تحديد النسل.. واقع يفرضه الدخل والنزوح في شمال شرقي سوريا

فاطمة الخالد/ نالين علي ـ الرقة/ القامشلي

تعتبر فكرة تحديد النسل فكرة مستحدثة في المجتمع السوري عموماً وبشكل أخص في المناطق ذات البعد العشائري.

يتناول المجتمع هذه الفكرة حسب المستوى الثقافي والوعي الاجتماعي, ولكن واقع الحال في سوريا ومفرزات الحرب فرضت على الجميع أفكاراً وأساليب جديدة ومنها تحديد النسل التي أصبحت فكرة مرحبٌ بها لدى كثيرٍ من العوائل.

نزوح

زوزان إبراهيم (38 عاماً) نازحة من مدينة كوباني, وتقيم في القامشلي شمال شرقي سوريا منذ قرابة 7 أعوام, عانت من ويلات النزوح وتغير الظروف الاقتصادية والاستقرار.

تقول السيدة وهي أم لطفل ذو 6 سنوات، لنورث برس: “بعد نزوحنا من مدينتنا عانينا جداً بسبب ظروف الحرب والنزوح, الأمر الذي أجبرني على عدم التفكير في إنجاب أطفال آخرين مع غياب استقرار “.

ومن وجهة نظرها، فإن البدء بتأسيس حياة جديدة “يتطلب الكثير” من الأمور المعيشية خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تعاني منها معظم العائلات في شمال شرقي سوريا، “وهذا أحد الأسباب لعدم تفكيري في إنجاب أطفال آخرين”.

وتدفع عائلة “إبراهيم”، بسبب نزوحها وابتعادها عن منزلها في كوباني، كل شهر 70 دولاراً كإيجار للمنزل، عدا المصاريف والمستلزمات المنزلية للعائلة، “فموضوع إنجاب طفل جديد سيزيد من أعبائنا الاقتصادية أكثر”.

وضع اقتصادي

أصبح الوضع الاقتصادي وأعباء المعيشة تثقل كاهل السوريين وبات الجميع يفكر كيف يحصّل احتياجاته الأساسية و يتدبر أمره ولو اضطر لتحديد النسل كحل من الحلول.

أمل العبد (٣٧ عاماً)، من سكان الرقة، شمالي سوريا، تعيش حالة من الحيرة والقلق حول مستقبل أبنائها الثلاثة، كما تقول، لذا قررت الأم أن تحدد النسل، وتقف عند هذا الحد من الأبناء.

“العبد” وزوجها قررا عدم الإنجاب بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي بات أغلب سكان سوريا يعيشونها، إذ لا بد من “التفكير ملياً بالمستقبل المجهول والتخطيط جيداً لحياة أفضل”.

بالرغم من رفض أهل زوجها لهذا الأمر كونهم يعتبرونه أمراً مخالفاً للشريعة الإسلامية ومن ثم لعاداتهم، لكن الأم مقتنعة بما تقول.

ويتفاخر سكان في الرقة بكثرة الأولاد، لذلك تنتشر الزيجات المتعددة في المنطقة ذات الطابع العشائري، وفي الغالب يهدفون من تلك الزيجات لزيادة نسلهم.

ولكن “العبد” ومن في مثل حالها، يجمعن أن تحديد النسل أو الاكتفاء بعدد قليل من الأطفال هو أفضل بمئة مرة من الإنجاب ومن ثم العجز عن تأمين احتياجات المواليد الجدد.

رأي مختصين

أوضح الأخصائي بالأمراض النسائية بالقامشلي، الطبيب رضوان محمد, لـنورث برس, أن نسبة عمليات الإجهاض للنساء “ازدادت في السنوات الأخيرة, ويعود السبب “لتدني الوضع الاقتصادي والمعيشي بالمنطقة”.

وأضاف: “نحن نقوم بإجراء عمليات الإجهاض فقط في حال وجود مشكلة طبية”, كمثال وفات الجنين ببطن الأم, أو مشاكل صحية أخرى, لكن في حال قيام الأم بالإجهاض دون موافقة الزوج, يعتبر ذلك إجهاض جنائي ولا أحد يتحمل المسؤولية سواء الطبيب أو المشفى.

وأشار الطبيب أن “الأفضل هو تنظيم الأسرة, أي أن يكون هناك فارق سنوي بين كل طفل لا يقل عن عامين, كما نفضل عملية منع الحمل على عمليات الإجهاض التي تحدث, لأنها محفوفة بالمخاطر”.

وربط الطبيب عمليات الإجهاض بالوضع المادي والاقتصادي والاجتماعي الذي يفرض نفسه على المنطقة, وعدم قدرة الأهالي على تحمل أعباء إضافية ومستلزمات الأطفال “أغلب عمليات الإجهاض التي نستقبلها تكون بسبب عدم قدرة الوالدين على تحمل تكاليف تربية الطفل“.

رأي آخر

زهرة المحمد (40 عاماً) لها رأي مختلف عن سابقتها، إذ لا تؤمن المرأة بفكرة تحديد النسل “مهما كانت الظروف المعيشية والاقتصادية فالأمرين ليسا مرتبطين بالإنجاب”.

تقول المرأة لنورث برس، إن “الإنجاب نعمة ورزق قد يُحرم الكثير منها، لذا لا يجوز تحديد النسل مهما كانت  الأحوال”.

تضيف “المحمد”، وهي أم لخمسة أبناء ذكور وبنت، “لن أتوقف عن الإنجاب ما دام الله يعطيني وسأنجب أختاً لطفلتي الصغيرة كي لا تبقى وحيدة”.

وتعمل المرأة في الزراعة إلى جانب زوجها وترى أنه عندما يكبر الأبناء، سوف يعملون لذا “إن كانوا ثلاثة أو خمسة لا فارق فهم سيعملون وينتجون”.

تحرير: تيسير محمد