اتهامات وتحذير.. تصعيد أميركي روسي في سماء سوريا

غرفة الأخبار – نورث برس

تتهم كل من الولايات المتحدة وروسيا بعضهما البعض بالتسبب في مواجهات خطيرة بأجواء سوريا، وقد تصاعدت بشكل ملحوظ خلال شهر تموز/ يوليو الجاري، مما قد يدفع إلى زيادة احتمالية الاحتكاك العسكري بين واشنطن وموسكو التي “تنسق” مع طهران، بالرغم من التحذيرات الأميركية التي تقول أن ذلك ينسف جهود الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

تنشر وزارة الدفاع الروسية عبر مركز المصالحة التابعة لها في سوريا (حميميم)، بشكل دوري ما تعتبره خروقات جوية من جانب قوات التحالف الدولي، بينما تكتفي الولايات المتحدة بالإشارة إلى أخطر التحليقات الروسية التي تكررت خمسة مرات على الأقل خلال أسبوعين فائتين.

أحد التحركات الجوية الروسية، قالت عنها واشنطن أنها استهدفت الطائرة المسيرة التي قتلت زعيماً بتنظيم “داعش” يدعى “أسامة المهاجر”. يضاف إليها تحليق “خطير” أُعلن عنه أمس الثلاثاء، تسبب بتعطيل مروحية طائرة مسيّرة.

آخر اتهام مبتادل

قال أليكس غرينكويتش، قائد القوات الجوية المركزية الأميركية، في بيان أمس الثلاثاء، إن طائرة مقاتلة روسية اقتربت من الطائرة الأمريكية MQ-9 المسيّرة وبدأت بـ “مضايقتها قبل إطلاق القنابل المضيئة من موقع فوقها مباشرة”.

وأضاف في بيان صحفي عن الحادثة التي سجلت تاريخها يوم الأحد الفائت، أن إحدى القنابل المضيئة الروسية أصابت الطائرة مما ألحق أضراراً بالغة بمروحتها.

وبحسب الجنرال غرينكيويتش فأن تجاهل المقاتلة الروسية “الصارخ” لسلامة الطيران “ينتقص من مهمتنا لضمان الهزيمة الدائمة لداعش”.

وقال في تصريح مكرر لزملائه العسكريين، إن بلاده تدعو القوات الروسية في سوريا إلى وضع حد فوري “للسلوك المتهور والمستفز وغير المهني”.

على النقيض من ذلك، قال اللواء الروسي أوليغ غورينوف وهو نائب رئيس مركز المصالحة الروسي، إن الطائرة الأميركية المسيرة كادت أن تتصادم مع طائرات حربية روسية تعمل بالقرب من الباب بريف حلب.

وادعى أن الطائرة الأميركية حولت في النهاية نظام الاستهداف الخاص بها إلى الطائرة المقاتلة الروسية، مما أدى تلقائياً إلى تشغيل الأنظمة الدفاعية للطائرة الحربية الروسية.

وأشار إلى أن جنودهم اتخذوا إجراءات في الوقت المناسب لمنع الاصطدامات مع طائرات التحالف.

في غضون ذلك، قال الجنرال الروسي في بيان، إن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، انتهك سلامة الأجواء السورية 12 مرة خلال يوم أمس الثلاثاء.

سوابق

ما سبق ذكره يمثل أحدث الاتهامات المتبادلة، بعد سلسلة سابقة من التحليقات الخطيرة.

ففي 5 يوليو/ تموز الجاري، بدأت ثلاث طائرات مقاتلة روسية في تحليق خطير حول ثلاث طائرات أميركية مسيّرة من طراز MQ-9 خلال مهمة ضد تنظيم “داعش”.

وقال المسؤولون الأميركيون وقتها، إن الطائرات الروسية من طراز Su-35 قللت من قدرة الطائرة الأميركية على العمل بأمان. وأطلقت إحدى الطائرات المقاتلة الروسية قنابل ضوئية.

وأبلغت القيادة المركزية الأميركية، عن حوادث لاحقة لطائرات روسية مضايقة لطائرات أميركية طيار في 6 و7 تموز/ يوليو.

في وقت سابق من هذا الشهر، قال قائد القيادة المركزية، الجنرال مايكل كوريلا، عن المواجهة الجوية فوق سوريا، إن “السلوك الروسي غير الآمن وغير المهني في الجو لا يضعف مهمتنا في هزيمة داعش فحسب، بل يخاطر بالتصعيد غير المقصود وسوء التقدير”.

شرارة أوكرانيا تصل سوريا

تأتي الاتهامات المتبادلة بين القوات الأميركية والروسية في سوريا وسط توترات عالية بالفعل بين البلدين أقلها على صعيد أوكرانيا، فيما يبدو أن شرارة تأثيرها تصل إلى سوريا.

في منتصف شهر تموز، نقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤول كبير في البنتاغون، أن “بعض الروس في سوريا هم جنرالات فشلوا في أوكرانيا، وحتى الآن في سوريا، ربما يحاولون إثبات نقطة ما، على الرغم من عدم وجود مؤشر على رغبة الروس في إيذاء الأميركيين، فقد أظهروا استعداداً لمضايقة أو إتلاف الطائرات بدون طيار”.

وتشعر روسيا بالقلق من قيام الولايات المتحدة وحلفائها بتزويد الأسلحة للقوات الأوكرانية التي تقاتل حالياً مع القوات الروسية.

وفي آذار/ مارس الماضي، ذكرت القيادة الأميركية الأوروبية، أن مقاتلة روسية “ضربت المروحة” لطائرة أمريكية من طراز MQ-9 تعمل فوق البحر الأسود، مما تسبب بتحطمها.

وأدى الحادث وقتها إلى تفاقم التوترات بين البلدين وأثار مكالمة بين قادة دفاعهما، لكنه لم يؤدِ إلى رد عسكري مباشر.

بعدها، بدأت القوات الروسية مؤخراً بضرب الموانئ الأوكرانية وتحذير السفن العابرة للبحر الأسود من احتمال مهاجمتها.

ويمكن أن تؤدي هذه الهجمات والتهديدات التي تتعرض لها حركة النقل البحري إلى تعطيل تدفق الحبوب من أوكرانيا إلى أجزاء أخرى من العالم.

وبالعودة إلى الشأن السوري، ثمة مذكرة “عدم التضارب” متفق عليها بين الولايات المتحدة وروسيا منذ كانون الأول/ ديسمبر 2019، إلا أن المراقبون يرون أن سوريا ليست بمنأى من الصراع الغربي والروسي على المستوى الدولي.

البنتاغون يعلق

ورداً على سؤال حول احتمالية خروج هذه الحوادث عن السيطرة وتحولها إلى صراع بين الولايات المتحدة وروسيا، قالت سابرينا سينغ، المتحدثة باسم البنتاغون، في مؤتمر صحفي عقدته أمس الثلاثاء، أنه “ثمة زيادة واضحة في نشاط الطائرات الروسية وطائراتنا العسكرية”.

وأضافت دون أن توضح ما إذا كان التصعيد سيخرج عن السيطرة: “نحن لا نسعى للتصعيد، ولا نسعى للحرب مع روسيا (..) لدينا هدف واضح  وهو الهزيمة الدائمة لداعش. سنواصل حث القوات الروسية في سوريا على التوقف عن سلوكها المتهور”.

واعتبرت سينغ أن التحركات الروسية الأخيرة في أجواء سوريا بمثابة محاولة “لصرف الانتباه عن مهمتنا هناك، وهي هزيمة داعش”.

وفي إشارة إلى أن التحليق الروسي ليس محض صدفة، قالت سينغ إن “الروس يعرفون أين نعمل. ليس هناك أي عذر لكيفية استمرار قواتهم في مضايقة طائرات MQ-9 بعد سنوات من العمليات الأميركية في المنطقة”.

تنسيق روسي – إيراني

بشكل شبه رسمي، روى مسؤولون في البنتاغون لأكثر من مرة خلال الشهر الجاري، أن النشاط العسكري الروسي، الذي تصاعدت وتيرته منذ آذار/ مارس الماضي، “ينبع من تنامي التعاون والتنسيق بين موسكو وطهران والحكومة السورية لمحاولة الضغط على الولايات المتحدة لمغادرة سوريا”.

وتأتي هذه الروايات في الوقت الذي دفعت فيه التوترات المتصاعدة مع إيران وروسيا البنتاغون إلى إرسال المزيد من القوات، بما في ذلك طائرات F-35 و F-16 المقاتلة و مدمرة بحرية إلى الشرق الأوسط.

والأسبوع الفائت، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، الجنرال مارك ميلي، إن الولايات المتحدة لديها القدرات الكافية للدفاع عن نفسها.

وأشار ميلي في تصريح صحفي بمبنى البنتاغون، إلى أن الولايات المتحدة لم تكن متأكدة من سبب السلوك الروسي في الأونة الأخيرة، إلا أنه أقر بتلميحات مسؤولين أميركيين إلى شراكة دفاعية أوثق بين إيران وروسيا مؤخراً.

لكن سينغ قالت في مؤتمرها الصحفي أمس، إن ليس لديها دليل على وجود جهد منسق بين روسيا وإيران.

وأشار المسؤولون الأميركيون إلى أن الطيارين والقادة الروس ربما يحاولون الضغط على القوات الأميركية لمغادرة سوريا، حيث تساعد الشركاء في محاربة تنظيم “داعش”.

وقبل نحو أسبوعين، نقلت وسائل إعلام أميركية من بينها “أسوشيتد برس”، عن مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية، حديثاً عن تزايد “العدوان” الروسي وتنامي علاقاتها (روسيا) مع إيران في سوريا، بينما تدرس واشنطن خيارات الرد على ذلك، دون الإفصاح عن خيارات الرد بالتفصيل.

وتحتفظ واشنطن بما لا يقل عن 900 جندي أميركي في سوريا، مع غطاء جوي داخل وخارج البلاد للقيام بمهام التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية لاستهداف قيادات “داعش” وعناصره.

وقال المسؤول الدفاعي الكبير، إن “روسيا مدينة بالفضل لإيران لدعمها في الحرب بأوكرانيا، وأن طهران تريد خروج الولايات المتحدة من سوريا حتى تتمكن بسهولة أكبر من نقل المساعدات الفتاكة إلى حزب الله اللبناني وتهديد إسرائيل”.

وأضاف المسؤول أن الولايات المتحدة شهدت مزيداً من التعاون والتخطيط وتبادل المعلومات الاستخباراتية إلى حد كبير بين قيادات الروس وفيلق القدس الإيراني من المستوى المتوسط في سوريا، للضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من سوريا.

إعداد وتحرير: هوزان زبير