ليلى الغريب ـ دمشق
يصف الكثير من السوريين الحياة في سوريا بـ”السجن الكبير”، ويسعى أكثر من 80% من شبابها للهجرة وذلك حسب تقديرات بعض المختصين في القضايا المجتمعية.
الكبار قبل الصغار يسعون للحصول على وطن بديل، بعدما أصبح الجوع يعصر أمعاء غالبية السوريين.
الحلم الأوحد لدى أكثرهم هو الفرار مما يصونه بـ”الجحيم”، وإيجاد وطن بديل عما كان يسمى “سوريا” التي لم يعد منها الآن سوى اسمها فقط.
لا يوجد أسوأ
حزم عادل عثمان حقائبه متجهاً إلى الإمارات، ورغم أن سنَّه لم يعد يساعده على إيجاد فرصة عمل بسهولة إلا أن غالبية الناس تشعر أن أسوأ ما ينتظرها في أي بلد لن يكون أسوأ مما هي عليه في بلدها.
ويقول لنورث برس إنه يومياً يتلقى عشرات الاتصالات من أقاربه ومعارفه في سوريا الذين يطلبون منه أن لا ينساهم، وأن يساعدهم في النجاة والخروج من تلك البلاد التي تبدو أزمتها بلا أفق.
مصطلح ” النجاة” هو الذي يستخدمه أغلب السوريين عند الحديث عن خيارات الهجرة.
يقول الموظف آصف عيسى لنورث برس: “ماذا بقي من الوطن إذا كان تأمين الطعام مشكلة والتداوي كارثة؟!، عدم الشعور بالأمان بسبب انتشار الجريمة والسرقة والخطف، والأهم من هذا وذاك هو الخوف على الأبناء من مستقبل مجهول تتربصه الخشية من الوقوع في مستنقع المخدرات بالتزامن مع فشل النظام التعليمي”.
ويضيف: “بالمختصر كل تفصيل في هذا البلد يدفعك للبحث عن وطن بديل رغم كل صعوبات ذلك”.
قرار خاطئ
بينما يُلقي الكثير من السوريين باللائمة على أنفسهم لأنهم لم “يستثمروا” الفرصة عندما كانت الظروف تسمح بالمغادرة، وقرروا البقاء في البلد عندما كانت أمور السفر متاحة في بداية الحرب، حتى ولو عبر “قوارب الموت”، (قوارب مطاطية، خطورتها عالية، تُعرف باسم “البلم”)، حيث أن كلفة السفرة لم تكن تتجاوز نصف مليون ليرة، ولكنهم آثروا البقاء في البلد في محنته، ليكتشفوا لاحقاً أن عمرهم ذهب سدى.
“تحول تأمين الحد الأدنى من الضروريات كالطعام إلى مشكلة”، تقول المسنة علياء حسن لنورث برس، وتضيف أنها لم تعتد أن تشهد بيتها كما هو عليه الآن حتى أيام الجوع التي مرت على السوريين في العهد الفرنسي وأواخر العثماني، حيث أن المطبخ خال من أي طعام في آخر كل يوم، وأنهم بالكاد يتمكنون من الحصول على وجبة غداء، أما الإفطار فأصبح عبارة عن “سندويتشات” خبز صغيرة بأي شيء متوفر من أنواع الطعام.
ويتساءل أحمد علي: “هل هنالك أسوأ من الخوف من الجوع لكي يفكر المرء بوطن بديل؟”، ويشير إلى أن غالبية الشبان الذين يصلون سن الخدمة الإلزامية مثلاً، يغادرون البلد دون هدى، هرباً من خدمة العلم أولاً ومن صعوبة تأمين تكاليف الحياة في بلدهم ثانياً.
ويشدد على أنه من خلال متابعته لأحوال الذين يغادرون، يتبين أن معظمهم يعاني ظروفاً سيئة في الخارج فمنهم من يقصد مصر، ويدخلها بطرق غير نظامية الأمر الذي يجعلهم يمضون النهار على سندويشة فلافل فقط، لتستمر الحياة معهم بأقل التكاليف.
لا تقتصر الرغبة في الهجرة على من يخشون الجوع، وعموماً فإن فرص هذه الشريحة في الهرب قليلة وصعبة، ولكن حتى ميسوري الحال يسعون لوطن بديل، إذ إن الحاجة للتداوي تجعلهم يغادرون لأن الوضع الصحي أصبح مزرٍ للغاية، والأطباء الجيدون غادروا البلد.
حتى الرغيف
ضاقت الخيارات كثيراً أمام السوريين حتى في الخارج، وذلك بسبب الأعداد الكبيرة منهم في كل مكان.
ويقول محمد فاضل، الذي قضى أشهراً في الإمارات دون العثور على فرصة عمل، إن عليه أن يغادرها، وخياراته تكاد تكون محصورة في العودة إلى سوريا، مع أنه يتوقع كل النتائج من تلك العودة إلا أنه مضطر لذلك.
ويضيف لنورث برس، إن ما يجري في سوريا يوحي وكأن المطلوب من الجميع أن يغادروا دون أن ينظروا خلفهم، ليتركوا البلاد لهم، و”لا شيء آمنا في تلك البلاد حتى رغيف الخبز”.
“حتى الهجرة صارت مجالاً للاستثمار”، يقول أحد الساعين للحصول على جواز سفر، ويوضح أن الحكومة السورية، وجدت في الطلب الكبير على الجوازات بهدف الهجرة “استثماراً جيداً”، فوضعت الشروط والمبالغ الطائلة وفترات الانتظار الطويلة.
ورافق ذلك عمليات ابتزاز تصل إلى ملايين الليرات، لتأمين الجواز الذي يتندر بعض السوريين بوصفه أنه “الأغلى” في العالم، وتوظيف ذلك الوصف ليس دلالة على التقدير والحب، بل على الثمن الكبير الذي يدفع للحصول على ذلك الجواز الذي يحتل مواقع متأخر في قوائم أقوى الجوازات في العالم، فحامله لا يستطيع دخول معظم البلدان دون تأشيرة.
ويضيف لنورث برس أن الهجرة والجوازات كانت تتوقف عن منح الجوازات بين فترة وأخرى، وتقدم مبررات مثل وجود مشاكل تقنية، أو عدم توافر أوراق خاصة بالجواز، أو مشاكل في الطباعة وغيرها.
ولكن أحد العاملين في ذلك القطاع شدد لنورث برس، أن “السبب الحقيقي هو في وجود الأعداد الكبيرة من الناس الراغبين بالهجرة، واقترح تسمية جديدة للجواز السوري وهي جواز الهرب وليس السفر”.
من الأسوأ
ويأتي الجواز السوري وفق مؤشر “هينلي” الخاص بتصنيف جوازات السفر للربع الأول من العام الجاري، في المرتبة الثالثة كأسوأ جواز عالمياً بعد أفغانستان والعراق.
ويأتي هذا التصنيف من حيث حرية التنقل، حيث يحق لحامل الجواز السوري الدخول إلى 30 بلداً من أصل 226 وجهة.