غرفة الأخبار – نورث برس
سجلت الليرة السورية انهياراً تاريخياً أمام الدولار الأميركي، بعد وصول سعر الصرف في السوق السوداء إلى أكثر من عشرة آلاف ليرة سورية، كما لم تنجح مساعي الحكومة السورية في إقناع أقرب حلفائها “روسيا وإيران والصين”، في جلب استثمارات حقيقية إلى سوريا لمساعدة الاقتصاد المنهار، فيما لا تزال الدول العربية المطبعة مع الأسد تعيش حالة من التردد في بدء الاستثمار في سوريا خشية تعرضها للعقوبات الأميركية والغربية المفروضة على الحكومة السورية.
وقال باحث اقتصادي، إن البنك المركزي “استنفذ” أدواته واحتياطه للدفاع عن قيمة العملة السورية، ويعمل حالياً على تسهيل نقل وتحويلات العملة الصعبة ومجاراتها في السوق السوداء “كي لا تفقد قيمتها أكثر”.
وأضاف الدكتور مسلم طالاس، وهو باحث اقتصادي سوري في المعهد الألماني للتنمية والاستدامة (IDOS)، لنورث برس، أن “الحكومة السورية غير قادرة على وقف نزيف الليرة السورية المتواصل”، معتقداً أنها “لا تملك حلولاً نقدية ولا تتوفر لديها عملة صعبة للدفاع عن قيمة الليرة من الهبوط التاريخي، وهو ما يفسر مجاراتها للتداول في السوق السوداء”.
وأرجع الباحث الاقتصادي، سبب ذلك إلى “انكماش الاقتصاد السوري بحوالي 70% خلال سنوات الحرب، وتراجع الناتج المحلي من حوالي 60 مليار دولار قبل الحرب إلى حوالي 20 مليار الآن”.
وأشار “طالاس” إلى أن البنك المركزي بحاجة إلى احتياطي عملات صعبة لوقف انهيار العملة، وهو ما لا يملكه في الوقت الحالي، كما أنه خسر الكثير من احتياطاته في الفترة الماضية خلال محاولات وقف الانهيار المستمر لليرة.
تدهور بعد القمة
لكن التدهور الجديد جاء بعد استئناف غالبية الدول العربية، بعد طول انقطاع، علاقتها مع دمشق، إذ أن الأخيرة تتطلع إلى دور عربي في مرحلة إعادة الإعمار فيما تفرض عليها دول غربية عقوبات اقتصادية خانقة.
وتجلت أولى الخطوات الفعلية للتطبيع بمشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية الـ32 التي انعقدت في 19 أيار/مايو الفائت، في مدينة جدة السعودية، وكانت أول قمة منذ 12 عاماً, تشهد إزالة الستار عن مقعد الرئاسة السورية، بعد أن كانت مستثناة من المشاركة منذ عام 2011، بسبب الحرب الدائرة في البلاد، والخلاف العربي على شكل وممارسات الحكومة في دمشق.
وعن الانفتاح العربي على دمشق وعدم مساهمته في تحسين الاقتصاد، يرى الباحث، أن الانفتاح لحد الآن “لم يتخطَ أجواء الاحتفال والشعارات، ولم ترافقه خطوات اقتصادية ملموسة”.
ونوه إلى أن الدول المطبعة لم تتخذ خطوات اقتصادية عملية على أرض الواقع، “والولايات المتحدة صاغت قانون مكافحة الكبتاغون كعقوبات على دمشق”، مضيفاً أن “الدول تتخوف أو لم تتجرأ حتى الآن على القيام بخطوات اقتصادية كبيرة”، بحسب “طالاس”.
وساهمت العقوبات الغربية بجعل الوضع أكثر سوءاً، ونقص الموارد المالية للحكومة وتمويل ذلك العجز بطبع عملة جديدة وطرحها في السوق, كما أنه تخشى بعض الدول المنفتحة على دمشق من عقوبات اقتصادية تطالها في حال البدء بمشاريع اقتصادية بسوريا قبل عملية الانتقال السياسي.
وأشار أحد المتابعين للشأن الاقتصادي، لنورث برس، إلى أن الأموال التي وصلت سوريا من دولة الإمارات فقط تصل إلى 3 مليار دولار، وأن مبلغاً كهذا يمكن أن يحدث تأثيراً إيجابياً فيما لو تم التعامل به بما ينعكس بالفائدة على الاقتصاد والمواطنين.
ولكن “هذا لم يحصل، والسرقات تحصل جهاراً”، حسب قوله، من قبل أطراف ينتمون لجهات عامة تنتهي تبعيتهم “لأصحاب مناصب متقدمة”.
وتوقع “طالاس” هبوطاً مستمراً لليرة السورية في الفترة القادمة، ولكنه قال: “في حالة عقد اتفاقات سلام في سوريا وتدفق الاستثمارات والشركات الاقتصادية، من الممكن أن تتوقف الليرة السورية عند حدود معينة”، إلا أنه استبعد تحسنها وعودتها إلى ما كانت عليه، على حد تعبيره.
خط الفقر
ورغم تراجع وتيرة المعارك في البلاد، حيث أودى النزاع بقرابة نصف مليون شخص وهجّر الملايين ودمّر البنى التحتية، إلا أنها لا تزال تعاني من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة.
ويعيش غالبية السوريين اليوم تحت خط الفقر، ويعاني أكثر من 12 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفق الأمم المتحدة، فضلاً عن 2,7 مليون يعانون من انعدام شديد في الأمن الغذائي، بينما ترتفع أسعار السلع الأساسية بشكل مستمر في أنحاء البلاد.
وبحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بمتابعة أسعار الصرف بالسوق السوداء، فقد وصل سعر صرف الليرة أمام الدولار في المدن السورية إلى أكثر من عشرة آلاف ليرة, ما يعني أن كل مائة دولار تعادل أكثر من مليون ليرة سورية.
من جهته، أصدر مصرف سوريا المركزي لائحة أسعار جديدة لسعر الصرف خاصة بالحوالات المالية والصرافة، الأربعاء الفائت، والتي قدر فيها سعر الدولار بـ9200 ليرة فقط، وذلك للمرة الثالثة خلال أربعة أيام.
“المواطن دائماً متضرر”
وقال صرّاف في القامشلي، (فضل عن عدم ذكر اسمه)، إن إقبال السكان “جيد”، وهذا الارتفاع من صالح من لديه دولار أو راتبه بالدولار، ولكن في النهاية الضرر سيلحق بالجميع.
وأضاف الصراف لنورث برس، أن “التاجر يستغل ارتفاع الدولار، فنتفاجأ أن سعره كان بالأمس 10,500 ليرة واليوم خفض إلى 10,000 ليرة، فهذا الفرق يكون من صالح التاجر في استغلال السكان”، وقال: “المواطن دائماً متضرر”.
وأشار إلى وجود نظام في الصيرفة، (نظام الخزينة) “هو أن نشتري ألف ونبيع ألف ودائماً هناك خاسر وهناك رابح. وإذا لم تنسق ذلك فسوف تفلس، والفرق ليس بدولار أو دولارين إنما بالملايين”، بحسب الصرّاف.
ومن جهتها، تحدثت موظفة في الإدارة الذاتية عن معاناتهم مع الراتب الضئيل والذي هو 550,000 ليرة سورية (أقل من 50 دولار)، وبخيبة أمل تقول: “كيف سأقارن راتبي مقابل الدولار المرتفع، ولا أستطيع حتى مقارنته بالمعيشة، فأنا كيف سأُعيّش أولادي؟، وكيف سأعيش أنا أو حتى كيف سأتأقلم مع هذا الوضع، والأسعار التي تزيد في كل لحظة للضعف، وسعر الصرف ليس معقولاً”.
وأضافت أنه “نحن كموظفي إدارة ذاتية، نستلم رواتبنا بالليرة السورية، فكيف سنعيش؟