واشنطن تحشد وطهران تتوعد

“إعلان حرب” هو التوصيف الإيراني لعملية متوقعة تهدف لإغلاق الحدود العراقية السورية من قبل القوات الأميركية، بعد أن نقلت عدة تقارير غربية عن مصادر متعددة بأن واشنطن قد وصلت لطريق مسدود مع إيران عبر كل ساحات التفاوض، ولئن كان “الكي هو آخر العلاج”، فإن واشنطن مقدمة على تلك الخطوة، بل تشعر أنها تأخرت وماطلت كثيراً بطريقة تعاطيها مع الوجود الإيراني في سوريا، وتحويل سوريا تالياً لقلعة عسكرية ومستودع ضخم للأسلحة والعتاد الإيراني القادر على زعزعة استقرار معظم دول الشرق الأوسط، والإضرار بحلفاء واشنطن، وتهديد الوجود الغربي في شرقي سوريا، إضافة إلى أن إيران وحزب الله وأجهزة أمن الأسد حولت سوريا لعاصمة للكبتاغون والمخدرات التي باتت تهدد أكثر من دول خليجية، وأكثر دول حوض البحر الأبيض المتوسط.

 لا شك أن الكوريدور الإيراني على الحدود العراقية السورية ما بين قاعدة التنف ومدينة البوكمال يشكل نقطة ارتكاز قوية للوجود الإيراني في سوريا، لأنه يعتبر الممر الأكثر استخداماً في تهريب السلاح والعتاد والميليشيا لتأمين خط طهران بيروت عبر بغداد ودمشق، ومنفذاً تعبر من خلاله شحنات المخدرات باتجاه أسواق التصريف.

ولأن واشنطن تُدرك أن المطالب لا تؤخذ بالتمني والحروب لا تحسمها التصريحات؛ فقد بدأت حملة استعدادات غير مسبوقة وتحركات عسكرية برية وبحرية وجوية، شملت تحريك أجزاء كبيرة من قدراتها العسكرية الخارجية، فوصلت حاملات الطائرات إبراهام لينكولن وجورج واشنطن للبحر المتوسط، وحاملة الطائرات الأميركية جورج دبليو بوش تمركزت في البحر الأبيض المتوسط أيضاً، لكنها اقتربت من سواحل مدينة اللاذقية لتناور مقابل قاعدة حميميم التي تحتلها القوات الروسية، إضافة لتحريك عدة قطع بحرية نوعية إلى سواحل المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي منها الغواصة الاستراتيجية (يو إس إس فرجينيا) وغيرها، لتضاف لجهود جوية أخرى نقلتها الولايات المتحدة مؤخراً شملت عدة أسراب من طائرات مقاتلة ومقاتلة قاذفة وقاذفات استراتيجية تم نشرها في قواعد أمريكية في دول شرق أوسطية.

وعندما يُبحر الجنرال مايكل “إريك” كوريلا على متن المدمِّرة “يو إس إس توماس هودنر” أثناء عبورها مضيق هرمز، برفقة نائب الأدميرال براد كوبر، قائد الأسطول الخامس، ويبقى على متن المدمرة ثلاثة أيام، ليعلن عن نشر المدمرة “هودنر” مع مقاتلات إف -35 وإف -16 في الشرق الأوسط “للدفاع عن المصالح الأميركية وحماية حرية الملاحة في المنطقة، فإن رسالة قوية وصلت لطهران خاصة بعد أن صرح الجنرال كوريلا قائلاً: “توفر لي هذه الجولات إلى المنطقة رؤية عميقة للعلاقات مع شركائنا واستعداد القوات الأمريكية وقوات التحالف المنتشرة هناك، ما زلت معجباً بالمستوى العالي من الاستعداد والاحتراف والقدرة لدى القوات الأمريكية العاملة في القيادة المركزية الأميركية، والتزام قواتنا وشركائنا هو مفتاح الأمن الإقليمي”. ورداً على احتجاز إيران لناقلتين بحريتين وصل للبحر الأحمر 3000 جندي من مشاة البحرية الأميركية على متن سفينتين حربيتين (يو إس إس باتان، ويو إس إس كارتر هول)، وتلك التحركات والتحشدات الأميركية الضخمة أثارت مخاوف إيران التي اعتبرتها تثير حالة من عدم الاستقرار في المنطقة.

لكن رد إيران لم يكن فقط عبر تصريحات سياسية بل تحركت ميدانياً مع معلومات عن خطة إعادة انتشار وتمركز جديدة اتخذتها الميليشيات الإيرانية خاصة في شرق سوريا، منها في محيط مدن البوكمال والميادين ودير الزور وامتدت حتى البادية السورية، خوفاً من هجمات جوية أميركية أو إسرائيلية مفاجئة، لكنها باتت متوقعة بأي لحظة، ثم دفع الحرس الثوري الإيراني بالجنرال إسماعيل قاآني لتفقد ميليشياته في المنطقة مع زيارة خاطفة لبيروت للقاء قيادات في حزب الله اللبناني، كما أن إيران التي استشعرت  بزيادة التهديدات على مواقعها في سوريا التي تتعرض دورياً لضربات جوية إسرائيلية متلاحقة، قامت بنقل بعض أجزاء من منظومات دفاع جوي إيرانية (خرداد 15، وباور 373) إلى سوريا بعد أن سحبت روسيا منظومة إس-300 من جيش نظام الأسد، لأنها مقتنعة تماماً أن القدرات الجوية لقاعدة حميميم ومنظومات دفاعها الجوي لم ولن تشارك في أي عملية تصدي لضربات جوية إسرائيلية سابقة أو ضربات أميركية لاحقة، رغم أن المناورات الروسية التي جرت الأسبوع الماضي على أطراف مدينة حماه في وسط سوريا وبمشاركة مع الفرقة 25 التي يقودها العميد سهيل الحسن لكنها تتبع عملياتياً لقاعدة حميميم، كانت رسالة موجهة للتحشدات والمناورات الأميركية الجارية في شرق سوريا قدمتها موسكو كنوع من الدعم لحليفتها إيران، وكان ملاحظاً أن قاعدة حميميم وضعت هدف الإرهاب عنواناً لمناوراتها، لكن عين المراقب العسكري تُدرك أن إرهاب تنظيم “داعش” المفكك والذي بات ضعيفاً ويقاتل بتكتيك الذئاب المنفردة والضربات السريعة والخاطفة تحت مبدأ: اضرب، اقتل، اغتنم، واهرب، لا يحتاج لتدريبات ومناورات على استخدام راجمات صواريخ والقيام بإنزالات جوية واستخدام منظومات صواريخ وتنفيذ اقتحام تحصينات، التي تضمنتها المناورات الروسية.

أيضاً لوحظ بالفترة الأخيرة نقل عدة عربات محملة برشاشات متوسطة ومدفعية ومنها تحمل صواريخ تتبع لحزب الله وقامت بالانتشار على حدود منطقة الـ 55 التي تخضع ميدانياً لجيش سوريا الحرة وتحظى بتغطية جوية من التحالف الدولي الذي رصد أكثر من 30 خرقاً جوياً للطائرات الروسية لسماء تلك المنطقة في الشهرين الأخيرين، وترافقت تلك الخروقات مع تصريحات من نظام الأسد تضمنت إطلاق ما يسمى “المقاومة الشعبية” التي تعتمد على توريط العشائر والمدنيين في شرق سوريا، بعمليات منفردة تأخذ طابع حرب العصابات ضد الوجود الأمريكي، وتلك الخطوة من نظام الأسد تٌعطي صورة واضحة عن مدى عجز بشار الأسد عن القيام بأي عمل عسكري ضد الوجود الأميركي لإدراكه التام أن ما تبقى من فلول جيشه المدمر والمتعب والمنهك ستكون وجبة خفيفة أمام القدرات الأمريكية إذا ما تحرشت أو تعمدت مواجهة التحالف في سوريا.

في المجمل يمكن القول أن الولايات المتحدة الأميركية تبدو اليوم جادة أكثر من أي وقت مضى على تصفية، أو التضييق على الوجود الإيراني في سوريا، وجادة أكثر بإغلاق الحدود العراقية السورية أمام تحركات ميليشيات إيران، وأن البنتاغون الأميركي يُدرك تماماً أن أي عمل عسكري ضد إيران في سوريا لن تبقى آثاره حبيسة الجغرافية السورية، وأن البحر الأحمر والخليج وبحر العرب بما فيها مضيقي باب المندب ومضيق هرمز وحتى العراق، قد تشتعل ساحاته عبر تحريك إيران لأدواتها وأذرعها الإرهابية، والتحشدات والتعزيزات الأميركية تعكس قراءة سياسية وعسكرية بعيدة المدى لكل الاحتمالات وأنها تضع كل تلك الاعتبارات بالحسبان، بما فيها التنسيق مع الجانب التركي ومعلومات عن موافقة أنقرة على نقل عدة فصائل من الجيش الوطني من مناطق ما يسمى “غصن الزيتون” و”درع الفرات” إلى قاعدة التنف، تعويضاً عن احتمالية عدم مشاركة قوات سوريا الديموقراطية بأي معارك خارج مناطق شرق الفرات كما صرح قادتها أكثر من مرة.

فهل تحسم واشنطن قرارها وتتخذ خطوتها التي طال انتظارها؟ خاصة أن إيران عودتنا في كل المراحل السابقة أنها تخوض حروبها عبر “جعجعات” إعلامها وأبواق مرتزقتها لكن عندما تقترب الأمور من الصدام تتراجع خطوات للخلف وليس خطوة واحدة.