الرقة – رامان علي/مصطفى الخليل – NPA
تشتهر مدينة الرقة بنظام عمرانها المميز عن باقي المدن السورية، كونها إحدى أكبر المدن على حوض الفرات بعد دير الزور، بالإضافة لكونها منذ القدم عقدة مواصلات بين المناطق الداخلية والشمال السوري ومنه لتركيا وأوروبا.
وكانت الرقة تُعرف بكثرة الدوارات والمساحات الخضراء، والتي باتت الآن شبه مدمرة بعد المعارك الأخيرة التي شهدتها المدينة بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي ومسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ومن أشهر معالم الرقة، عدا عن أنه أحد أكبر الدوّارات في مركز المدينة، هو دوار النعيم الذي يقع وسط المدينة ضمن عقدة تربط الأحياء القديمة بالمساكن الحديثة في القسم الغربي من المدينة.
وطغت تسمية “النعيم” على كامل المنطقة المحيطة بالدوار، حيث كانت منتزهاً صغيراً لأهالي المدينة قبل بدء الأزمة السورية آذار/مارس 2011، وكان يحوي الدوار حينها نوافيراً للمياه تنساب في بحيرة صغيرة تأخذ الجزء الأكبر من مساحته.
من “النعيم” إلى “الجحيم”
وتحول دوار “النعيم” بعد سيطرة مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية” على المدينة عام 2013 إلى منطقة مخيفة لأغلب الأهالي، فسُمي بدوار “الجحيم” بسبب ممارسات التنظيم الذي كان يعمد إلى تعليق الرؤوس المفصولة عن الأجساد، على محيطه.
فأشهر عمليات الإعدام الميدانية التي نفذها عناصر التنظيم على الدوار، تعليقهم لرؤوس جنود من “الفرقة السابعة عشرة” التابعة لقوات الحكومة السورية بعد أسرهم في أحد المعارك بمحافظة الرقة عام 2014.
الخوف الشديد الذي كان يواجه الأهالي رافقه سخط شعبي كبير في الرقة، ولكن قدرة التنظيم على ضبط المنطقة أمنياً وعدم التسامح مع كل من يواجهه وينتقده أولا يطبق تعليماته التي تُعرف بـ”القاسية جداً” خلق واقعاً شرّع التنظيم، خلاله، كل شيء لنفسه.
فالتنظيم كان يحاول عبر تنفيذ مثل هذه الممارسات لتوجيه وبث رسائل الرعب لكل أهالي الرقة كون الدوار أحد أكثر الأماكن ازدحاماً في المدينة.
لم يستمر الحال طويلاً حتى بدأت عملية طرد مسلحي التنظيم من قبل مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية عام 2017، وتلتها المعارك العنيفة التي دمرت البنى التحتية للمدينة بشكل كبير، فيما بدأ مجلس الرقة المدني، المُشكل من قبل الإدارة الذاتية بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية العمل على ترحيل الأنقاض وإعادة إعمار المدينة.
تأهيل الدوار
كان إعادة تأهيل دوار “النعيم” أحد خطط إعادة الإعمار الرئيسية في المدينة، حيثُ قام فريق التدخل المبكر (أحد منظمات المجتمع المدني) بترميمه، وانتهت عملية إعادة تأهيله في شباط/فبراير الماضي بعدما جُهز من قبل بلدية الشعب، التابعة لمجلس المدينة، عبر إنهاء عملية إنارة محيط الدوار والتي كانت آخر خطوة في إعادة التأهيل التي استمرت لمدة أربعة أشهر بكلفة /140/ ألف دولار حسب مشرفي المشروع.
المهندس إسماعيل العلكة، مدير المشروع قال إن فكرة إعادة التأهيل كانت “فكرة معنوية لرمزية الرقة وربطها بإرثها حينما كانت عاصمة للدولة العباسية” ويضيف بأنهم استغرقوا أكثر من /100/ يوم للانتهاء من العمل.
هذا ويضم الدوار بحلته الجديدة ثلاث بحرات جانبية وأخرى مركزية، وبعض المساحات الخضراء ورصيفاً للمشاة، وأشار العلكة إلى أن الأنفاق التي حفرها مسلحو التنظيم تحت الدوار شكلت أحد العوائق الكبيرة التي واجهوها في إعادة التأهيل.
ومن جانبه، قال عواد حسان، أحد أبناء الرقة، إن دوار النعيم هو رمز حضاري بالنسبة للأهالي، مشيراً لوضع الدوار أثناء سيطرة التنظيم قائلاً “في تلك الفترة كان المرور من الدوار مرعبا بسبب الرؤوس المعلقة”.
أما زهير الحسن وهو من أهالي الرقة أيضاً، تحدث قائلاً ” بعد تشكيل الإدارة الذاتية أصبح بالإمكان المجيء إلى الدوار دون أي خوف من منظر الرؤوس المقطعة التي كانت تُعلق عليه أيام التنظيم”.
فيما يقول أحمد المحمد وهو من أهالي الرقة إن “منظر الدوار اليوم يجعلك تشعر بحالة نفسية مريحة”.