السلام المفقود بين سوريا وتركيا

يبدو أن أردوغان والأسد والغرب جميعًا يقبلون صراعًا منخفض المستوى في المنطقة الرمادية في سوريا. فالرئيس السوري بشار الأسد ليس في عجلة من أمره ليدفن الأحقاد مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان.

في مقابلة مع سكاي نيوز الأسبوع الماضي، رفض الأسد عقد اجتماع مع أردوغان، قائلاً، إن ذلك من شأنه أن يضفي الشرعية للاحتلال التركي لشمالي سوريا.

تحافظ تركيا على قوات تقدر بين 5,000 – 10,000 في شمالي سوريا وتدير من خلال قواتها السورية السياسية والمسلحة بالوكالة، مساحة 3,400 ميل مربع من الأراضي السورية.

يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منذ سنوات حث سوريا وتركيا على التصالح. في أيار/مايو، اجتمع رؤساء الخارجية روسيا وتركيا وإيران وسوريا في العاصمة الروسية موسكو واتفقوا على المضي قدماً في خريطة طريق للتقارب، لكن يبدو أن هذه العملية قد توقفت.

كما يفيد داني مكي من دمشق في مقال، “لا تتوقع أن يسير التقارب بين سوريا وتركيا بالتوازي مع تطبيع سوريا مع الدول العربية”.

في حين أن المصالحة مع تركيا ستكون الأكثر أهمية في “التطبيع” مع سوريا، فقد يكون لدى الأسد أسبابه للحفاظ على حالة غير مستقرة من السلام والحرب – وهو ركود على غرار المنطقة الرمادية في شمالي سوريا – على الأقل في الوقت الحالي.

على الرغم من أن أردوغان قال إنه مستعد من حيث المبدأ للقاء، إلا أن الأسد هو الذي يتمنع عن ذلك.

وقال لسكاي نيوز، إن “الإرهاب في سوريا تم صناعته في تركيا.” هو يلوم أردوغان بالإضافة لأطراف أخرى لدعمه مجموعات سلفية ومسلحة خلال الانتفاضة السورية. يبدو أن الأسد لم يتأثر بالتقارب مع الجامعة العربية، مصرحاً أن العلاقات التي تم إعادتها مع بعض الدول العربية ستبقى على الأرجح “رسمية”, وأنه يعتبر نزعة التطبيع فرصة أقل من شريان حياة بل أكثر كإثبات لمرونته وبقائه في السلطة.

من ضمن أولويات أردوغان في المفاوضات مع سوريا، هي عودة 3,6 مليون لاجئ سوري نظراً للضغط الذي فرضوه على الاقتصاد التركي.

بينما يدّعي الأسد أنه يسعى لعودة جميع اللاجئين السوريين البالغ عددهم 5,8 مليون الذين يعيشون في البلدان المجاورة، قد يكون تفضيله هو تقليل الأعداد على مدى فترة زمنية أطول. إن المؤسسات الحكومية السورية في حالة من الفوضى. ويعاني الاقتصاد من العقوبات الأمريكية والدولية، وخسائر الحرب الأهلية وآثار الزلزال في وقت سابق من هذا العام والحرب الروسية الأوكرانية. ومن المتوقع أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بنسبة 3,5٪ بعد انكماش مماثل العام الماضي.
قد يشك الأسد في الكثير من اللاجئين العائدين، خاصة أولئك الذين ربما كانوا جزءاً في الانتفاضة أو المعارضة أو أحد أفراد عائلتهم.
بالرغم من ذلك، يعود بعض السوريين إلى بلدهم. وأفادت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، بعودة 51,300 لاجئاً سوريا في عام 2022 وهي أكثر من العام الذي سبقه حيث عاد 38,000 لاجئ في عام 2021.
وجدت دراسة استقصائية أجرتها المفوضية العام الماضي، أنه في حين يأمل 58٪ من اللاجئين السوريين في العودة، فإن 1,7٪ فقط يعتزمون القيام بذلك في العام الذي يليه بسبب مخاوف بشأن السلامة والأمن ونقص الوظائف والإسكان والخدمات الأساسية.


سوريا وتركيا والكرد في منطقة رمادية


بالنسبة لأروغان، فإن احتلال الشمال السوري هو محور أساسي من هدفه المطلق ألا وهو “القضاء الكامل” على الفروع المسلحة لحزب العمال الكردستاني المتواجدة في سوريا والعراق. حسب تقدير تركيا، فإن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الغالبية الكردية والمدعومة من الولايات المتحدة، أيضاً تابعة لحزب العمال الكردستاني.

إن جوهر “الاتفاق” الروسي، بعيد المنال، سيكون التوسط لاتفاق بين الحكومة السورية وقسد حسب شروط مناسبة لأنقرة. لكن موسكو، حتى قبل احتلالها لأوكرانيا وخاصة الآن، بالكاد تستطيع تقديم نفسها كضامن موثوق لاتفاق مثل هذا.
لذلك يرى الأسد منفعة قليلة حالياً في أي اتفاق مع أردوغان. وقد لا يبالي بمأزق تركيا وإبقاءه مفتوحاً للنهاية في سوريا، حيث أنه لن يجد منه مخرجاً إلا عن طريق دمشق. بالإضافة إلى أنه لا يمانع هجمات تركيا على المناطق التي تسيطر عليها قسد.

إن الهجمات التركية التي تنفذها قوات محتلة وكذلك العقوبات الأمريكية الشديدة والهجمات الإسرائيلية المعتادة على المجموعات الإيرانية المسلحة وقواعدها في سوريا، تعزز إحساس النظام السوري بالحصار. لذلك بإمكان الأسد انتظار عرض أفضل أو تغير الظروف.
يبدو أنه لا يوجد خيار عسكري لأي من الجانبين. إن الجيش السوري ليس في وضع يسمح له بمواجهة تركيا مباشرة. ولن تستطع تركيا شن أي عملية عسكرية كبيرة في مناطق مثل إدلب «التي يسيطر عليها المتمردون» في شمال غربي سوريا، مما قد يؤدي إلى تدفق موجة أخرى من اللاجئين إلى تركيا.
هناك ثمن للوضع الراهن. بالإضافة إلى الخسائر الإنسانية الكبيرة، لا تزال سوريا الهشة والمنقسمة عرضة للجماعات الإرهابية. تعرضت الأراضي السورية لثلاث هجمات مميتة هذا الشهر من قبل إرهابيي الدولة الإسلامية، بما في ذلك الهجوم الذي أسفر عن مقتل 26 جنديًا سوريًا على الأقل وإصابة 11 آخرين في محافظة دير الزور، كما أفاد آدم لوسينتي.

لا مخرج من إدلب


هذا الأسبوع أيضًا، وقعت سوريا على قبول المساعدات الإنسانية التي ستديرها الأمم المتحدة وتُسلم في المناطق التي تقع خارج سيطرتها، عبر المعابر في تركيا. سوريا كانت قد عارضت سابقًا دخول المساعدات من تركيا، مدعية أنها انتهاك لسيادتها الوطنية. يتوقع أن هذا الاتفاق سيزيد من تأثير دمشق في توجيه المساعدات المستقبلية، حسبما ذكرت أمبرين زمان في تقريرها.
قرار السماح بالمساعدات الإنسانية من قبل الأمم المتحدة يتوافق مع استراتيجية الرئيس الأسد المدروسة للعودة التدريجية إلى الوضع الطبيعي، والتوتر المتواجد في المنطقة الرمادية مع تركيا.
حكومة سوريا، التي تحظى بالاعتراف الدولي من قبل الأمم المتحدة، تعود من جديد إلى مفاوضات دخول المساعدات إلى البلاد، ومن المرجح أنها ستواصل التأكيد على تقديم المساعدة من خلال المناطق التي تديرها الحكومة.

“السيادة والزمن هما في صالح الرئيس الأسد”، قال جوشوا لاندس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما. “بموجب القانون الدولي، فإنه يكتسب ميزة على منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ووكالات المساعدات، الذين سيضطرون بشكل متزايد للتعاون مع الحكومة السورية”.

إدلب، على سبيل المثال، تسلط الضوء على مشكلة المنطقة الرمادية لدمشق وأنقرة وحتى الغرب. يُقدر عدد السكان في المحافظة بحوالي 4.5 مليون نسمة، وتعيش في ظروف مزرية نتيجة لتدفق موجات النازحين إليها. ويسيطر تنظيم هيئة تحرير الشام بشكل رئيسي على إدلب، والذي تم تصنيفه كمجموعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
لا تشكل الفصائل المتمردة في إدلب تهديدًا كبيرًا للحكومة السورية في الوقت الحالي، وكل من أنقرة ودمشق لا تسعيان لإجبار بعضهما البعض على المواجهة. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تسعى بجدية للإطاحة بالرئيس الأسد، وحتى لو كانت كذلك، فمن المرجح أنها لن تدعم تنظيم هيئة تحرير الشام بناءً على جذوره المتعلقة بتنظيم القاعدة.
إدلب وسكانها لا يزالون محاصرين في منطقة غير محددة المصير ومحاصرين في صراع مجهول الملامح بين أنقرة ودمشق، ومعرضين لصراع ومأساة أكبر للشعب السوري، دون أي نهاية واضحة.

كتبه اندرو باراسيليتي لموقع المونيتوروترجمته نورث برس