ليلى الغريب ـ دمشق
بحسرة كبيرة يتحدث الشاب العشريني محمد، عن مصير ثلاثة ملايين ليرة سورية احتفظ بها لأكثر من عام على نية انخفاض الأسعار وشراء الذهب.
اليوم عاد من جولة على محلات الصاغة في سوق الصاغة بدمشق بحالة يرثى لها، إذ أن كل ما لديه لم يعد يكفي لشراء 3 غرامات ذهب، بعدم ارتفاع غير مسبوق في سعر الغرام بين ليلة وضحاها، حيث كان سعر الغرام يقفز بمبالغ وصلت إلى 7 آلاف ليرة في يوم واحد، وفاقت 45 ألف ليرة خلال 3 أيام فقط، وقاربت كلفة صياغة الغرام المائتي ألف ليرة.
بالتقتير
يقول محمد علي، لنورث برس: “لم أعد أريد حماية قيمة هذا المبلغ الذي جمعته بالتقتير على نفسي وحرمانها من كل شيء، وسأشتري به مازوت حر لأبيعه في الشتاء عله يعوض بعضاً من خسائري”.
ليس لدى “علي” مساحات لحفظ المازوت، ولكن مشاعر الخيبة التي يعيشها وكل من يدخر مبلغاً من المال تم جمعه ليرة ثم ليرة، تطغي على كل حالة بعدما فقدت أموالهم الكثير من قيمتها خلال فترات قصيرة، نتيجة التدهور الكبير لسعر صرف الليرة.
يضيف “علي” ساخراً، أن ما يخطر في باله بعد هذه الجولة المقولة الشعبية “صاحب المال تعبان” خاصة بمبالغ قليلة كالتي لديه، إذ ليس من السهل الحصول على الدولار للحفاظ على قيمة أمواله، وهنالك الكثير ممن يخشون البحث عنه أو السعي لاقتنائه بسبب تجريم التعامل فيه.
كما أن الليرات الذهبية التي تعد أقل كلفة في الصياغة تختفي مع كل موجة ارتفاع أسعار كالتي نشهدها الآن بعدما وصل غرام الذهب إلى أكثر من 665 ألف ليرة، وهذا يعني أنها حتى لو توفرت لن يتمكن من شرائها بهذا المبلغ، بعدما فاق سعرها 5 ملايين ليرة، وتكاليف الصياغة المرتفعة التي يتحايل الصاغة برفع نسبتها على تسعيرة الجمعية لغرام الذهب، تجعل أي قطعة خاسرة، عند محاولة بيعها خلال فترة قريبة، بحسب “علي”.
طلب الليرات
يقول عامر سعيد، وهو اسم مستعار لصاحب محل ذهب، لنورث برس، إنه مع ارتفاع أسعار الذهب يزيد الإقبال كثيراً على شراء الليرات والأونصات خاصة، خشية المزيد من الارتفاع، ولكن أيضاً أصحاب محلات الصاغة لا يفضلون البيع مع أسعار متقلبة ترتفع بين يوم وآخر بأرقام كبيرة، لذا يخف المعروض من القطع المطلوبة.
بينما يشير زبون لديه، يقصد شراء الذهب، أن هذا المعدن هو الملاذ الآمن لحماية أمواله، وأن الكثير ممن لديهم الأموال يفضلون شراء الذهب على القيام بأي مشاريع أخرى ستخضع للإرهاق الضريبي، والابتزاز الجمركي والتمويني.
ويضيف: “فرص الاستثمار والتمويل غير متاحة، الأمر الذي يجعل السعي لاكتناز الذهب هو خيار إجباري”.
غياب الثقة
في حين يرى خبير اقتصادي، فضل عدم ذكر اسمه، أن “الناس تلجأ لشراء الذهب عند غياب الثقة بواقع الاقتصاد، لأنهم يرون أن الذهب أكثر أماناً، وهذا يجعل الطلب على الليرات الذهبية والأونصات كبير، وهذا يعني في الوقت ذاته خروج أموال بحجم كبير من الحركة الاقتصادية، وبالتالي زيادة معدل التضخم، وتدني سعر الليرة”.
ويبين الخبير، لنورث برس، أن “الذهب هو الوجه الحقيقي للدولار، لأن تسعير الذهب يتم بالدولار، وتبعاً لنشرة البورصة العالمية، وهذا يعني أن بيع وشراء الذهب في الأسواق المحلية، هو بيع وشراء وادخار للدولار”.
ويضيف، أنه إذا كان الفريق الاقتصادي يتعامل مع فكرة بيع وشراء الذهب كعمل قانوني، فإن هذا ينطبق على بيع وشراء الدولار، وأن الأمران، أي بيع الذهب والدولار، “لن يؤثرا على الاقتصاد الوطني بشكل سلبي، وأن العلاقة عكسية بين الطلب على الذهب والدولار، فعندما ينخفض الطلب على الذهب سيزداد الطلب بذات النسبة على الدولار”.
أسعار عالمية
وكان رئيس جمعية الصاغة بدمشق غسان جزماتي، شدد في تصريحاته، على أن أسعار الذهب مرتفعة عالمياً، وأن التسعير المحلي للذهب يتم بما يقارب أسعار الدول المجاورة لمنع تهريبه.