إيزيديون: تصنيف بريطانيا ممارسات “داعش” بـ”إبادة جماعية” غير كافٍ
نالين علي ـ القامشلي
قالت ليلى إبراهيم، الرئاسة المشاركة للبيت الإيزيدي في إقليم الجزيرة، الخميس، إن تصنيف الحكومة البريطانية لممارسات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بالمجزرة التي ارتكبها بحق الإيزيديين شنكال (سنجار) بـ”الإبادة الجماعية”، غير كافٍ.
وفي الثالث من آب/أغسطس 2014، اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، منطقة شنكال في إقليم كردستان العراق، حيث تعيش غالبية من الأقلية الإيزيدية التي تعرضت للقتل والاضطهاد على يد التنظيم خلال سيطرته على المنطقة بين العامين 2014 و2017.
وفي عام 2017 أعلن العراق هزيمة التنظيم، وحتى اليوم، تُستخرج جثث من مقابر جماعية في شنكال، هم ضحايا للمجزرة التي ارتكبها التنظيم هناك، فيما لا يزال أكثر من 2700 شخص في عداد المفقودين، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة.
وأضافت إبراهيم في حديث لنورث برس: “نشكر الحكومة البريطانية على تصنيف ممارسات داعش بحق الإيزيديين في شنكال (إبادة جماعية)”، واصفةً الاعتراف أنه “جيد”، لكنه “غير كافٍ”.
“إبادة جماعية”
وقبل يومين، اعتبرت الحكومة البريطانية، أن الإيزيديين تعرضوا “لإبادة جماعية” على يد تنظيم “داعش” عام 2014 بالعراق، وفق بيان وزارة الخارجية البريطانية.
من هم الإيزيديين؟
والإيزيديون أقلية إثنية ودينية ناطقة بالكردية كانت تتركز في منطقة شنكال بإقليم كردستان العراق، حيث نفذ عناصر “داعش” أعمال عنف مروعة ضد الأقلية، فقتلوا مئات من رجالها وأطفالها، وخطفوا نساءها واتخذوهن سبايا واستعبدوهن جنسياً.
وتعرضت هذه الأقلية أيضا للاضطهاد من السلطنة العثمانية في أوائل القرن العشرين، وعلى يد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي دفع، في ظل حكمه للبلاد بين عامي 1979 و2003، آلاف العائلات الإيزيدية للفرار إلى الخارج.
وأوضحت إبراهيم، أنه ما حدث للمكون الإيزيدي “لم يكن بالسهل”، لأن سكان المنطقة بأكملهم تم قتلهم ونزحوا من أرضهم، بالإضافة أنه مازال هناك عدد كبير من المفقودين منذ سنوات.
وجاء في بيان الحكومة البريطانية، “أقرت المملكة المتحدة رسمياً اليوم بأن داعش ارتكب ممارسات إبادة جماعية في حق الإيزيديين في العام 2014”.
وقال وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط طارق أحمد في بيان “عانى الإيزيديون كثيراً على أيدي داعش قبل تسع سنوات، وما زالت الانعكاسات محسوسة حتى اليوم”. مضيفاً أن “العدالة والمحاسبة أمران أساسيان بالنسبة إلى الذين دمرت حياتهم”، مشيراُ إلى أن هذا الاعتراف “التاريخي”، “يعزز” التزام المملكة المتحدة ضمان “حصولهم على التعويض الذي يستحقّونه وإمكان حصولهم على العدالة”.
ويذكّر البيان بالموقف البريطاني الذي يعود بموجبه تصنيف “الإبادة الجماعية” إلى المحاكم المختصة وليس إلى الحكومات أو الهيئات غير القضائية.
وجاء هذا الاعتراف الرسمي بعد حكم صادر عن محكمة العدل الفدرالية الألمانية في 17 كانون الثاني/يناير 2023 يدين مقاتلا سابقا في تنظيم “الدولة الإسلامية” بتهم ارتكاب ممارسات تشكّل إبادة جماعية في العراق. وكان القضاء الألماني أول من اعترف في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، بأن الجرائم التي ارتكبت في حق الإيزيدين تشكل “إبادة جماعية”. وأشادت منظمات حقوقية بالقرار معتبرة أنه “تاريخي”.
وحكم قضاة محكمة فرانكفورت على طه الجميلي، عنصر عراقي سابق في تنظيم “داعش”، بالسجن مدى الحياة بتهم الإبادة و”ارتكاب جرائم” ضد الإنسانية أفضت إلى الوفاة و”جرائم حرب وتواطؤ في جرائم حرب”.
وأدين الجميلي الذي التحق بصفوف “داعش” عام 2013، بتهمة ترك طفلة إيزيدية في الخامسة من العمر تموت عطشاً في صيف عام 2015، في الفلوجة بالعراق بعدما اشتراها مع والدتها سبية حسبما أفادت جهة الادعاء، حينها.
وتحظر الإبادة الجماعية في أوقات السلم كما في أزمنة الحرب بموجب “اتفاقية الإبادة الجماعية” التي أبرمت في العام 1948. وتحدد الاتفاقية مجموعة من الجرائم على أنها تشكل “إبادة جماعية”، مشيرة إلى أنها “مرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية”.
إلى ذلك، طالب البيت الإيزيدي، الدول الأوروبية والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، بإعطاء ضمانات للمكون الإيزيدي للعودة إلى شنكال، منوهاً أن هنالك عدد كبير من الإيزيديين نزحوا إلى مناطق شمال شرقي سوريا، في حين قسم منهم هاجر للخارج.
وناشدت “إبراهيم”، الرأي العام والجهات المعنية والمنظمات الدولية، للاعتراف بالإبادة الجماعية التي حدثت في شنكال، والاهتمام أكثر بوضع الإيزيديين.
وقال باسل عبدي، محامي إيزيدي سوري، لنورث برس، إن اعتراف الحكومة البريطانية بالإبادة الجماعية الإيزيدية يعتبر “خطوة تاريخية” وعلامة فارقة نحو مناصرة المجتمع الإيزيدي، والخطوات التي تلي هذه العملية بالغة الأهمية بالنسبة لمستقبل المجتمع المحلي في شنكال، وكذلك في مخيمات النازحين.
وأضاف أن “هذا الاعتراف يعد بمثابة تحذير، بأنه لا مجال للإفلات من العقاب لكل من يرتكبون الجرائم الوحشية أي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية متأملين بأن العدالة ستسود”، وفقاً لعبدي.
وبعد تسع سنوات من الإبادة، لا يزال الإيزيديون يعانون من آثار الإبادة المدمرة على مستوى الأفراد والمجتمع. فلا تزال آلاف المخطوفات في عداد المفقودات أو في قبضة “داعش”، ولا يزال مئات الآلاف من النازحين يقطنون في مخيمات بظروف صعبة، كما لا تزال عودة الإيزيديين إلى شنكال محدودة بسبب نقص الأمن والخدمات والتهديدات المستمرة من “داعش”.
كما يواجه الإيزيديون تحديات اجتماعية وثقافية ودينية بسبب تأثير التجارب المروعة التي عانوها على هويتهم. بحسب المحامي.
وطالب عبدي من المجتمع الدولي إصدار قانون يحمي هذه الأقلية المهددة بالإبادة فعلاً، كونها قد مرت بـ ٧٣ إبادة على مر التاريخ وأخرها كانت على يد تنظيم “داعش”.
وبحسب إحصاءات المديرية العامة لشؤون الإيزيدية في وزارة أوقاف حكومة إقليم كردستان العراق، قُتل نحو 1280 إيزيدياً، ويُتّم أكثر من 2300 طفل، وتعرض ما يقارب 70 مزاراً للتدمير، خلال فترة سيطرة تنظيم “داعش”على مناطق واسعة في العراق بين 2014 و2017. وخُطف 6400 إيزيدي، وأُنقذ حوالى نصفهم أو تمكنوا من الفرار.
بعد أعمال العنف تلك هاجر ما يقارب مئة ألف إيزيدي من العراق إلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا، بحسب الأمم المتحدة. ومن بين الذين لجأوا إلى ألمانيا، وحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 2018 ناديا مراد التي اعتُقلت وتعرضت للاغتصاب وأُجبرت على الزواج من عنصر “داعش” قبل أن تتمكن من الفرار.
“أدلة”
في أيار/مايو 2021، قال فريق تحقيق تابع للأمم المتحدة إنه جمع “أدلة واضحة ومقنعة” على ارتكاب تنظيم “داعش” إبادة جماعية بحق الإيزيديين.
بعد ستة أشهر أصبحت محكمة ألمانية الأولى في العالم التي تعتبر الجرائم المرتكبة بحق الأقلية إبادة جماعية.
كما أقر النواب الألمان في كانون الثاني/يناير مذكرة تصنّف ما ارتكبه “داعش” في حق الإيزيديين في 2014 على أنه “إبادة جماعية”، عقب قرارات مماثلة في كل من أستراليا وبلجيكا وهولندا.
من جهتها، طالبت نجبير هيثم، عضوة في الاتحاد الإيزيدي في تربه سبيه/القحطانية، بتشكيل لجنة للكشف عن المفقودين في شنكال منذ سنوات الإبادة. بالإضافة لضرورة محاكمة عناصر “داعش” ممن شاركوا في المجزرة الإيزيدية.