عاصر أوج المنسوب.. سبعيني أمضى حياته في سد المنصورة بات لا يعرف الفرات الآن

مصطفى الخليل ـ الرقة

يترقب حسين، بشكل شبه يومي ارتفاع منسوب مياه نهر الفرات وعودته إلى مستواه الطبيعي كما في السابق، قبل قيام تركيا منذ عدة سنوات، بحبس مياهه بقصد الضغط سياسياً على شمال شرقي سوريا.

لكن حسين الشحادة (64 عاماً) من قرية أبو قبيع 20 كم غرب الرقة، يصاب بالإحباط كلما جاء إلى نهر الفرات، والذي لا يبعد عن منزله سوى أمتار قليلة، إذ إنه يلاحظ تناقص منسوب مياهه يوماً بعد يوم وهو كان أحد أقدم عمال السد التنظيمي.

وانخفض منسوب نهر الفرات في الآونة الأخيرة بمعدل خمسة أمتار بسبب حبس تركيا لمياه النهر بحيث بات لا يتجاوز تدفقه 200 متر مكعب في الثانية، وهو ما يشكل انتهاكاً خطيراً لبروتوكولات الاتفاقية الموقعة بين سوريا وتركيا عام 1987؛ حيث التزمت تركيا حينها بإطلاق 500 متر مكعب في الثانية على الأقل يتقاسمها العراق وسوريا.

يقول “الشحادة” لنورث برس: “هذا الذي نراه ليس نهر الفرات، ولا يشبهه بأي شكل من الأشكال، أعرفُ مياه الفرات قطرة قطرة، وأستطيع قياس سرعتها ومستوى تدفقها بالنظر”.

ويردف: “الفرات كان نهراً عظيماً، سريع التدفق، مياهه عذبة رقراقة، ولكن تركيا حولته لمستنقع راكد”. 

“السد التنظيمي”

باشرت الحكومة السورية بإنشاء السد التنظيمي في الثمانينيات، وانتهت من العمل به مطلع تسعينيات القرن الماضي، وذلك لتنظيم مجرى نهر الفرات، ومعايرة نسبة التدفق فيه، ولتخفيف الضغط المائي عن سد الفرات في أوقات الفيضانات، إضافة لتوليد الطاقة الكهربائية. 

يقول “الشحادة”، أُنجز السد التنظيمي بالكامل بخبرات سورية، “وعندما باشرنا العمل به كنا نواصل الليل بالنهار على ثلاث ورديات، وكان عدد العاملين في فترة من الفترات قرابة 4000 آلاف شخص، من عمال وفنيين ومهندسين، من جميع المحافظات السورية”.

ويأتي السد التنظيمي الواقع بمحاذاة قرية الحمام من الطرف الغربي مسافة 25 كم عن سد الفرات بمدينة الرقة، في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية بين السدود الثلاثة المقامة على نهر الفرات، وهي سد الفرات بالقرب من مدينة الطبقة، وسد تشرين في ريف منبج الجنوبي الشرقي.

“قطع اليد العربية”

يُحملُ “الشحادة” تركيا مسؤولية انخفاض منسوب الفرات، والحال الذي آلت إليه المنطقة بسبب ذلك، متوقعاً في حال استمرارها بسياسة حبس المياه أن يضطر الكثير من أبناء المنطقة إلى الهجرة خارج البلاد بحثاً عن مصدر للرزق. 

ويقول السبعيني: “من يحتلك أربعمائة سنة لن يحبك، ومن يتحين الفرصة لاحتلال أرضك وتهجيرك منها لن يحبك أبداً”.

ويورد “الشحادة” مثلاً متداولاً على ألسنة الأتراك يبين مدى حقد الشخصية التركية على الإنسان العربي: “إذا كانت يدك عربية فاقطعها”.

ويقول: “تركيا دوماً تستخدم سياسة حبس مياه نهر الفرات كسلاح بوجه السوريين لدى وقوع أي خلافات بين الطرفين”.

ويبلغ طول نهر الفرات من منبعه في تركيا حتى مصبه في شط العرب في العراق حوالي 2940 كم منها 1176 كم في تركيا و610 كم في سوريا، و1160 كم في العراق، ويتراوح عرضه بين 200 إلى أكثر من 2000 متر عند المصب. 

وهذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها “الشحادة” قيام تركيا بحجب مياه نهر الفرات، ففي عام 1998 عندما كان على رأس عمله في السد التنظيمي، قامت تركيا كذلك بتخفيض نسبة تدفق الفرات، لكن الأمور ما لبثت أن عادت إلى مسارها المعتاد بعد توقيع أنقرة ودمشق اتفاقية أضنة في السنة ذاتها.

انقراض طائر “بجع الماء”

واضطر “الشحادة” كغيره من مزارعين تقع أراضيهم على حوض الفرات، لاستخدام محركات الديزل لري مزروعاتهم بسبب شح المياه. 

وتكاد تكون الطاقة الكهربائية معدومة في المنطقة بسبب عدم مقدرة عنفات السدود على الدوران نتيجة ضعف تدفق المياه. 

ومطلع شهر آذار/ مارس المنصرم، اضطرت الإدارة العامة للسدود في شمال وشرق سوريا، لإيقاف عمل سد تشرين بشكل كامل لمدة أسبوع، وذلك بسبب انقطاع التيار الكهربائي، نتيجة تدني منسوب مياه بحيرة السد والتي انخفضت لمستوى المنسوب الميت (320,00) متر عن سطح البحر، ما أدى لانعدام القدرة على التشغيل الآمن. 

وفي تصريح سابق، قال عماد عبيد وهو إداري في سد الفرات لنورث برس، إنهم استنزفوا 3.5 مليار متر مكعب من المخزون الاستراتيجي لبحيرة سد الفرات في الطبقة، شمالي سوريا.

ووصل منسوب البحيرة في الوقت الحالي إلى 10.5 مليار متر مكعب من أصل 14.5مليار متر مكعب، بسبب استنزافها نتيجة قلة الوارد المائي من تركيا، بحسب المسؤول.

ويشدد “الشحادة” على أن أضرار حجب تركيا لمياه نهر الفرات لم تقف عن هذه الحدود فقط، بل إنها طالت الغطاء النباتي الطبيعي الذي انعدم بشكل شبه نهائي، كأشجار الغرب والطرفة. 

 وكذلك أدت لفقدان العديد من أنواع الأسماك في نهر الفرات، إضافة لاختفاء طائر نعجة الماء “بجع الماء” والذي كان ينتشر بكثرة في أدغال النهر. 

أُمنية السبعيني الوحيدة في هذه الحياة، هي أن تعود مياه نهر الفرات للتدفق كما في عهده السابق، جازماً أن هذه الأمنية لن تتحقق إلا في حال اتفاق جميع السوريين فيما بينهم لحل كل مشاكلهم، بهدف التصدي للكارثة التي خلفتها تركيا بحبسها لمياه نهر الفرات، على حد تعبيره.