التمدد الروسي إلى القارة السمراء.. وجه آخر للصراع الدولي

هوزان زبير ـ أربيل

الانقلاب الذي شهدته النيجر وانتشار قوات فاغنر في مالي وبلدان أفريقية أخرى، في غضون انعقاد القمة الروسية الإفريقية تخللتها وعود بوتين لنقل الحبوب إلى القارة السمراء بعيداً عن اتفاقيات وصفقات انسحبت منها موسكو مؤخراً، قد تعتبر أبرز المعطيات في عزم روسيا على التمدد في أفريقيا ليمثل ذلك أحد أوجه الصراع بين الغرب والشرق.

كان من المثير للجدل، حين سار الآلاف من المؤيدين للانقلاب في النيجر مطلع هذا الأسبوع، في شوارع العاصمة، مدينين فرنسا التي تعتبر بنظرهم القوة الاستعمارية السابقة للبلاد. فلوحوا بالأعلام الروسية، وأضرموا النار في باب السفارة الفرنسية يوم الأحد الفائت.

هذه الحادثة لعلها تمثل المشهد العلني الذي يعكس ظروف العلاقات والمصالح الغربية مع البلدان الأفريقية والنيجر على وجه الخصوص، ولاسيما بعد تقلص نفوذ فرنسا في البلد المجاور مالي.

وبالرغم من أن طبيعة توغل روسيا في الأحداث التي شهدتها النيجر، ليست واضحة، لكن بعض المتظاهرين بحملهم الأعلام الروسية وترديدهم شعارات موالية لبوتين، إلى جانب لافتات كتب عليها “تسقط فرنسا”، يعكس إشارة إلى العلاقة بين الانقلاب العسكري والنفوذ الروسي.

ولاتنفصل هذه الأحداث عما تشهده البلدان الأفريقية من إضرابات، تشمل انتشاراً واسعاً للتنظيمات الجهادية.

النيجر.. ميول روسي وتنديد غربي

بينما أعلن الجنرال عبد الرحمن تياني، نفسه رئيسًا جديدًا للنيجر، يوم الجمعة الفائت، بعد الانقلاب العسكري، محذراً من أي تدخل دولي في هذا الشأن، واجه ذلك إدانات على نطاق واسع من قبل الجيران والشركاء الدوليين بما في ذلك الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا .

ورفضوا جميعًا الاعتراف بالزعماء الجدد وطالبوا بعودة الرئيس المنتخب.

وعندما شدد مؤيدوا الانقلاب في النيجر على رفض فرنسا، لم يخفِ ذلك رؤيتهم أن روسيا هي البديل.

يأتي ذلك بينما تعمل مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر في مالي المجاورة، في عهد بوتين الذي يحاول توسيع نفوذه في غرب أفريقيا.

وبالرغم من أن مؤيديهم أظهروا ميولهم الروسي، إلا أنه لم يوثق بعد ما إذا كان قادة المجلس العسكري الجديد يعتزمون التحالف مع موسكو أو التمسك بشركاء النيجر الغربيين.

وبما أن فرنسا هي الدولة الأكثر نفوذاً، التي تمثل مصالح الدول الغربية في البلد الأفريقي، شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على عدم التسامح مع الهجمات على فرنسا ومصالحها، متوعداً بالرد الفوري ضد أي تهديد.

جاء ذلك في الوقت الذي أعطى فيه اجتماع الكتلة الإقليمية لغرب أفريقيا “إكواس” في قمة طارئة مهلة أسبوع للمتمردين لإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم أو مواجهة عقوبات واستخدام محتمل للقوة.

وحذرت المجموعة من أنها ستتخذ “جميع الإجراءات الضرورية” لإعادة الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في البلاد، بينما أصدر الاتحاد الأفريقي إنذاراً خاصاً به.

وكان قد تم انتخاب بازوم قبل عامين، في أول انتقال ديمقراطي سلمي للسلطة في النيجر منذ الاستقلال عن فرنسا.

وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن الترتيبات الأمنية والاقتصادية المستمرة بين النيجر والولايات المتحدة تتوقف على إطلاق سراح بازوم – الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية و”الاستعادة الفورية للنظام الديمقراطي في النيجر”.

وأوقفت فرنسا جميع مساعدات التنمية والمساعدات المالية الأخرى للنيجر.

وقال الاليزيه في بيان: “أي شخص يهاجم الرعايا الفرنسيين أو الجيش أو الدبلوماسيين أو المصالح الفرنسية سيثير رداً فورياً لا هوادة فيه من فرنسا”.

وفي المملكة المتحدة، قالت وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في بيان، إن بريطانيا “تدين بأشد العبارات الممكنة محاولات تقويض الديمقراطية والسلام والاستقرار في النيجر”.

أفريقيا في مرمى روسيا

روسيا، في السنوات الأخيرة، حاولت الاستفادة من المشاعر المناهضة للغرب لتعزيز نفوذها في جميع أنحاء القارة.

وسافر 17 رئيس دولة أفريقية إلى سان بطرسبرغ، يوم الخميس الفائت، لحضور قمة أفريقية روسية، علماً أن المشاركة كانت أقل بكثير هذا العام مما كانت عليه في السنوات السابقة، ويرجع ذلك على الأرجح إلى الحرب في أوكرانيا.

يقابل هذا التقارب حراك متشتت مناهض لفرنسا وآخر مؤيد لروسيا، وهو ليس أمر جديد في المنطقة، حيث لوحظ ذلك في دول مختلفة في منطقة الساحل في السنوات الماضية، كان آخره في بوركينا فاسو، إذ طالبت الحكومة العسكرية برحيل القوات الفرنسية من البلاد في وقت سابق من هذا العام.

على الرغم من الصراعات العسكرية الروسية في أوكرانيا، لم تقلص موسكو طموحاتها في الجنوب العالمي. خلال العام الماضي، ضاعفت روسيا من تركيزها على منطقة الساحل في أفريقيا.

ومن خلال مجموعة فاغنر، تدخل موسكو نفسها في بلدان مثل مالي وبوركينا فاسو مستغلة أي حراك منتاهض للدول الغربية.

وبينما يحظى وكلاء موسكو في أفريقيا بالكثير من الاهتمام، فإن نفوذها عبر القارة ليس واسعًا ولا عميقًا بشكل خاص. ومع ذلك، مع انتشار العنف في منطقة الساحل، أعربت واشنطن عن قلقها بشأن الوجود المتزايد لموسكو هناك، لكن رسمياً لم تعلن إدارة جو بايدن خيارات عملية للرد.

وأدت حرب روسيا ضد أوكرانيا إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في منطقة يهدد فيها تغير المناخ والحرب بالفعل.

حدثت انقلابات عسكرية متعددة في المنطقة منذ عام 2020: اثنان في كل من بوركينا فاسو ومالي، وواحد في تشاد، والآخر في غينيا المجاورة.

وأدى عدم الاستقرار السياسي إلى ظهور أنظمة قمعية بشكل متزايد تسببت في حدوث احتكاك بين العديد من حكومات منطقة الساحل وشركائها الدوليين أو الإقليميين.

على سبيل المثال، تراجعت العلاقة بين باريس وباماكو بشكل حاد في أعقاب الانقلابات العسكرية المتتالية في مالي في عامي 2020 و 2021.

وقد أدى الاستياء المحلي من فرنسا إلى تفاقم التوترات بعد عقد من جهود مكافحة “الإرهاب” وتحقيق الاستقرار، وسحبت  فرنسا قواتها من مالي في آب/أغسطس 2022.

وكما الحال في مالي، فإن بوركينا فاسو غارقة في العنف، حيث تسيطر حكومتها على حوالي 60 في المائة فقط من أراضي البلاد، ويستمر العنف في الانتشار، حين تسببت الانقلابات المتتالية في عام 2022 في تدهور العلاقات بين البلاد وفرنسا.

وعلى غرار فرنسا ساءت العلاقات بين الولايات المتحدة وكلا البلدين الإفريقيين، في أعقاب الانقلابات، علقت إدارة بايدن وصول التجارة الحرة للدول إلى الأسواق الأمريكية.

 كما أدت قضايا حقوق الإنسان واسعة النطاق إلى إصدار قوانين تحظر تقديم المساعدة العسكرية أو التدريبية الأمريكية إلى الدول المعنية.

ويعرب المسؤولون الأمريكيون عن قلقهم بشأن وجود مجموعة فاغنر في منطقة الساحل، لكن لا يبدو أن الإدارة تميل إلى تقديم مساعدة أمنية بديلة.

في مقابل ذلك، استثمرت روسيا الفرص في منطقة الساحل. لقد احتضنت الأنظمة العسكرية في كل من مالي وبوركينا فاسو، وقدمت لها المساعدة الأمنية، والدعم الدبلوماسي، ودعم العمليات الإعلامية.

 وصل مستشارون عسكريون روس إلى مالي أواخر عام 2021، بعد الانقلاب العسكري الثاني في البلاد. بشكل أساسي من خلال مجموعة فاغنر، زودت موسكو البلاد بأربعمائة فرد من المرتزقة لمحاربة “الجماعات الجهادية”، لكن العنف لازال آخذ في الانتشار.

لا تعترف الحكومة في مالي رسميًا بوجود فاغنر في البلاد، لكن الأدلة المتزايدة على أنشطة المرتزقة والفظائع الروسية أوضحت أن فاغنر أو مجموعة روسية مماثلة نشطة هناك.

أعرب المسؤولون الأمريكيون عن قلقهم من أن فاغنر تسعى إلى تكرار طريقة العمل هذه في بوركينا فاسو، حيث نمت المشاعر المناهضة للفرنسيين والموالين لروسيا خلال الأشهر الخمسة الماضية.

مع سحب فرنسا لقواتها المتبقية من البلاد بحلول أواخر شباط/فبراير 2023، لا يزال حجم الأنشطة الروسية في بوركينا فاسو غير واضح، لكن رئيس غانا أعرب عن قلقه من أن قوات فاغنر تعمل في البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، حذر مسؤولون أفارقة وأوروبيون وأمريكيون من أن مجموعة فاغنر تتوسع في تشاد.

ويراهن مسؤولون غربيون على الدول الأفريقية والغربية المجاورة لاستثمار الموارد السياسية والاقتصادية والعسكرية التي قد تعطل موطئ قدم روسيا.

ما شهدته الدول الأفريقية أنمت فكرة التنافس وجهاً لوجه مع روسيا كجزء من منافسة أوسع بين القوى العظمى.

ومن الواضح أن الحرب في أوكرانيا، لها دور في أن تنتهز موسكو كل فرصة وفراغ لتعزيز نفوذها في أفريقيا لتكون بمثابة نوع من الضغط ضد الدعم الغربي لكيف.

التحذير من انشتار المتشددين

ومع إعلان الانقلاب في النيجر، ضخت تقارير إعلامية بكثافة، لبحث تداعيات الحدث على جهود مكافحة التنظيمات المتشددة المنتشرة بشكل واسع في القارة الأفريقية، ولاسيما جماعات مرتبطة بشكل مباشر مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

الوضع الأمني ​​ في النيجر ليس سيئاً كما هو الحال في بوركينا فاسو أو مالي المجاورة، اللتين تقاتلان أيضًا تمردًا إسلاميًا مرتبطًا بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.

وينتشر في النيجر أكثر من ألف جندي أمريكي في قاعدتين على الأقل.

في العام الماضي، كانت النيجر هي الدولة الوحيدة من بين الدول الثلاث التي شهدت انخفاضًا في العنف، وفقًا لمشروع بيانات موقع النزاع المسلح وبيانات الأحداث.

وتعد النيجر شريك أمني لفرنسا والولايات المتحدة، اللتين تستخدماهما كلاهما كقاعدة لمحاربة “التنظيمات الإسلامية المتطرفة” في منطقة الساحل الأوسع بغرب ووسط أفريقيا.

في عام 2013، اتبعت فرنسا نهجًا تقليديًا لمكافحة “الإرهاب” في المنطقة عندما أطلقت عملية سيرفال في مالي.

نُظر إلى الحملة في البداية على أنها ناجحة، لكن عملية المتابعة “برخان”، التي بدأت في عام 2014، كان لها تفويض أكبر بكثير لمنطقة الساحل بشكل عام.

بلغ مجموع انتشار برخان في ذروته حوالي 5100 جندي، وهو ما كان بالكاد يكفي لمنع انتشار سيطرة المتشددين والاحتفاظ بالدعم القوي للحملة بين الحكومات الإقليمية والشعب.

وفي أجزاء من بوركينا فاسو ومالي على وجه الخصوص، انهارت الخدمات الأساسية (بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم)، ووقعت بعض أكثر المعارك دموية في السنوات الأخيرة في عام 2022.

تسيطر جماعات التمرد الإسلامية على أجزاء كبيرة من المنطقة وتقاتل القوات الحكومية والسكان المحليين على مواردها.

غالباً ما يقع المدنيون في الوسط. على الرغم من الجهود الدولية والإقليمية طويلة الأمد لمحاربة المتطرفين، تواصل هذه الجماعات توسيع وجودها في جميع أنحاء المنطقة.

في غضون ذلك، تتفاقم أزمة إنسانية، أعلن عنها رئيس مكتب الأمم المتحدة لغرب أفريقيا والساحل وحذر من أن النزاعات المسلحة فاقمت المعاناة الإنسانية وأجبرت الملايين على الفرار.