ماهر مصطفى – دير الزور
نزح حمد من منطقته الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية لإيران، بعد تهديدات تلقاها وأشقائها بسبب رفضهم الانضمام لأي فصيل عسكري، لم يكن الرفض بسبب “العسكرة” بحد ذاتها، لكنهم يرفضون الدروس العقائدية خلال التدريبات في الدورة قبل التجنيد.
حمد الناصر (36عاماً) من سكان بلدة البوكمال بريف دير الزور الشرقي، نزح وعائلته إلى بلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي، والتي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، بعد تلقي أشقائه “عدة تهديدات” للانضمام للفصائل الموالية لإيران، وإجبارهم على تلقي دورات للمذهب الشيعي بعد اعتقالهم لأيام بتهمة رفضهم للمذهب، والتحدث أمام أحد أقربائهم وهو عنصر في الثوري الإيراني، بعد محاولته إقناعهم بالانضمام معه.
مغريات واستغلال
تواصل إيران مشروعها الساعي إلى تغيير ديموغرافية المنطقة، عبر تجنيد الشباب بدير الزور مستغلة أوضاعهم المادية المتردية، والعزف على الوتر الديني والعشائري، وتستغل أيضا تهرب الشباب من خدمة العلم الإجبارية في القوات الحكومية.
كل تلك الظروف تستغلها إيران لزيادة عدد عناصرها في المنطقة وتحاول فرض نفسها كقوة عسكرية، في ظل وجود الروس كمنافس آخر لهم.
يضيف “الناصر”، أن أشقائه الثلاثة خضعوا لدورات عقائدية لشهرين، وبعد تخرجهم حاول سماسرة الحرس الثوري الإيراني زجهم في صفوفه، لكن كان جوابهم بشكل دائم الرفض، لعدم الاقتناع بالفصيل ومحاولة الابتعاد عن العسكرة.
لكن في الآونة الأخيرة، “تزايدت حدة التهديدات والضغوطات علينا، إذ بدأت دوريات الثوري الإيراني تعتقل أشقائي لأتفه الأسباب كل ذلك للضغط عليهم للانضمام”، يقول “الناصر”.
تلجأ إيران عبر سماسرة، لتجنيد أكبر عدد من شباب دير الزور ضمن فصائلها، لتنفيذ أجنداتها في المنطقة، لضمان عدم وقوفهم بوجه مشروعها التوسعي بدير الزور مستخدمة بذلك المذهبية، كما تعمل على كسب ولاء أبناء المنطقة، كما قال ناشطون لنورث برس.
فـعندما دخلت إيران بنهاية عام 2017 بحجة مساندة “النظام” ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وعقب انتهاء القتال بدأ الطريق أمام إيران لبث مذهبيتها العقائدية ونشاطها العسكري في المنطقة.
وخوفاً من رفض عشائر المنطقة بدأت باستدراج شيوخها ووجهائها وشبابها عن طريق الدين أولاً، ثم استغلت تردي الأوضاع المعيشية وانعدام فرص العمل، ومحاولة جذب الشباب الملاحقين أمنياً من أجهزة القوات الحكومية للخدمة الإلزامية والاحتياطية.
إضافة إلى أن سكان المنطقة كانوا منهمكين ومدمرين اقتصادياً بسبب ظروف الحرب، فحاولت إيران إبراز نفسها أنها المنقذ الوحيد في المنطقة، وعلى يدها سيتغير الوضع الأمني والاقتصادي، واستمالت وجهاء المناطق وأصحاب الرأي تدريجياً وصولاً إلى الشباب وزجهم في مشروعها الاستعماري.
حماية مقابل التجنيد
وبعد انتهاء معركة تحرير مناطق غرب الفرات بدير الزور، كان أحمد العلي (28عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد عناصر لواء القدس الموالي لإيران، مع أهله في لبنان التي لجأ إليها أثناء الحرب، وبعد السماح للسكان بالعودة إلى منازلهم في الميادين بريف دير الزور الشرقي، عاد أهله إلى البلدة وبقي هو هناك في لبنان، بسبب تخلّفه عن الخدمة الإلزامية.
ويقول لنورث برس: “بعد عودة أهلي بأشهر قليلة تواصل معي أحد سماسرة إيران في البلدة يدعى أبو علي القرعاني، بناءً على طلب أهلي بأن يؤمن لي الطريق للدخول إلى البلدة عن طريق نقلي بسيارة لضابط في حزب الله اللبناني، مقابل مبلغ 500 دولار أمريكي، وتأمين حماية لي”.
بعد دفعه المبلغ دخل من حمص إلى دير الزور وصولاً إلى منزله في الميادين، “بعدها بيومين قدم القرعاني ليعرض عليَّ الانضمام في فصيل موالٍ لإيران مقابل راتب 250 ألف ليرة شهرياً (أكثر من مئة دولار حينها)، لحمايتي من الخدمة الإلزامية”.
خضع “العلي” لدورة تدريبية في معسكر الإمام علي، لما يقارب الثلاثة أشهر، ليتم بعدها فرزه إلى لواء القدس الموالي لإيران كمقاتل.
يرغب الشباب بالانضمام للحرس الثوري الإيراني والفصائل الموالية له على الانضمام في الأجهزة الأمنية التابعة للقوات الحكومية لعدة أسباب، أبرزها الرواتب المغرية التي تقدمها إيران لعناصرها مقارنة مع رواتب عناصر القوات الحكومية، إضافة لتمتع عناصر الفصائل الموالية لإيران بصلاحيات ونفوذ أكبر، كذلك حمايتهم من ملاحقة وقمع الأجهزة الأمنية في القوات الحكومية.
فبمجرد انضمامهم لتلك الفصائل يتم تأمين الحماية الكاملة لهم ولعوائلهم، وتأمين منازل، للإقامة بها، من المنازل التي يقيم مالكوها خارج المنطقة.
سماسرة
تنشر إيران عدة مكاتب للانتساب لها بمناطق دير الزور، وأهم تلك المكاتب تنتشر في الميادين والبوكمال وحطلة بريف دير الزور الشرقي، وتتبع للمركز الثقافي الإيراني بدير الزور، والذي يشرف عليه معممون إيرانيون، ويتلقون تعليماتهم بشكل مباشر من الحرس الثوري.
تلك المكاتب والمراكز الثقافية تستقطب غالباً فئة الشباب بين 18 و30 عاماً، وتخضعهم لدورات عقائدية بهدف تشييعهم وغسل أدمغتهم، ومن ثم ينقلون إلى معسكرات التدريب الخاضعة للثوري الإيراني والمنتشرة بعدة بلدات بدير الزور،كمعسكر الحمدان في البوكمال والإمام علي بالقرب من المزار بالميادين.
كما تسعى دائماً لافتتاح مراكز ومعسكرات أخرى بالمناطق المأهولة بالسكان، لاستقطاب عدد أكبر من الشباب وتجنيدهم في صفوفها، كل ذلك لنشر المذهب الشيعي وتغيير ديموغرافية المنطقة، وهي جزء من مخططها في إكمال مشروعها (الهلال الشيعي).
يقول “العلي” لنورث برس، إن سبب الانضمام هو ضغوط “القرعاني” عليه، واستفزازه وترهيبه من أجهزة “النظام”.
ويضيف: “لم أجد حلاً سوى الانضمام للفصائل الإيرانية، لأن هاجس الخوف من السجون كان يلاحقني، إضافة لانتساب الكثير من أصدقائي في البلدة إلى تلك الفصائل”.
يقول ناشطٌ في دير الزور، إن إيران استطاعت عبر سياستها كسب الود، وثقة العشائر في مناطق غرب الفرات، وضمت أكبر عدد منهم ضمن صفوفها، دون أي مواجهة، واشترت الولاء لها بمبالغ بسيطة عبر سماسرتها من وجهاء وشيوخ.
كل تلك التحركات والتجاوزات تتم وسط صمت من أجهزة “النظام” خشية التصادم المسلح مع الإيرانيين، إضافة لوقوف ودعم بعض العشائر للثوري الإيراني كـ”عشيرة البكارة”، التي يتزعمها الشيخ نواف البشير، اليد اليمين للحرس الثوري الإيراني بدير الزور.