الأزمة متجمدة.. من يعرقل مسار الحل السياسي في سوريا؟

ليلى الغريب ـ دمشق

مجدداً دخلت الأزمة السورية حالة الجمود بعد تحركات وتصريحات متفائلة سواء على محور العلاقات بين دمشق وأنقرة، أو علاقاتها مع العواصم العربية التي أعادت سوريا إلى “الجامعة العربية”، في بادرة أولى نحو مسار حل “الخطوة بخطوة”.

مؤشرات عدة تؤكد أن تلك التطورات لم تسفر عن أي نتائج، بل إنها عادت إلى نقطة الصفر، وهو ما بدا واضحاً في حديث الرئيس السوري الأخير، سواء فيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا، أو مع المحيط العربي.

أنقرة عادت للحديث عن “ضرورة بقاء قواتها في سوريا”، بينما الرياض وهي عرّابة استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، لم تقم بخطوة باتجاه إعادة فتح سفارتها المغلقة في دمشق، عكس ما كانت تشير إليه التطورات المتسارعة في العلاقات بين البلدين.

تركيا.. لا انسحاب

زخم التصريحات واللقاءات بين مسؤولين سوريين وأتراك، والذي وصل حد ترقب موعد لقاء بين الرئيسين التركي والسوري، لم يكن أكثر من ورقة في الانتخابات التركية الأخيرة، خاصة مع عودة الخطاب التركي إلى تأكيد المواقف السابقة لأنقرة، فهل تراجعت عن سياسة تقاربها مع دمشق؟ وبالتالي عرقلت حلاً سياسياً للأزمة في سوريا؟

ليس هناك اليوم ما يجبر تركيا على الدخول في أي مفاوضات حول وضع قواتها في شمالي سوريا، حسبما يقول سياسي سوري، ودبلوماسي سابق، لنورث برس، ويضيف أن عرقلة الحلول فعل يمارسه جميع الأطراف، لأن كل القوى لن تمضي في أي حل لا يحقق مصالحها”.

ويشير إلى أن أردوغان وحزبه، وكذلك معارضيه، استغلوا الأزمة السورية والعلاقة مع دمشق لزيادة رصيدهم في الانتخابات، وهذا ما يفسر تسارع الحديث عن تطبيع بين دمشق وأنقرة خلال الحملات الانتخابية، إلا أن أي خطوة جدية لم يتخذها أي طرف.

وحتى اللقاءات التي جمعت مسؤولي البلدين برعاية موسكو لم تحقق أي تقدم معلن على الأقل، وهذا شيء مفهوم، لأن تركيا لم تدفع بقواتها وتسيطر على مناطق واسعة من سوريا، فقط كي يقرر رئيسها سحب تلك القوات تمهيداً للجلوس مع الرئيس السوري.

استثمار الأزمة السورية بلغ ذروته في التحضير للانتخابات، وخاصة لجهة ما يكرره حزب العدالة والتنمية عن “محاربة الإرهاب” في سوريا، وكذلك قضية اللاجئين السوريين في تركيا الذين تجاوز عددهم أكثر من 3 ملايين و700 ألف.

غابت الأزمة السورية واللقاء بين الأسد وأردوغان بشكل شبه كامل عن حديث المسؤولين الأتراك بعد الانتخابات، وعادت اللهجة التركية حيال سوريا أكثر تزمتاً، فأردوغان الذي أعلن أنه ما زال منفتحاً على اللقاء بالأسد، لم يكتف بإعادة التأكيد على أن قواته لن تنسحب من سوريا، بل هو طالب الأسد بأن يتخذ “موقفاً عادلاً” بشأن المطالبة بخروج القوات التركية، وتساءل: “هل تطالب سوريا خروج قوات الدول الأخرى؟ بالطبع لا”.

ويضيف السياسي السوري أن الموقف التركي اليوم يبدو “أكثر تصلباً”، خاصة أن موسكو التي يمكن أن تضغط على أنقرة، ليست في وضع مريح بعد أكثر من عام ونصف على حربها في أوكرانيا.

ويبدو أن الزيارة التي قد يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا، ستبحث قضايا كمسألة صفقة نقل القمح عبر البحر الأسود، وهي التي تُعد اليوم أكثر أهمية بالنسبة للبلدين من الأزمة السورية التي يبدو وضع المصالح التركية فيها مستقراً ولا يواجه أي خطر يستدعي جلوساً إلى طاولة مفاوضات، بحسب السياسي.

إعادة الملف السوري إلى الأدراج الخلفية في سلم الأولويات، حتى بالنسبة لروسيا، أمر تدركه سوريا جيداً، وهو ما يتضح من تصريحات الأسد خلال الحوار الأخير، الذي أعاد أيضاً المواقف السابقة من أردوغان حين تساءل لماذا يلتقي به، “هل لنشرب المرطبات مثلاً؟”، كما جدد التأكيد على أنه لن يقبل اللقاء به تحت شروطه، وأن هدف أردوغان من لقائه به هو “شرعنة الاحتلال التركي في سوريا”.

المبادرة العربية مهددة

مسار الحل الذي بدا أنه انطلق فعلياً مع المبادرة العربية، لم يفض أيضاً حتى الآن إلى أي نتائج، وهو ما طرح عدداً من التكهنات حول طبيعة العلاقات بين الدول الراعية لتلك المبادرة وسوريا التي كان على قيادتها أن تبادر بخطوة مقابل ما حققته من “نصر سياسي” عبر استعادة مقعدها في الجامعة العربية، وحضور الأسد القمة العربية.

ثلاثة أشهر لم يتحقق فيها أي شيء، كما يقول السياسي السوري، إلا ما يمكن أن نسميه بـ”التطور السلبي” للعلاقات العربية مع دمشق.

إذ إن عدم إحراز أي تقدم بشأن افتتاح السفارات في العاصمة السورية يُعد مؤشراً قوياً على أن الفتور في العلاقات، بدأ يتخذ طابعاً يهدد المبادرة، فالمعلن من المبادرة ينص بوضوح على حل يعتمد مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، وكانت الدول العربية تنتظر من دمشق خطوة عملية باتجاه بعض الملفات ومنها عودة اللاجئين وإيصال المساعدات، وكذلك مكافحة المخدرات، وهو على ما يبدو الملف الأبرز إذ تشكلت لجنة لمتابعة تطوراته، كما شهد الأردن اجتماعاً شاركت فيه قيادات عسكرية وأمنية من البلدين، لبحث إجراءات التصدي لتلك التجارة.

وإضافة إلى الفتور الواضح في العلاقات العربية مع سوريا، يمكن الاستدلال على أن المبادرة تشهد تهديداً جدياً، من خلال حديث الأسد عندما أعاد انتقاد الجامعة العربية بعد أن قدم الإعلام السوري استعادة عضوية بلاده، في تلك الجامعة والخطاب الذي ألقاه في القمة على أنه نصر لسوريا.

ويشير السياسي السوري، إلى أن الأسد تحدث عن صعوبة عودة اللاجئين بسبب عدم وجود بنية تحتية في سوريا، مقابل إلقاء اللوم على الغرب، إضافة إلى دول إقليمية لم يسمّها، في التورط باتساع ظاهرة تجارة المخدرات في سوريا، وهو ما يمكن أن يُفهم منه أن الأسد يشترط دعماً عربياً في عملية إعادة إعمار بلاده، قبل أن يقدم على الخطوة التي ينتظرها العرب.

تحرير: تيسير محمد