رضوخ أم صفقة؟.. أنقرة تبتعد عن طريق السويد نحو الناتو
غرفة الأخبار – نورث برس
لمّحت الولايات المتحدة إلى تقارب مع تركيا بخصوص صفقة إف – 16 المعلقة، تزامناً مع حديث حول دعم عضوية أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، عقب شبه موافقة تركية على انضمام السويد للناتو بعد عراقيل وضعتها أنقرة في ذاك الطريق.
إلا أن ملفات أخرى تبدو أنها أثرت على الموافقة التركية كالحرب الروسية الأوكرانية وما يبدو مساهمة في إدخال تركيا بموقف غير منحاز من الصراع، وإعادة النظر بعلاقاتها مع روسيا، والخلافات بين أنقرة وأثينا.
وخطت قضية عضوية السويد لحلف الناتو خطوة كبيرة إلى الأمام، أمس الاثنين، بعد أن وافقت تركيا على إزالة واحدة من آخر الحواجز مقابل المساعدة في إحياء فرص تركيا في بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
لكن لا بد من وجود جانب غير معلن للتوافقات التي جرت مؤخراً على هامش قمة حلف الناتو الجارية، إذ من المنطقي الحديث في المقابل عن تنازلات تركية في خضم الحرب الروسية الأوكرانية والضغط الغربي الواضح على أنقرة خلال وبعد الانتخابات التركية الأخيرة، لتبيان موقف جاد تجاه روسيا.
وفي محادثات في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، حيث يجتمع الرئيس الأميركي جو بايدن ونظرائه في حلف شمال الأطلسي في قمة تستمر يومين بدأت، اليوم الثلاثاء، تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوضع بروتوكول انضمام السويد أمام برلمان بلاده “في أقرب وقت ممكن”.
وبدا كأنه انتصاراً للحلف حين أعلن أمينه العام ينس ستولتنبرغ عن الخطوة بعد محادثات جرت بين أردوغان ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون عشية القمة.
ولم يعلق أردوغان على هذه الخطوة – حتى الآت- إلا أن الكثيرون يرونها مرتبطة جزئياً بمطالب تركيا، لا سيما رغبة أردوغان في دعم عضوية الاتحاد الأوروبي من القادة الأوروبيين وطائرات F-16 المقاتلة من الولايات المتحدة.
تلميحات أميركية
ورحّب الرئيس الأميركي جو بايدن، في بيان، بالاتفاق، وقال إنه سيعمل مع تركياعلى تعزيز الدفاع والردع في المنطقة الأوروبية الأطلسية، معرباً عن تطلعه إلى الترحيب بالسويد كالحليف الثاني والثلاثين في الناتو.
وبينما لم يشر تصريح بايدن إلى صفقات مع تركيا، قال مستشاره للأمن القومي جاك سوليفيان، علانية في مؤتمر صحفي، الثلاثاء، إن الرئيس بايدن يعتزم المضي قدماً في نقل طائرات إف-16 إلى تركيا بالتشاور مع الكونغرس.
ودعمت إدارة بايدن رغبة تركيا في شراء 40 طائرة F-16 جديدة بالإضافة إلى مجموعات التحديث من الولايات المتحدة.
إلا أنها خطوة عارضها البعض في الكونغرس، وعلى الأخص رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب مينيندي، لعوامل عدة من بينها منع أنقرة عضوية ستوكهولم في الناتو، وسجل تركيا في مجال حقوق الإنسان، ومواقف معادية لليونان ومخاوف أخرى بما في ذلك علاقاتها العميقة مع روسيا.
وفي تصريحٍ مثير للاهتمام، قال مينينديز إن هناك “هدوءً مؤقتاً” في “عدوان تركيا على جيرانها”، وقال إنه يجري محادثات مع إدارة بايدن بشأن التعليق الذي فرضه على تركيا في ما يتعلق بالمبيعات الأميركية المستقبلية لطائرات F-16 المقاتلة إلى أنقرة.
وقال مينينديز إنه بينما لا يزال لديه مخاوف بشأن تركيا، يمكنه اتخاذ قرار بشأن الصفقة الأسبوع المقبل.
في غضون ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن الوزير لويد أوستن، تحدث عبر الهاتف، أمس الاثنين، مع نظيره التركي ياسر غولر، لمناقشة أهداف الدفاع المشتركة الثنائية والمتعددة الأطراف.
في المكالمة ناقش الوزيران المحادثات بين تركيا والسويد والأمين العام لحلف الناتو ستولتنبرغ، بالإضافة إلى دعم وزارة الدفاع لتحديث تركيا العسكري.
ملفات تُفرض على تركيا حلها
في الظاهر، قد يرى مراقبون من خلال التلميحات الأمريكية إن تركيا تحصل على مزايا وتربح صفقات، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخلافات بين الأحلاف تبقى في فحوى البيانات الرسمية أقل ترويجاً، يبدو أن تركيا تخطو خطواتها تحت ضغوط غربية، و ليس بالضرورة أن تفوز أنقرة بثناء من دون تنازلات.
والسيناتور مينينديز، أشار إلى حالة عدم منح تركيا شيء ما لم يقدم تنازلات، بالقول “إذا تمكنت إدارة بايدن من إيجاد طريقة لضمان توقف العدوان التركي على جيرانها، وهو ما حدث في الأشهر العديدة الماضية، فهذا عظيم ولكن يجب أن يكون هناك واقع دائم”.
وقال مينينديز أيضًا إن هناك حاجة إلى طريقة “لتعزيز أمن اليونان” والحصول على “تأكيدات بشأن الإجراءات المستقبلية”.
وكانت تركيا تتمتع نسبياً بالحياد خلال فترة الحرب ضد أوكرانيا، ودخلت في خلاف مع الحلف في ملف الجزر اليونانية، وكذلك مع الاتحاد الأوربي فيما يتعلق بقضايا اللاجئين وآخرى حقوقية.
لكن وبعد فوزه بشق الأنفس في الانتخابات الأخيرة، لم يعد بامكان الرئيس التركي البقاء بموقف لا منحاز، وحان الوقت لتبيان موقفه من الصراع الغربي الروسي أو الغربي الشرقي إذا شمل الحديث التمدد الصيني أيضاً كنطاق أكبر للصراع الدولي.
وبالفعل أثارت تكتيكات المماطلة التركية غضب الحلفاء الآخرين في الناتو، بما في ذلك الولايات المتحدة.
واستخدم قادة المعارضة التركية علاقات أردوغان المضطربة مع الجوار ومع الغرب كوسيلة دعائية، وكادوا أن يحققوا انتصاراً في الانتخابات، التي شهدت بالمقابل اتهامات مكثفة من حكومة العدالة والتنمية للدول الغربية بدعم المعارضة.
يبدو أن الفارق الذي حققته المعارضة وهي كانت على وشك الحصول على نصف أصوات الناخبين الاتراك، ومع تدهور الإقتصاد التركي، دفع أردوغان إلى إعادة التفكير في تنظيم علاقتاته ما بين روسيا والغرب.
وهذا الأمر يظهر احتمالات بأن تتجه العلاقات الروسية التركية إلى التنافر بالرغم من العقود طويلة الأمد بين البلدين لا سيما على الصعيد الاقتصادي، كما قد يؤثر ذلك على الملف السوري و الوساطة الروسية بين أنقرة ودمشق.
وسلمت أنقرة عدة من قادة كتيبة “آزوف” لأوكرانيا السبت الفائت، رغم الاتفاق القاضي ببقائهم في تركيا حتى انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
عودة المفاوضات التركية الأوربية
في مقابل موقف تركيا الأخير من السويد، وافقت الأخيرة على المساعدة في ملف تركيا نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والذي تم تجميده في العام 2018.
وقال ستولتنبرغ إن علاقة تركيا مع الاتحاد الأوروبي “لم تكن قضية للناتو، إنها قضية الاتحاد الأوروبي”. لكنه قال للصحفيين إن “ما وافقت عليه السويد اليوم كعضو في الاتحاد الأوروبي هو الدعم الفعال للجهود المبذولة لتنشيط عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي”.
وقبل اللقاء الثلاثي، حذر أردوغان من أنه سيعرقل محاولة السويد أن تصبح العضو الثاني والثلاثين لحلف شمال الأطلسي ما لم يمهد الأعضاء الأوروبيون الطريق لتركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوربي.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يربط فيها تطلعات البلدين (السويد- تركيا) بهذه الطريقة.
وقال أردوغان للصحفيين قبل توجهه إلى فيلنيوس “تعال وافتح الطريق لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي”(..)”عندما تمهد الطريق لتركيا، سنمهد الطريق للسويد، كما فعلنا مع فنلندا”.
جاء حديثه بينما كانت تقول أنقرة إنها تمنع انضمام ستوكهولم على خلفية تساهل الأخير مع المعارضة التركية و خاصة المتمثلة بالكرد المقيمين في السويد.
ومنذ 1987 تحاول الدبلوماسية التركية الانضمام للاتحاد الأوروبي لكن محادثات العضوية توقفت منذ عام 2018 بسبب التراجع الديمقراطي خلال رئاسة أردوغان، والمخاوف بشأن سيادة القانون وانتهاكات الحقوق، فضلاً عن الخلافات مع عضو الاتحاد الأوروبي قبرص.
من المتوقع أن تواجه تركيا في حال بدأت المفاوضات مجدداً مع الإتحاد الأوربي، مطالب أوربية حتى لو كانت على نحو أضعف من السابق، كالالتزام ببعض بنود التكتل مما قد يجبر أنقرة على تقدم تنازلات في الداخل، على الأقل في قطاع الصحافة وحرية التعبير، لكن من المستبعد في الوقت الحالي الخوض في القضايا الكبرى كالقضية الكردية نموذجاً.