سوريون رحلتهم تركيا للشمال السوري يخاطرون للعودة إلى منازلهم في إدلب وحلب
مؤيد الشيخ ـ إدلب
ثلاث محاولات عبور كانت مليئة بالمخاطر، باءت بالفشل، قام بها الشاب الثلاثيني سومر الإبراهيم، لكن في هذه المرة ليس إلى تركيا، التي رحل منها قسراً قبل أيام، بل إلى “الضفة الأخرى من الوطن”، على حد تعبيره.
ومطلع الشهر الماضي، رحلت السلطات التركية “الإبراهيم”، مع مئات السوريين، ضمن حملة الترحيل المستمرة ضد اللاجئين على أراضيها منذ نحو شهر ونصف.
واستقر به المطاف في منطقة تل أبيض شمال الرقة، يقول لنورث برس: “كنا جميعاً في حيرة من أمرنا، ألقت بنا القوات التركية في المنطقة ولا أحد منا من سكانها ولا أحد يدري ما الذي يمكن أن نفعله، وصلنا إلى مركز مدينة تل أبيض وهناك وجدنا المئات أمامنا من الذين رحلوا وأخبرونا أن الحال كما هو أمام أعيننا”.
يبيت المرحلون إلى تلك المناطق في الحدائق والمساجد والطرقات، لا يوجد أي جهة تقدم ولو حتى وجبة طعام أو غطاء، “كان الوضع صعباً للغاية، ثلاثة أيام بقيت على هذا الحال رفقة المئات وربما الآلاف لا ندري ماذا نفعل علمنا أن المنطقة محاصرة ولا خيار للعودة إلى إدلب سوى من طرق التهريب وهنا بدأت المعاناة المليئة بالمخاطر”.
وتسيطر فصائل الجيش الوطني السوري رفقة القوات التركية، على منطقتي سري كانيه/ رأس العين، شمال الحسكة وتل أبيض شمالي الرقة، منذ أواخر العام 2019.
ولا يربط تلك المناطق أي طريق بالمناطق الأخرى التي تسيطر عليها المعارضة في شمال شرقي حلب،
إذ إنها منعزلة تماماً وتحيط بها قوات الحكومة السورية من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى، والحدود السورية التركية من الجهة المقابلة.
وسعت تركيا إلى ترحيل العدد الأكبر من اللاجئين السوريين إلى منطقتي تل أبيض وسري كانيه، قسراً وبالإجبار على الرغم من أن الكثير من هؤلاء من سكان إدلب وأرياف حلب وحماة التي تخضع أيضا لسيطرة المعارضة السورية.
وفتح ذلك الباب أمام المهربين المحسوبين على الفصائل لاستغلال من يريد العبور من الشمال السوري إلى ريفي إدلب وحلب بمبالغ مالية ليست بقليلة.
بدأ “الإبراهيم” مع العديد من الشبان وبعد الاتفاق مع أحد المهربين الذين يتبعون لفرقة السلطان مراد، أولى محاولات العبور إلى منطقة جرابلس شرقي حلب حيث تسيطر فصائل الجيش الوطني، وذلك لقاء مبلغ مادي قدره 550 دولاراً أمريكياً.
وقدم المهرب وعوداً بأن الطريق آمنة ونسبة نجاح الوصول إلى جرابلس خلال أقل من ثلاث ساعات “مؤكدة مئة بالمئة”، لكن ذلك كان مجرد كلاماً.
إذ إنه وقبل وصولهم إلى النقطة التي يطلق عليها اسم “سهم 6” المقابلة لنقطة عسكرية لقوات الحكومة، انفجر أحد الألغام بإحدى السيارات، “ولحسن الحظ لم يصب أحداً بأذى، لكن بعد ذلك فتحت الرشاشات تجاه المجموعة من كل مكان وبصعوبة كبيرة استطعنا العودة إلى مكان الانطلاق”.
ويضيف “الإبراهيم”: “تأكدنا حينها أن الأمر ليس سهلاً ورغم ذلك حاولنا مرتين العبور لكن ذلك باء بالفشل. وها أنا الآن في إحدى الحدائق في تل أبيض تحت أشعة الشمس الحارقة، لا يمكننا أن نشكو أمرنا إلا إلى الله”.
ورغم أن المسافة التي تفصل بين تل أبيض شمال الرقة و جرابلس شمال شرق حلب، لا تزيد عن 150 كيلومتر، اضطر الأربعيني أمجد الحسين إلى قطع مسافة تزيد عن 250 كيلومتر للوصول إلى الباب ومن ثم الوصول إلى قريته في سهل الروج غربي إدلب، بعد أن رحلته السلطات التركية قسراً إلى منطقة تل أبيض في السادس عشر من الشهر الفائت.
يقول الحسين (42 عاماً)، إن الحظ حالفه في رحلته ولم يتعرض للكثير من المخاطر على غير العادة التي يواجهها من يريد العبور إلى ريف حلب، وذلك لأنه قام بدفع مبلغ 800 دولار أمريكي للمهربين التابعين لفصيل الجبهة الشامية التي يوجد لديها تنسيق مع بعض الضباط في قوات الحكومة والذين بدورهم يتكفلون باستلام من يريد العبور إلى ريف حلب وإيصاله على الخط العسكري دون أن يعترضه أحد.
وذهب “الحسين” رفقة سبعة أشخاص من بينهم ثلاث نساء، إلى مدينة منبج ومن ثم إلى مدينة حلب وتم تسليمهم من هناك لمجموعة أخرى قامت بإيصالهم إلى معبر أبو الزندين قرب مدينة الباب شمال شرقي حلب.
يقول لنورث برس: “كنت مضطراً لدفع ذلك المبلغ للوصول إلى إدلب، لأن الأوضاع التي عشتها خلال فترة بقائي في تل أبيض كانت في غاية الصعوبة ولم أواجه مثلها طيلة حياتي، اضطررنا للنوم في الشوارع لأيام كثيرة تحت أشعة الشمس الحارقة، وكنا نبحث هنا وهناك عن أحد يقدم لنا الطعام على الأقل”.
وبعد كل ذلك يرفض الرجل التفكير بالعودة إلى تركيا “حتى لو أصبح ذلك بالمجان وقدموها لي على طبق من ذهب، لن نسامح هؤلاء الذين قاموا باستغلال حاجتنا، لا سيما وأنهم من المفترض أنهم وجدوا للدفاع عنا، لم نكن نريد منهم شيئا لكن على الأقل يجب عليهم أن يجدوا مأوى لتلك النساء اللاتي تفترشن الطرقات”، على حد قول “الحسين”.
من جانبه يقول سيف الشامي، ويعمل منسقاً بين المهربين والزبائن، ويقيم في مدينة تل أبيض، لنورث برس، إن تركيا تعمدت في الآونة الأخيرة ترحيل السوريين إلى منطقة “نبع السلام” التي تسيطر عليها العديد من فصائل الجيش الوطني، وفتح ذلك في الحقيقة باب التهريب مجدداً.
ويضيف: “تهريب الشاب من نبع السلام إلى جرابلس أو الباب كان يكلف قبل أزمة الترحيل ما بين 150 و250 دولاراً، ويزيد نحو 100 دولاراً في حال كان الشخص المهرب امرأة أو رجلاً كبيراً في السن، إلا أن التكلفة اليوم تزيد عن 500 دولار، وتصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 900 دولار وهو مبلغ خيالي في الحقيقة، حيث تستغل تلك الأطراف حاجة السكان وعدم معرفتهم بالأوضاع في المنطقة”.
ويشير “الشامي” إلى أن “الجبهة الشامية والسلطان مراد وفرقة الحمزة وأحرار الشرقية، هم من أكثر الفصائل التي باتت تهتم مؤخراً بعمليات التهريب نظراً للعوائد المالية الكبيرة التي يتم تحصيلها”.