غرفة الأخبار- نورث برس
دأبت تركيا منذ أن شرّعت لنفسها التدخل في سوريا، على ممارسة كافة الانتهاكات ضد المناطق التي سيطرت عليها إلى جانب فصائل المعارضة الموالية لها والمتمركزة في الشمال والشمال الشرقي للبلاد، وسط تواصل تهديداتها بمزيد من الحرب.
ويعد التتريك أحد سياسات أنقرة الممنهجة في المناطق التي تسيطر عليها حتى اليوم، حيث تحمل العديد من والمدن والمراكز والحدائق أسماء لولاة وضباط وجنود أتراك، كما فرضت تعلم اللغة التركية لتكون مادة أساسية في المدارس والجامعات، ناهيك أنها سعت عبر رجال دين لها، لنشر ثقافة مذهبية، لتمرير سياسة التتريك تلك.
ويأتي كل ذلك تمهيداً لخطط توسعية مشابهة لسيناريو لواء إسكندرون الذي سلخته تركيا عن الأراضي السورية عام 1936.
وأثارت انتهاكات جديدة، ردود فعل في الشارع بمناطق سيطرة تركيا وفصائل المعارضة، فقبل أيام أثار افتتاح المجلس المحلي الموالي لأنقرة في أعزاز بريف حلب، حديقة باسم نائب والي كلس الأول “عمر يلماز”، غضباً وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وسبق ذلك تغيير اسم مدرسة “آمنة بنت وهب” بمدينة الباب شرقي حلب، إلى اسم ضابط تركي قتل في سوريا، ليقوم مجهولون بإزالة الاسم وإعادة التسمية القديمة للمدرسة.
” حلم النخبة التركية”
يقول رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الانسان في تصريح خاص لنورث برس، إن “سياسة التتريك التي تقوم بها تركيا في سوريا هي دليل على مطامعها بالبقاء أو اقتطاع جزء من الأراضي السورية كما فعلت بلواء اسكندرون”.
ويضف الحقوقي: “التتريك هو حلم النخبة التركية منذ عقود، وعفرين وما حولها هي حلم للأتراك، احتلتها لتغيير ديمغرافيتها بمساعدة الفصائل السورية الموالية لها”.
وأعرب عن أسفه حيال مساعدة سوريين لتركيا في سياستها بترسيخ التتريك، قائلاً: “حين تشيد المحاكم التركية ويعين القضاة أتراك وتستبدل أسماء الشوارع من مقاومين سوريين وكرد إلى أسماء أتراك يكون الأمر مخيفاً وعميقاً وتجب مقاومته”.
وأضاف: “سياسة التتريك خبيثة تسعى لتحويل تلك المنطقة في الشمال السوري إلى مقاطعة تركية، في مشهد نهب يشاهده العالم ويصمت إزاءه وكأنه أمر عادي وجب تمريره دون تحرك”.
“تجريد من ثقافتها”
يقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان: “نحن نشاهد كيف تم تجريد عفرين من ثقافاتها الأصلية إلى التركية بطريقة قسرية، وفرض اللغة التركية، واستجلاب مستوطنين ودفع السكان الأصليين إلى الهجرة وبيع منازلهم وأراضيهم بأباخس الأثمان، خوفاً من التنكيل والقتل بطرق بشعة”.
الممارسات القسرية ضد المكونات بالشمال السوري، تفسر ما تقوم به تركيا، من إجرام وسياسة تغيير لملامح تلك المنطقة بإفقادها طابعها المميز وطمس هويتها.
ويقول عبدالرحمن: “السوريون في تلك المناطق، وفق ما نرصد بشكل يومي، يرفضون ما تقوم به تركيا ويتمسكون بطابع مدنهم المميز وبتقاليدهم وهويتهم، لا أحد يمكن أن يتقبل أن تمس هويته ولغته وطائفته بهذا الشكل الهمجي”.
“ردود فعل إيجابية”
وصف الكاتب والمحلل السياسي السوري، غسان يوسف، ردود فعل الشارع في مناطق الشمال السوري حيال ممارسات تركيا في مواصلة تتريك المنطقة بـ “الإيجابية”، قائلاً: “لا يمكن لأي عربي أو كردي أن يقبل بالاحتلال التركي أو عملية التتريك الموجودة سواء بأسماء المدارس، والجامعات، والحدائق، والمشافي”.
ونهاية تموز/ يوليو الماضي، تعرض الناشط المدني خليل أبو شيخو في مدينة الباب، للاعتقال من قبل فصيل الشرطة المدنية التابع للحكومة المؤقتة، لأنه أزال اسم مدرسة بعد تسميته باسم أحد الجنود الأتراك الذين قُتلوا في سوريا شرقي حلب.
ويضيف يوسف لنورث برس: “كل من قتل من الجنود الأتراك في سوريا، بالنسبة لنا عدو ويجب محاسبة من أرسله”، مشيراً إلى أن محاسبة تركيا على تلك الممارسات “تقع على المجتمع الدولي”.
ويشير يوسف، إلى أن ما تقوم به تركيا “يندرج ضمن أمرين، الأول: تحقيق الميثاق الملي، أما الثاني: تحقيق تغيير ديمغرافي في المناطق الكردية والعربية”.
والميثاق الملي تم صياغته عام 1920م بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، من قبل مجلس المبعوثان إذ تضمنت إحدى بنوده، أن كل الأقاليم التي تتكلم باللغة التركية، هي تابعة لها ومن ضمنها الأقاليم العربية غير المحتلة، شمالي سوريا وعاصمتها حلب وشمال العراق وعاصمتها الموصل بالإضافة للإقليم الكردي بشقيه السوري والعراقي، لكن تم إلغاء هذا الميثاق في عهد أتاتورك باتفاقية لوزان عام 1923م.