الرقة.. انهيار العملة السورية يثقل كاهل موظفين بمؤسسات الإدارة الذاتية
فاطمة خالد – الرقة
احتار حارث بتوزيع راتبه، الذي استلمه عن عمله كـ معلم، فصاحب البقالية يطلبه، وعليه أن يدفع لبائع الخضروات، وثمن الأمبيرات، واشتراك الإنترنت، كما أنه استدان من أحد أصدقائه.
كان يفكر بذلك بينما يطالع بـ “رزمات” النقود ويزنها بيده، وهو في حالة شرود. فكر الرجل أن يبداً بأولوياته، “لكنه لا يكفي حتى لذلك”، قصد منزله، وقد أخذ قرار سداد بعض المال لكل منهم، على أمل زيادة في الشهر القادم.
بدأ حارث الحسن (28 عاماً)، وهو من سكان الرقة، شمالي سوريا، بالعمل في إحدى مدارس مدينته كـ معلم منذ ثلاث سنوات، وجد حينها فرصة جيدة للعمل بشهادته براتب جيد.
لكن مع مرور الوقت، وانهيار العملة السورية أمام العملات الأجنبية، لاسيما التدهور الأخير، بات لا يساوي راتب المعلم وأقرانه من موظفين في مؤسسات الإدارة الذاتية، أكثر من 50 دولاراً.
إذ أن المبلغ الذي يتقاضونه، دون معدلات خط الفقر التي حددتها الأمم المتحدة للشخص الواحد بـ 1.90 دولار أمريكي يومياً.
ويعاني العاملون لدى الإدارة الذاتية من تدني الأجور التي يتقاضونها، في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية المتدهورة بسبب انهيار متواصل لقيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي.
يقول “الحسن” لنورث برس، إن راتبه لم يعد يكفيه سوى لأيام، ويضطر بعد ذلك للاستدانة، أو العمل بأعمال إضافية، علّها تساعده في تأمين بعض المستلزمات.
ويعجز عن تأمين غالبية مستلزمات منزله، في ظل أجر يعتبر “متدنياً”، أمام التضخم الحاصل في الأسواق، بعد فقدان العملة السورية لقيمتها.
فغالبية المواد والخدمات، ارتفعت أسعارها، تماشياً من سعر صرف الدولار الأمريكي، مقابل الليرة السورية، من إنترنت ومواصلات وأمبيرات وخضروات ومواد استهلاكية.
أمام الواقع المعيشي “المتردي”، يطالب “الحسن” الإدارة الذاتية بإيجاد حل “جذري” لمشكلة الرواتب وإصدار قرار بربطها بالدولار الأمريكي، “ليس من المعقول العيش براتب لا يتجاوز 50 دولاراً، بينما المصاريف تتطلب أضعافه شهرياً”، على حد قوله.
ومع كل انهيار في العملة المحلية، يعاني الموظفون ممن يتقاضون أجورهم بالليرة السورية، حيث يعجزون عن مواكبة ارتفاع الأسعار، ففي الانهيار الأخير، تراوحت قيمة الدولار بين 12و13 ألف ليرة، بعد أن كانت لا تتجاوز الـ 8 آلاف ليرة، ما يعني انهياراً بمعدل يقارب الضعف.
في الثاني من الشهر الجاري، عقد المجلس العام اجتماعاً لمناقشة الأوضاع المعيشية والاقتصادية للسكان، وكان دراسة رفع الأجور أحد مخرجاته.
وفي مؤسسة أخرى من مؤسسات الإدارة الذاتية في الرقة، يعمل فهد الحامد (27 عاماً)، ويتقاضى كسابقه أجراً قيمته 520 ألف ليرة.
يضطر “الحامد” للعمل كموظف، بسبب قلة فرص العمل تزامناً مع صعوبة تأمين الاحتياجات المعيشية والأزمات الاقتصادية التي تمر بها المنطقة.
وكسابقه، يقول إن راتبه لا يكفي لستة أيام في الشهر، وهو واقع جميع الموظفين لدى الإدارة الذاتية، بسبب الغلاء والتضخم الناتج عن فقدان الليرة السورية قيمتها بشكل متواصل.
ويضيف، أنه ليس من العدل أن يأخذ الموظف راتبه بالليرة السورية المنهارة أساساً، بينما يشتري أبسط شيء من السوق، بسعر صرف الدولار الأمريكي.
ويرى “الحامد” ضرورة التعامل بالدولار الأمريكي، بدلاً من الليرة السورية، إذ يتحقق في هذه الحالة التوازن بين أجر الموظف والأسعار في الأسواق.
ويختلف وسام العيسى (28عاماً)، وهو موظف أيضاً، عن سابقه، إذ يرى أنه لا يجب التعامل بالدولار في المنطقة بل مراعاة أجر الموظف على أساس سعر صرف الدولار.
ويضطر للتخلي عن الكثير من الأمور وشراء الأولويات فقط، بسبب الغلاء المستمر في الأسواق، وتحكم التجّار أيضاً بذريعة تجاوز الدولار 13 ألف ليرة.
ويضيف أنه يجب زيادة الرواتب بما يتناسب مع الحاجة المعيشية للسكان، إذ أنه في حال بقاء الوضع على هذه الوتيرة سيضطر الكثير من العاملين لدى الإدارة الذاتية لترك وظائفهم والتوجه إلى أعمال أخرى.