمياه الفرات عن الاراضي السورية، والتي أثّرت بشكل كبير على أوضاعهم الاقتصادية، إذ انعكس منسوب الفرات على التنمية المستدامة على سكان حوضه.
آثار اقتصادية
يقول “الحميدي”، إن يُعيل قرابة الـ 60 شخصاً من عائلته وأحفاده من زراعته، إلا أن الصعوبات كُثرت عليهم بسبب انخفاض منسوب المياه، وقلة مادة المازوت المقدمة لهم، ما تسبب بتلف مزروعاتهم وزيادة الأعباء المعيشية.
وبلهجته يُعبّر “هذا مصدر معيشتنا وانقطع من وين بدنا نعيش”.
ويرى أن على الجهات المعنية بالزراعة مساعدة المزارعين، وزيادة الدعم لهم كـبديل عن المصاريف التي ارتفعت نتيجة انخفاض منسوب الفرات، حيث أثّر على اقتصاد المنطقة بشكل عام، وأوضاع المزارعين المعيشية.
لا سيما أن غالبية سكان شمال وشرق سوريا يعتمدون على الزراعة كمصدر أساسي للدخل.

يشير “الحميدي” إلى أن المحرك الذي كان يستهلك 70 ليتراً من المازوت لاستجرار المياه من النهر، بات اليوم يحتاج لنحو ضعف الكمية بسبب بُعد مجرى النهر.
وانخفض منسوب البحيرات لمستويات تصل لها لأول مرة منذ إنشاء السدود، وهو الأمر الذي أثّر على مياه الشرب والكهرباء وغيرها، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية وبيئة.
أثّر الانقطاع المستمر لمياه الفرات، على الواقع الزراعي والتنمية في المنطقة، فضلاً عن تسببه بتلوث مياه النهر والتي تسبب أمراضاً.
مياه أقل.. خسائر أكبر
يعيش غالبية سكان مدينة منبج ظروف معيشية صعبة، ومعاناة كبيرة مع المياه، التي ارتفعت فيها نسبة التلوث وتتسبب بحالات تسمم لدى السكان وخاصة الأطفال.
كذلك يشتكي محمد الحطاب (54 عاماً) مزارع من قرية الحديدي جنوبي منبج، من الانخفاض الكبير لمنسوب مياه نهر الفرات، الذي أثّر على المياه الجوفية أيضاً.
يقول، إن نقص منسوب المياه زاد العبء على المزارعين من استهلاك كميات كبيرة من مادة المازوت لاستجرار المياه إلى أراضيهم.
فـ العام الماضي زرع الرجل 14 هكتار من المزروعات الصيفية، إلا أنه هذا العام لم يزرع سوى أربع هكتارات بسبب قلّة المياه، حيث باتوا يستخدمون محركات إضافية للوصول إلى المياه، وسط نقص حاد بكميات المازوت المخصص للزراعة.
ويشير المزارع إلى أن غالبية المزارعين على ضفاف النهر، أصبحوا يحفرون قنوات تستجر المياه من مجرى النهر الحالي إلى ضفة مجراه القديم، وتُعرف بـاسم “الراط”، لتقريب مسافة الاستجرار على المحرك وتوفير ثمن قساطل.
و”الراط” مصطلح محلي يُطلق على قنوات الري الفرعية الصغيرة، يُكلف حفرها بواسطة الآليات الثقيلة نحو 50 دولاراً لقاء الساعة الواحدة من عملها.
وتسبب انخفاض منسوب الفرات بقلّة مياه الري، وعزوف مزارعين عن الزراعة، ولجوء بعضهم لعد المخاطرة بزراعة كامل مساحة أرضه.
كذلك فعل عيسى المحمد (60 عاماً) مزارع من قرية العوسجلي في ريف منبج، إذ لم يزرع أرضه كاملةً، بسبب تدني مستوى المياه الجوفية، ما أثار مخاوفه شح الآبار التي يروي منها أرضه، وارتفاع أسعار المحروقات التي ستحتاجها المحركات بجهدها المضاعف.
يقول إن المحركات على الآبار كان تعمل في السابق لمدة 12 ساعة دون تأثير على مستوى المياه ولا المحرك، أما اليوم فـبات العكس، إذ أن الرجل يُشغّلها لـ 4 ساعات فقط.
تسبب انخفاض منسوب المياه بعطش المزروعات وتلفها، وسبّب خسائراً للمزارعين.
قلّة المياه تعرقل المشاريع
تستمر تركيا بقطع مياه نهر الفرات منذ شباط/فبراير عام 2020، ما يهدد حياة ومصير ملايين من السكان في مناطق شمال شرقي سوريا.
وبحسب الاتفاقية الموقعة بين تركيا وسوريا في العام 1987 تكون حصة سوريا من نهر الفرات 500 متر مكعب من المياه في الثانية، أما الآن لاتصل إلى الأراضي السورية سوى 200 متر مكعب من المياه في الثانية أي ما يعادل نصف الكمية.

ومن جانبه، قال عبد السلام خضر، وهو مسؤول قسم الموارد المائية في منبج وريفها، إن واقع المياه الجوفية وانحسار مياه الفرات، “سبّب انعكاس على الزراعات الصيفية والشتوية وتدهور بالواقع الزراعي، وأثّر على الإنتاج الزراعي”.
وأضاف لنورث برس، أن المحركات التي كانت تعمل لمدة 7 ساعات باليوم، أصبحت تعمل لساعتين او ثلاث ولم تعد تغطي المساحة المزروعة، مما تسبب بضعف الإنتاج وتراجع المساحات الزراعية.
ورأى أن واقع المياه؛ لم يعد يساعد على القيام بمشاريع زراعية وضخ المياه من نهر الفرات إلى المناطق الأخرى، لتفعيل مشاريع زراعية كبرى.
وتؤثر كمية مياه الفرات القليلة الواردة إلى سوريا، على المساحات المزروعة والإنتاج، بالإضافة لتعطيلها مشاريع التنمية المستدامة في المنطقة.