ليلى الغريب ـ دمشق
بعد عدد من التعديلات على القرار المتعلق بمنصة تمويل المستوردات الصادر منذ 2021، أصدر المصرف المركزي السوري قراراً يلغي ذلك القرار، وإن كان حافظ على كثير من آلياته في القرار الجديد.
وكما في كل مرة فإن المركزي يحدد أسباب إصدار القرار الجديد بـ”الحد من التقلبات الحادة” في الأسعار، والتخفيف من عمليات المضاربة على الليرة السورية، حسب بيان للمصرف، وهي كانت أيضاً مبررات إصدار القرار السابق.
مجدداً.. لدعم الاستقرار
أبرز ما في القرار الجديد هو توسيع قائمة المواد المسموح باستيرادها، (التي حددها القرار السابق)، وإلزام شركات الصرافة بتثبيت سعر بيع القطع الأجنبي خلال 15 يوماً.
ويبقي القرار على القنوات المعتمدة للقطع الأجنبي والمحددة بأربعة هي: حساب المستورد في المصارف السورية المرخص لها بالإيداع بعملة صعبة، وبيع القطع الأجنبي عبر المصارف العامة داخل البلاد، وكذلك عن طريق شركات الصرافة، وأيضاً عن طريق حسابات المستورد في الخارج.
وحسب بيان المصرف فإن القرار الجديد (رقم 970) ينهي العمل بالقرار 1070 لعام 2021، “ليوسع القائمة التي تسمح لمستوردي المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج من الاعتماد على مصادرهم الذاتية لتمويل مستورداتهم”، كما أنه يثبت سعر بيع القطع الأجنبي خلال 15 يوماً من تاريخ تسديد القيمة المقابلة بالليرة السورية.
وحسب المصرف فإن ذلك يهدف إلى “دفع العملية الإنتاجية ومنح مرونة أكبر لتطوير قطاع الإنتاج”، وبما “يساهم في تخفيف التقلبات الحادة في ارتفاع أسعار المستوردات، فيما إذا تم التخفيف من العمليات المكثفة التي يقوم بها المضاربون على سعر صرف الليرة السورية، مستغلين وجود محاصيل زراعية وافرة هذا الموسم أدت إلى وجود كتلة كبيرة من الليرة السورية قابلة للتداول يتم استغلالها بالمضاربة”.
لن يحقق الهدف
القرار الجديد يأتي بعد انتقادات حادة لما تعرف بمنصة تمويل المستوردات، إلا أنه لم يلغ القرار السابق بل هو تعديل على ذلك القرار المتعلق بمنصة تمويل المستوردات، وذلك حسب خبير اقتصادي قال لنورث برس إن “القرار الجديد لن يحقق الهدف الذي ذكره المركزي، فهناك قيود كثيرة تكبل الاقتصاد، وتعيق عمليات الاستيراد والتصدير بشكل اقتصادي فعال”.
وذلك يعود لأسباب عدة منها أن القرار الجديد “يحافظ على وضع اشتراطات وإجراءات للكشف عن مصدر تمويل المستوردات، مع تعقيدات كثيرة، تترك احتمال مصادرة البضائع لحظة إدخالها إلى البلاد قائماً”، بحسب الخبير الاقتصادي.
ويضيف أنه من غير المبرر اقتصادياً التشدد في معرفة مصدر القطع، خاصة في مرحلة تعاني فيها البلاد من أسوأ وضع اقتصادي وترد متواصل في سعر صرف الليرة السورية، وغياب المصادر الأساسية للحصول على القطع الأجنبي.
ويشير إلى أن التحايل على تلك النقطة “ليس صعباً” بالنسبة لمن يريد أن يستورد إلى سوريا، كما أنه في الوقت ذاته سيرغم من لديه أموالٌ ويرغب باستثمارها في سوريا على التراجع، مع المخاطر التي قد تترتب على البحث في مصدر الأموال، خاصة مع وجود عقوبات صارمة بحق من يتعامل بغير الليرة السورية.
ويشير إلى أن رأس المال “جبان” دون تلك الاشتراطات، فكيف إذا وضعت تلك القيود، في بلد يجرم التعامل بعملة غير الليرة؟
ويقول إن المصرف المركزي، وشركات الصرافة المرخصة لا تمول عمليات الاستيراد بما يضمن دوران عجلة الاقتصاد، والقرار الجديد يعطي تلك الشركات الحق بوقف التمويل حين لا يكون الرصيد كافياً وهو ما يعني إبقاء نفس مشاكل المستوردين السابقة التي سببتها منصة تمويل المستوردات، وأبرزها ارتفاع التكاليف الناتج عن تباطؤ العمل ما يعني زيادة في الأسعار.
ويشير الخبير الاقتصادي، إلى أن القرار المتعلق بمنصة تمويل الاستيراد كان يهدف إلى الحد من الطلب على العملة الصعبة، غير الداعم للإنتاج، لكن ما حدث عملياً هو استمرار تردي سعر الليرة السورية، وبقي أهم الممولين هم المصدرين وأصحاب الحوالات الخارجية.
سيسمح بالتوازن
عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، قال إن القرار 970 “سيسمح بحالة من التوازن بين كلف الاستيراد والأسعار وهو ما يخفض أسعار السلع المستوردة في السوق المحلية بالنسبة نفسها التي كانت تتسبب آلية التمويل السابقة (المنصة) بارتفاعها والتي كانت تصل لحدود 30-40 بالمئة”.
وذكر الحلاق في تصريحات لصحيفة محلية، أن المستهلك “لن يشعر فوراً بهذا التوازن السعري أو الانخفاض النسبي في الأسعار لأن ذلك يحتاج لوقت يعادل حجم تنفيذ إجازات الاستيراد التي ستمول وفق الآلية الجديدة”.
وأوضح أن “تنفيذ أي إجازات استيراد يحتاج لحدود 3 أشهر (فترة الحصول على الإجازة والتعاقد والتمويل وشحن البضائع وتخليصها) لكن ذلك سيكون مع حالة استقرار وتوازن في الأسعار لأن إلغاء آلية التمويل السابقة (المنصة) سيسمح بتواتر وصول البضائع ويزيد من حالة التنافسية التي تسهم في استقرار وانخفاض الأسعار”.
وطالب الحلاق بضرورة “إعادة النظر في العديد من القرارات وأنظمة العمل التي تحكم النشاط الاقتصادي على التوازي مع آلية التمويل عبر المنصة لإحداث فرق مهم في انسيابية الحركة الاقتصادية في البلد بما يسمح في رفع معدلات الإنتاج والتجارة”.
وأشار بشكل خاص إلى المرسومين 3 و4 الخاصين بالتعامل بغير الليرة السورية، والقانون 8 الخاص بحماية المستهلك ونسبة 15 في المئة التي فرضت على المستوردين لمصلحة السورية للتجارة والربط الإلكتروني ومعوقات تداول الفواتير.
عكس المعلن
وقد واجهت المنصة انتقادات حادة من أصحاب الفعاليات الاقتصادية، إذ أنها أدت وعلى ما يعاكس الأهداف المعلنة المرجوة منها، إلى تراجع كبير في كمية البضائع المعروضة في الأسواق للبيع، وتراجع في توفر المواد الأولية لجميع الصناعات، وعدم كفايتها لكل المصانع، وهذا يتسبب بارتفاع أسعار المواد الأولية الذي يفرض على الكثير من المعامل التوقف عن العمل وإغلاق بعضها، حسبما نقلت نورث برس سابقا عن اقتصاديين سوريين.
وكانت المنصة تفرض تسديد 50% من قيمة البضاعة بالليرات لسورية عند تقديم طلب التمويل بعد الحصول على إجازة الاستيراد، على أن يتم استكمال المبلغ المتبقي خلال شهر من تاريخ إدخال البضائع للبلد ووضعها في الاستهلاك، وتنخفض تلك النسبة إلى 30% من قيمة بضائع الصناعيين عند التقدم بطلب التمويل على أن يتم تسديد المبلغ المتبقي خلال شهر من إدخال البضاعة.