دمشق.. ارتفاع سعر الصرف يثير حالة من الهلع ويجمد الأسواق
ليلى الغريب ـ دمشق
انخفاض كبير تسجله الليرة السورية مؤخراً مقابل الدولار الذي وصل سعره إلى ما يقارب 11200 ليرة هذا اليوم. إذ تجاوزت الليرة حاجزي 9000 ثم 10 آلاف مقابل الدولار، خلال أسبوعين، وهو ما يعني خسائر في القيمة الشرائية للعملة السورية تصيب العاملين بأجر في الدرجة الأولى، وتجعل قيمة أجورهم لا تكفي لمصروف يوم.
وحسب الأسعار التي تنشرها منصات مراقبة حركة أسعار الصرف، فقد فقدت الليرة أكثر من 12% من قيمتها، وهو ما يعني أن الموظف الذي يتقاضى 120 ألف ليرة (وسطي الأجور) خسر أكثر من 19 ألف ليرة خلال أسبوعين، وتراجعت القيمة الحقيقية لدخله من 13.3 دولاراً في الشهر إلى 11.59 دولاراً، ودون أن يقوم بتحريك أي ليرة من رصيده، كذلك هو حال من لديه رصيد في المصارف.
حالة هلع
وكما اعتاد السوريون فإن أي تغير في حركة سعر الصرف نحو الارتفاع ينعكس مباشرة على جميع السلع، ودون استثناء، بدءاً من الخضار والفواكه، وليس انتهاء بأسعار العقارات والسيارات، التي صار أصحابها يقدرون قيمتها بالدولار، وإن كانوا لا يتعاملون به رسمياً، في إجراء للحفاظ على قيمة أملاكهم.
ويترافق ارتفاع سعر الصرف بحالة من الهلع بين السكان، وبجمود كبير في حركة الأسواق، لأن أغلب التجار يحاولون التوقف عن البيع تحسباً للمزيد من ارتفاع سعر صرف الدولار، ويحاولون الحفاظ على قيمة أموالهم من خلال شراء الدولار، الأمر الذي يؤدي لزيادة الطلب عليه، وإلى مزيد من ارتفاع أسعاره حسب ما أشار إليه أحد التجار لنورث برس.
يقول صاحب محل أحذية، في سوق الخجا بدمشق، لنورث برس، إن البضاعة ارتفع سعرها خلال هذه الأيام بنسبة لا تقل عن 25%، أي أن أقل حذاء ارتفع سعره بين 10-25 ألف ليرة.
وهذا نتج عنه ضعف كبير في حركة الأسواق بسبب الغلاء، وبيّن أن أسعار الأحذية لا يمكن رفعها بشكل يوازي تحرك أسعار الدولار، على عكس المواد الغذائية التي تتم زيادتها مع أي تحرك الدولار، لذلك يفضل التجار تجميد البضائع التي لا يمكن تحريك سعرها بذات السرعة أكثر من بيعها.
أسعار الصرف الجديدة بدأت ترتفع تدريجياً منذ ما قبل عيد الأضحى لتصل إلى 9 آلاف ليرة مقابل الدولار مع بداية الشهر الجاري، ثم بدأت تشهد ارتفاعات متقاربة في القيمة حتى 9 من الشهر الجاري، حيث ارتفع سعر الصرف بمقدار 200 ليرة في يوم واحد، ثم تجاوز حاجز 10 آلاف ليرة في 11 من الجاري، وبقي السعر يوالي الارتفاع حتى وصل اليوم إلى 11200 ليرة، حتى الساعة.
وكانت أسعار الدولار بدأت ترتفع منذ 2022، حيث تراجعت قيمة الليرة السورية منذ ذلك التاريخ بأكثر من 200 ضعف، ورغم ذلك ما زالت الجهات المعنية تطبق السياسات الاقتصادية والنقدية ذاتها.
منعكسات سلبية
ويقول عضو في غرفة تجارة دمشق، إن عدم استقرار سعر الصرف، له آثار ومنعكسات سلبية متعددة، قد تبدأ من عدم القدرة على استعادة التكلفة، إلى عدم الرغبة بالبيع، وعدم الرغبة بالشراء أيضاً.
وأضاف المصدر لنورث برس، أن من الآثار السلبية أيضاً توقف الشركات عن الدعاية والتسويق والتطوير، وعن أي نشاط إيجابي شبيه بالمعارض والمؤتمرات بسبب ارتفاع التكلفة وانخفاض هوامش الربحية، وعدم القدرة على استرداد رأس المال.
بينما يؤدي استقرار السعر إلى خلق توازن بين الإنتاج والعرض والتصدير وكافة الحلقات الإنتاجية.
وبيّن العضو في غرفة التجارة، أنه لا يمكن لأي عمل أن يستمر ما لم يحافظ على رأس ماله وربح إضافي، وبالتالي فإن عدم استقرار سعر الصرف يؤدي إلى عدم القدرة على استعادة رأس المال، وبالتالي توقف الاستثمار.
كما أن انخفاض سعر صرف الليرة يؤدي أيضاً إلى تشوهات اقتصادية بسبب عدم القدرة على استمرار العملية الانتاجية، وإحجام المشتري بسبب توقعه بانخفاض أكبر.
وبالتالي فإن من أهم سمات العمل الإنتاجي والتجاري هو استقرار سعر الصرف وعدم تذبذبه بشكل كبير، لكي لا يؤدي إلى خسائر شديدة تُحرج وتُخرج أصحاب العمل من أعمالهم، حسب رأي التاجر.
غير كافية
وأشار خبير اقتصادي، لنورث برس، إلى أن ارتفاع سعر الصرف زاد من أعباء ونفقات الحكومة بالليرة السورية، مع عدم القدرة على تنفيذ المشاريع الحكومية، لأن اعتمادات المشاريع لم تعد كافية.
كما أن ارتفاع سعر الصرف يزيد الحاجة إلى طباعة المزيد من الأوراق النقدية بفئات عالية لحل مشكلة تداول كميات كبيرة من الأوراق النقدية، وهذا يتسبب بالمزيد من التضخم النقدي.
وعن مبررات رفع السعر قال الخبير الاقتصادي، إن التسعير يتم من خلال فتح القائمين في المصرف المركزي على الصفحات المحظورة والمجهولة المصدر لسعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، ويخفضون السعر بنسبة تصل إلى نحو 10% عن سعر صرف الحوالات، ويتوقع أنه لو تم تحرير سعر الصرف فلن يتجاوز 6 آلاف ليرة.
وأشار الاقتصادي إلى التراجع الكبير في القوة الشرائية الذي تتسبب به أسعار الصرف التي تتحرك بشكل يومي، بشكل يجعل أي زيادة للأجور عديمة الجدوى، مع الارتفاع الكبير في سعر البضائع في الأسواق سواء كانت محلية أو مستوردة.