الرقة – نورث برس
يعاني غالبية سكان شمال شرقي سوريا من نقص في المياه والكهرباء وقلة في مياه الشرب وتلوثها، هذه الثلاثية، سببها الانخفاض الحاد والمستمر بمنسوب نهر الفرات، وحبس تركيا لمياهه.
تعتمد سوريا اعتماداً كبيراً على نهر الفرات، وهو النهر الأكبر الذي يمر في أراضيها، وأقامت عليه ثلاثة سدود، أكبرها سد الفرات، يليه تشرين والحرية، وهو سد تنظيمي لمجرى النهر، وكانت تؤمن تلك السدود الكهرباء بشكل أساسي ومياه الشرب والري للمزارعين.
لكن حبس تركيا لمياه النهر أثر على الزراعة ومياه الشرب والري، كما أدى لانخفاض مستوى البحيرات، الأمر الذي يخلف مشكلات إنسانية وبيئة، فعدا عن الزراعة والكهرباء سبب نقص مياه الفرات انتشار أمراض وأوبئة.
وأصبحت مياهه بيئة خصبة لانتشار الجراثيم والبكتيريا، بالإضافة للإضرار بالبنية الإنشائية للسدود، فمنذ شباط/ فبراير 2020، تستمر تركيا بحبس مياه نهر الفرات إلى سوريا، وسط تحذيرات من حدوث كارثة إنسانية، نتيجة انخفاض المنسوب في البحيرات.
ضرر زراعي
تواصل تركيا حبس تدفق مياه نهر الفرات تجاه الأراضي السورية والعراقية، وسط تحذيرات إقليمية وعالمية من حدوث كارثة صحية وزراعية في المنطقة.
زاد حبس مياه النهر معاناة مزارعين على طول سريره، ودفعهم لشراء محركات ديزل وقساطل إضافية لاستجرار المياه من النهر عن طريقها، هذا الأمر يشكل عبئاً عليهم، بسبب التكاليف الباهظة، على المزارعين.
واضطر المزارعون لمد قساطل طويلة لاستجرار المياه من نهر الفرات، وملاحقة مجرى النهر بعد أن انحسر مئات الأمتار، ما يُنذر بتصحر الأراضي.
وتخالف تركيا اتفاقية المياه الموقعة بين أنقرة ودمشق، والتي تنص على تدفق 500 متر مكعب في الثانية إلى سوريا والعراق، إلا أن الكمية التي تصل حالياً لا تتجاوز 200 متر مكعب في الثانية.
مع النقص الكبير في مياه الشرب والري في المنطقة، يتخوف المزارعون من الصمت المحلي والدولي، حول تراجع منسوب الفرات، الذي سيؤدي إذا ما استمر إلى آثار سلبية وإضرار بحياة سكان المنطقة.
وفي وقت سابق، أوصى مكتب الري في الرقة، المزارعين بالتقيّد بالخطة الزراعية الصيفية، في ظل انخفاض منسوب الفرات ونزول مياه البحيرة أكثر من 4 أمتار عن مخزونها.
وفي الـ 15 من حزيران/ يونيو الجاري، أصدرت لجنة الزراعة والري تعميماً ينص على ضرورة التقيّد بالمساحة المسموح بها للزراعة وتقليل مساحة الموسم التكثيفي بنسبة 10 بالمئة ليصبح المجموع 33 بالمئة من المساحة الإجمالية المروية الكلية.
وفي وقت سابق، قال عماد عبيد، وهو إداري في سد الفرات، إنه منذ نحو شهرين ينخفض مستوى المياه في البحيرة بشكل يومي 2 سم، ما يشكل خطورة على المواسم الصيفية للمزارعين، بسبب عدم استطاعتهم فتح المياه لقنوات الري.
وفي أرياف الرقة والطبقة ودير الزور، يشتكي مزارعون من قلة مياه الري في القنوات الرئيسية وجفاف في الآبار الارتوازية، ما عرض محاصيل زراعية للتلف والتضرر.
واقع كهربائي سيء
يشتكي سكان شمال شرقي سوريا، من قلة ساعات وصل الكهرباء وانقطاعها لفترات طويلة قد تصل أحياناً إلى 22 ساعة قطع يومياً، ويفاقم معاناتهم عدم قدرة الكثير منهم على الاستعانة ببدائل الكهرباء لارتفاع تكلفتها.
وتأثرت الكهرباء بانخفاض مستوى المياه، إذ وصل منسوب الفرات لمستويات تهدد بخروج السدود عن الخدمة “بشكل كامل”.
وقال حمود حمادين، إداري في سد تشرين على نهر الفرات بريف منبج شمالي سوريا، إن السد يتوقف عن العمل لمدة 18 ساعة يومياً، بعد استنزاف 85 بالمئة من منسوب البحيرة، متوقعاً خروجه عن الخدمة “بشكل نهائي” في أي لحظة.
ويتم توزيع الطاقة الكهربائية بالحد الأدنى الممكن الذي لا يلبي حاجة استخدام الطاقة الكهربائية كعمود للاقتصاد أو للسكان، وخصوصاً في فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة.
وأثّر انخفاض المنسوب المائي على وضع الطاقة الكهربائية، ما أدى لتقنين “مجحف”.
وقال حمادين في تصريح لنورث برس: “منذ ما يزيد عن ثلاثين شهراً، وواردات نهر الفرات في أقل مستوى لها تاريخياً، بسبب حبس المياه من الجانب التركي، دون أي تغييرات أو موجات إسعافية”.
وأضاف أن نهر الفرات وبحيرات السدود في “أسوء حال”، وفي أدنى منسوب لها في ظل موجة الحرارة المرتفعة والمتواصلة، وفي ذروة الحاجة لمياه الشرب والري.
ويبلغ المنسوب التخزيني لسد تشرين، 325 متراً عن سطح البحر، بينما المستوى “الميت” للمخزون 320 متراً، في حين أن المنسوب الحالي وصل إلى 320.30 متراً، ما يجعل السد مهدد بالتوقف عن العمل في أي لحظة، إذا ما وصل منسوب المياه إلى الميت، وهو أقل من 320 متر عن سطح البحر.
سدود مستنزفة
في تصريح سابق، قال أحمد أوسو، مدير سد الحرية في بلدة المنصورة جنوب غرب الرقة، إن إنتاج السد انخفض من 75 ميغا واط / الساعة إلى 14 ميغا واط/ بالساعة بسبب قلة الوارد المائي من تركيا.
كما استُنزفت 3.5 مليار متر مكعب من المخزون الاستراتيجي لبحيرة سد الفرات، حتى وصل منسوب بحيرته إلى 10.5 مليار متر مكعب من أصل 14.5 متر مكعب، نتيجة قلة الوارد المائي.
ولا يستفاد من الكمية الواردة من تركيا في توليد الطاقة الكهربائية كونها تستنزف بـ”الضياعات”، وفق عماد عبيد، وهو إداري في السد، وهي التبخر نتيجة ارتفاع الحرارة ومياه الشرب واستجرار مياه الري.
وأضاف عبيد، أن ست عنفات من أصل ثمانية متوقفة حالياً والعنفتان الباقيتان تعملان بنصف الحمولة، مشيراً إلى أن كل عنفة بالحالة الطبيعية تنتج 120 ميغا واط بشكل ساعي، إلا أنها في الوقت الحالي لا تنتج سوى 45 ميغا واط، بسبب قلة الوارد المائي.
ولم يستبعد مسؤول السدود توقف السد كون المنسوب الأعظمي لبحيرة الفرات، هو 304 متر لكنه وصل 298,45 متر حالياً، وهو قريب من 296 متر وهو المنسوب الميت وعنده يتوقف السد.
أثر بيئي وصحي
ويهدد الانخفاض المستمر لمياه الفرات جميع مناحي الحياة، كما أن حبس منسوب النهر منذ نحو أكثر من 30 شهراً يُنذر بكارثة إنسانية وبيئية.
وارتفعت نسبة الشوائب والبكتريا والجراثيم في مياه النهر، ما اضطر الكثير من المحطات لزيادة تعقيم المياه، بعد أن تسببت بحالات تسمم وانتشار مرض الكوليرا.
بالإضافة لتسبب انحسار مجرى النهر بصعوبة استجرار المحطات المياه من النهر، ومنها ما خرج عن الخدمة واضطر لتوصيل قساطل لملاحقة المجرى، كما أن المحطات تأثرت بواقع التيار الكهربائي.
وبعاني السكان في شمال شرقي سوريا، لا سيما المناطق القريبة من الفرات، من أزمة وتلوث في مياه الشرب، منذ انحسار مجرى النهر الذي يعتمدون عليه في الزراعة أيضاً.
وتراجعت الثروة السمكية خلال الفترة الماضية في النهر والبحيرات، والأحواض الاصطناعية التي تنتشر ضمن مجرى النهر، بعد انخفاض منسوبه.
في ظل الانخفاض الكبير بمنسوب الفرات وما يُنذر به ويخلفه من كوارث، يبقى الصمت المحلي من قبل حكومة دمشق، والدولي سائداً.