ليلى الغريب ـ دمشق
بعد قرار زيادة الرواتب، سأل أحمد علي، في منطقة المزة بائعاً للمواد الغذائية، عن ثمن علبة سمنة نباتي ليخبره بأن سعرها وصل إلى 65 ألف ليرة، وكان الرجل قد اشترى من البائع نفسه بداية الشهر الجاري، العلبة بـ42 ألفاً.
وعندما عاد “علي” في اليوم التالي لشرائها، وجد أن سعرها أصبح 70 ألف ليرة، “لأن الأسعار تتحرك بشكل يومي. وكذلك الحال مع زيت دوار الشمس حيث وصل سعر اللتر منه إلى 35 ألف ليرة”، بحسب الشاب.
ومنذ صدور قرار رفع الدعم وزيادة الأجور قبل خمسة أيام، تشهد الأسواق حالة غليان غير مسبوقة، وترتفع الأسعار كل يوم.
ارتفاع كبير في الأسعار شكل صدمة للسكان، وزاد من أعداد الذين يضافون إلى المتواجدين في القاع وينامون جائعين، وتقدر نسبتهم بما لا يقل عن 90% من الشعب.
حملة تسعير جديدة تحصل كل يوم، ففي اليوم الثاني لصدور قرار رفع الدعم ورفع الأجور أغلقت الكثير من المحلات أبوابها، بعضها ليضع التسعيرة الجديدة، وبعضها الآخر تحاشياً للبيع بأسعار قد ترتفع كل ساعة.
من الميدان
وفي جولة لنورث برس على الأسواق تبين أن الأسعار عند إعداد هذا التقرير “ارتفعت كثيراً”، حيث ارتفع سعر كيلو الشرحات من 56 ألف صباح ذاك اليوم إلى أن وصل اليوم إلى 70 ألف ليرة.
أرقام بالألاف لأقل سلعة يمكن أن يشتريها المواطن السوري من الخضار وحتى أكبر الاحتياجات، وذلك بعد تراجع سعر صرف الليرة إلى أكثر من 130% صبيحة تلك القرارات الليلية.
ويشير المتابعون للشأن المحلي، أن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية يتسبب مباشرة برفع أسعار أكثر من 360 مادة، ولذلك من الطبيعي أن ترتفع الأسعار كثيراً بعد ارتفاع سعر المازوت إلى أكثر من 170%.
تاجر مواد غذائية في دمشق، قال إنه عقب اليوم التالي للقرار “زاد سعر كل سلعة بين 4-5 آلاف ليرة، وأن أسعار السلع في صعود دائم بلا توقف”.
ووصل سعر صحن البيض إلى 50 ألف ليرة، وتجاوز سعر كيلو السكر 15 ألف ليرة، وكيلو الرز 24 ألف ليرة، لكل هذا أصبح الكثير من محلات بيع المفرق يبيعون بالأوقية.
يقول صاحب بقالية في جديدة عرطوز، إنه أصبح يفتح كيلو المعكرونة ويبيعه بكميات لا تتجاوز الطبخة الواحدة، وأن المبيعات تراجعت كثيراً.
مؤسسات الدولة
يطال هذا الارتفاع حتى السلع المعروضة في مؤسسات الدولة، ومن يتفقد أسعار المؤسسات الاستهلاكية يكتشف أن أسعارها تساوى السوق في بعضها وتفوقه في بعضها الآخر.
وهذا لا ينطبق على المواد الاستهلاكية فقط، بل ارتفع سعر فرن غاز ماركة بردى الحكومية من مليون و100 ألف ليرة إلى مليون و650 ألف ليرة عقب قرار الزيادة في صالات الدولة.
كوارث المواصلات
وإذا كان ما سبق ذكره يتعلق بالطعام، فإن المشكلة التي لا تقل أهمية عن ذلك هي في تكاليف المواصلات، والتي أصبحت قصة بحد ذاتها خاصة بالنسبة لطلاب الجامعات والمدارس وذلك بعد تضاعف أسعارها.
إذ يشدد العسكري هادي محمد، على أن كلفة السفرة من دمشق إلى اللاذقية أصبحت 60 ألف ليرة دون حساب أجار المواصلات للوصول إلى البيت.
ومن مكان خدمة رفاقه في درعا إلى اللاذقية تصل التكلفة إلى 86 ألف ليرة، وكذلك الحال بالنسبة للنقل بين المدن حيث تضاعفت الأسعار المترافقة أصلاً بأزمة نقل تجعل كل البدائل الأخرى غير متاحة.
الآتي أعظم
وهذا يحول الحياة في سوريا إلى جحيم يسعى الغالبية للفرار منه، عضو سابق في لجنة حماية المستهلك يقول لنورث برس، إن “القادم من الأيام سيجعل السوريون يتحسرون على ما مضى منها حتى الآن، لأن سياسة الحكومة حتى الآن تعتمد على تدوير أموال الشعب من جيبه اليمين إلى الشمال”.
ويضيف: “هم (الدولة) يقومون برفع أسعار لتغطية الزيادة، ويرفعون سعر الصرف لتخفيف نسب التضخم، بل ويستخدمون عجز الموازنة لزيادة الرواتب بدليل رفع الدعم واعتماد سعر التكلفة، لتكون النتيجة زيادة الأسعار والتضخم إلى درجة جعلت سبل العيش الكريم خارج إمكانات غالبية الشعب”.
وفي قراءته للواقع الاقتصادي الذي وصلت إليه البلاد يقول خبير اقتصادي لنورث برس، إنه تم رفع خط الفقر المدقع منذ 2022 من دولار و90 سنتاً إلى 2.15 سنت حسب تصنيف البنك الدولي، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار الاحتياجات العالمية.
وبين أن الحد الأدنى للأجور في سوريا أصبح نحو 186 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 12.3 دولار شهرياً، على دولار 15 ألف ليرة، مشيراً إلى أن السعر يتحرك يومياً، وقيمة الراتب تنخفض.
بينما يبلغ خط الفقر العالمي للفرد نحو 64.5 دولار شهرياً، أي أن الحد الأدنى لدخل المواطن السوري ينخفض تحت خط الفقر العالمي نحو 80%، ويجب أن يحصل الفرد على راتب لا يقل عن 967 ألف ليرة شهرياً كحد أدنى، لكي لا يكون تحت خط الفقر.
وأضاف أن تحصل الأسرة المكونة من 4 أشخاص على أجر لا يقل عن 3.870 ملايين ليرة كحد أدنى، “ولكن ما حصل أن الزيادة الأخيرة جاءت لتغطي على قرار رفع أسعار المحروقات، وجعلت الناس يشعرون باليأس من المطالبة بزيادة الأجور التي تترافق بقرارات تضاعف قضمها لتغطية تلك الزيادات التي لا تسمن من جوع”.