الأزمة السورية.. جمود أم انتظار الخطوة مقابل الخطوة؟
ليلى الغريب ـ دمشق
حالة من الجمود عادت الأزمة السورية لتعيشها بعد فترة من الحراك السياسي الذي بدا أنه يمهد للبدء في مسار حل جديد في سوريا، والذي أثار جدلاً وتوقعات ببدء مسار تؤدي فيه الجامعة العربية دوراً محورياً، خاصة بعد التحركات التي أفضت إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ثم مشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة العربية في أيار/ مايو الماضي.
حالة الجمود هذه تثير تساؤلاً فيما إذا دخلت الأزمة السورية مرحلة جديدة من التخلي الدولي والعربي، ومن جمود يعززه غياب مصلحة للقوى المحلية والإقليمية والدولية في وضع حد لتلك الأزمة المستمرة منذ أكثر من عقد؟
ركود سياسي وانهيار اقتصادي
ومع حالة الجمود تلك، يبقى الانهيار الاقتصادي وحده هو الذي يواصل التحرك في البلاد التي تستفيق كل يوم على أخبار من نوع “انهيار جديد في قيمة الليرة” التي لامست حد 10 آلاف أمام الدولار الواحد.
رغم ذلك، فقد شهدت الأزمة السورية تطوران: تمثل الأول بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء “مؤسسة دولية جديدة لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم وتقديم الدعم للضحايا وأسرهم”، وهي خطوة وصفتها دمشق بأنها “مسيسة” بينما الأمم المتحدة رأت أنها “تاريخية”.
أما التطور الثاني فتمثل بزيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق ولقائه الأسد، وهي زيارة كانت تحمل عدة مؤشرات، أهمها أن المبادرة الأردنية ـ العربية للحل، ما زالت على الطاولة، وأن حالة الجمود في المرحلة السابقة قد يكون سببها هو انتظار الخطوة التي ستقوم بها دمشق.
ويأتي ذلك حسب بنود المبادرة العربية التي تنص على الحل وفق “خطوة مقابل خطوة”، وذلك بعد الخطوة العربية باستعادة سوريا لمقعدها، والحضور الذي سجله الأسد في قمة العرب الأخيرة، وهو حدث احتفت فيه الوسائل الموالية على أنه “انتصار سياسي”.
يقول محلل سياسي مقيم في دمشق لنورث برس، إن ما تشهده الأزمة السورية هذه الأيام، “لا يعد جموداً بل هي مرحلة تقع في صلب المبادرة العربية التي وضعت خطوطها العامة في اجتماع جدة بالسعودية، ولاحقاً في لقاء عمان الخماسي بالأردن، الذي تبلورت فيه تلك المبادرة”.
ونصت المبادرة على مبدأ “الخطوة مقابل خطوة”، كما نصت بعض أسس مسار الحل الجديد، الذي تضمن إشارة إلى القرار الأممي رقم 5524، إضافة إلى أنه نص على “محاربة الإرهاب”، و”تهريب المخدرات” من سوريا.
خطوة مرتقبة
ويضيف المحلل السياسي أن الدول العربية، بقيادة السعودية وافقت على استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، ومنحت الحكومة السورية اعترافاً صريحاً لا يتمثل فقط بحضور الأسد إلى القمة، وكلمته هناك، بل بالدعم الذي يمكن أن تحصل عليه.
لكن ذلك سيبقى، بحسب المحلل السياسي، “رهناً بموقف دمشق نفسها، وقيامها بالخطوة المرتقبة بعد ما قدمته لها الدول العربية، وهو ما لم يحصل حتى الآن”، ويربط ذلك بحالة الجمود “فالمبادرة لم تتوقف، لكنها بانتظار الخطوة السورية”، بحسب قوله.
ويوضح أن الصفدي لم يأت إلى دمشق ممثلاً لبلاده، بل ممثلاً للدول التي تبنت تلك المبادرة وهي التي تحاول أن توجد حلاً وسطاً يرضي الجميع، ويحقق مصالح القوى صاحبة النفوذ، دون أن يكون محور مسار الحل القرار 2254، وإن تضمنت المبادرة الإشارة إليه.
ويشير إلى أن الإعلام الرسمي في البلدين تحدث عن أن الطرفين بحثا الحل السياسي للأزمة السورية، وخاصة “عودة اللاجئين”، إلا أن الإعلام الأردني كان أكثر وضوحاً بالحديث عن الجانب الآخر من المحادثات الذي تناول خطر تهريب المخدرات، وهو على ما يبدو الخطوة التي ينتظر العرب من دمشق أن تبذل جهوداً بخصوصها مقابل خطوة استعادة دورها في الجامعة العربية.
خطوات لا يبدو أنها ستكون معنية بتنفيذ القرار 2254، خاصة بعد “تطبيع العلاقات” مع القيادة السورية، وإنما بتحقيق مسار “حل عربي”، لا يبدو أنه يركز، في المدى المنظور على الأقل، على تغيير سياسي، بقدر ما يحاول أن يطوق الآثار والتداعيات التي أفرزتها الأزمة السورية وطالت حتى تلك البلدان، بحسب رأي المحلل المقيم في العاصمة دمشق.
لجنة مشتركة
وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي زار دمشق قبل أيام، والتقى الأسد، إضافة إلى نظيره السوري فيصل المقداد، وحسب وكالة “بترا” الأردنية، فقد ناقش الصفدي مع الأسد “الخطر الذي يمثله تهريب المخدرات عبر الحدود السورية إلى المملكة وضرورة التعاون في مواجهته”.
كما اتفق مع المقداد على تشكيلة “اللجنة المشتركة لمكافحة تهريب المخدرات”، وعلى التوافق على موعد لعقد الاجتماع الأول لها في عمّان.
بينما أغفل الإعلام الرسمي السوري ذلك، واكتفت وكالة “سانا” بالحديث عن أن اللقاء بين الأسد والصفدي ناقش “العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى قراهم وبلداتهم”، و”ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات الإعمار والتأهيل بكل أشكالها”.