نساء في الرقة.. الغلاء يدفعهن للعمل والمجتمع يقيدهن
فاطمة خالد – الرقة
لم تكن تعلم سناء، أنه سيسمح لها بالعمل، بعد أن بحثت كثيراً عن فرص معظمها باء بالفشل إلى جانب رفض أهلها لفكرة خروجها من البيت.
اضطرت سناء الموسى (33 عاماً)، وهي من سكان الرقة، للعمل منذ سنة مضت في إحدى مؤسسات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لكي تكون قادرة على تأمين مصاريف دراستها، وهذا أمر أثقل كاهلها بسبب ساعات العمل الطويلة.
جميع هذه الأمور لا تشكل عائقاً حقيقياً بالنسبة لـ “الموسى” مقارنة بقيود العادات والتقاليد المتوارثة في المنطقة، والفكر العشائري السائد فيها.
ويحظر الفكر العشائري، عمل النساء والفتيات، بسبب قيود وأطر رسمها بعدم عمل المرأة، لكن الظروف المعيشية الصعبة وحركات النزوح أسهمت نوعاً ما ببعض التجاوزات.
يتطلب عمل “الموسى” أن تكون أكثر جرأة، ويجب أن يكون هناك اختلاط مع الناس، والكثير من الأمور التي لطالما مُنعت منها في طفولتها، على حد قولها.
وتعيش نساء في الرقة بظل عادات وتقاليد متوارثة، تؤثر سلباً عليهن وعملهن في قطاعات مختلفة، وتعتبر تلك العادات أن العمل “معيب”.
تعتبر فكرة عمل النساء في مجتمع عشائري “مرفوضة”، مع بعض الحالات الاستثنائية، ممن عملن في قطاعات محددة مسبقاً كالتعليم مثلاً، لكن اليوم هناك انفتاح لدى عائلات بالسماح لنساء بالعمل في قطاعات مختلفة.
وفي قطاع آخر تعمل إسراء الأحمد (26 عاماً)، في أحد مخابر التحليل القريبة من بيتها بعد أن اكتسبت الخبرة في مجال التحاليل الطبية، أثناء عملها في ذات المخبر كموظفة استقبال.
تذهب “الأحمد” إلى العمل الساعة الثامنة صباحاً، لتعود في الرابعة عصراً إلى المنزل وهو “وقت محدود” أي أنها ملزمة بهذا الوقت دون تأخير أو تقديم، وستكون أمام مسائلة وربما محاسبة على أي دقيقة خارج ذلك الوقت من قبل والدها.
وتجد الفتاة في العمل كل هذه الساعات، “مهرباً وحيداً”، بعد أن زُوّجت في السادسة عشر من عمرها، لتطلَّق بعد ذلك بفترة قصيرة.
وبحسرة تقول لنورث برس: “لا أستطيع البقاء في البيت مكتوفة اليدين بينما ينظر إلي أهلي وجيراني على أنني مطلقة، فنظرتهم تلك وحسب التقاليد، أن المطلقات لا ينفعن لشيء وقد يكنَّ عالة على المجتمع”.
ولا تزال الفتاة تكافح لأجل البقاء في العمل، رغم أن والدها في كل فترة يجبرها على تركه، زاعماً أنه من المعيب أن تعمل الأنثى أو تخرج ويراها الآخرون.
وتضيف إنها مجرد أفكار وتقاليد “خاطئة” اعتادوا عليها منذ صغرهم وتوارثوها عبر الأجيال، لكنها بالنسبة لها ولغيرها من النساء مجرد قيود تجبرهن على الطاعة والاستماع “شئن أم أبين”، على حد وصفها.
بينما تقول زينة العلي وهي في الثلاثين من عمرها، إن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” طُرد من المنطقة، لكن لا يزال البعض من الرجال هنا متشبثين بمعتقد “النقاب سترة” الذي أدرجه التنظيم فترة وجوده.
تعمل “العلي” في محل لبيع الألبسة وبأجر ضئيل لتساعد زوجها بإعالة الأسرة وتأمين احتياجاتها، لكنها مجبرة على ارتداء النقاب عند الخروج من المنزل “كما طلب مني زوجي”.
وتضطر لفعل ما تُؤمر به، كما قالت، وذلك لأنها بحاجة للعمل لتأمين احتياجاتها ومساعدة زوجها في إعالة الأسرة، إذ يعجز الرجل عن تأمينها، وتجد نفسها مُجبرة على تنفيذ أمره لأنه اشترطه في البداية للسماح لها بالعمل.
وتقول لنورث برس: “للأسف تلك العادات والتقاليد خانقة في بعض الأحيان، والمؤسف أكثر أنهم يرون أنفسهم على صواب وأنه لا يجب الاعتراض على هذه التقاليد الجافة”.